من سيدفع ثمن السياسة العربية تجاه سورية


من سيدفع ثمن السياسة العربية تجاه سورية، في حرب الدول وليس في قضية إسقاط النظام ؟! الدكتور الشريف رعد صلاح المبيضين
هنالك فرق كبير بين الرؤية الاعتقاد، فالرؤية هي نتيجة لمعلومات تتكون عنها معلومة تدخل في دائرة المعرفة، ويمكن في أي لحظة تطوير هذه الرؤية المعرفية إلى درجة قد تنفي ما تم رؤيته في السابق بناء على المعلومات الجديدة وهكذا، بينما الاعتقاد هو الشيء الذي من الصعب نفيه تحت أي ظرف لكونه أصبح جزء لا يتجزأ من الدم والدماغ والقلب ، وهذه هي مصيبة أمريكا التي لا ترى الأمور ضمن رؤية معرفية ، بل ضمن اعتقاد جازم ، ولعل هذا ما يفسر لنا تورطها في أفغانستان والعراق واليوم في سورية ، من كان يتوقع هذا الفشل الأمريكي الفاضح والموجع لحلفاء المعسكر الأمريكي والإسرائيلي ؟ حيث أن الدعم المالي والعسكري والسياسي للمسلحين لم يكسر إرادة وصمود النظام السوري ، الذي لم يكتفي على ما يبدو بكل هذا النصر الصاعق على الأمريكان والصهاينة العرب والغربيين ، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك حيث ورط أمريكا بأكثر من مسألة ، فمن زجها في وحل التعري السياسي ألأممي إلى دفعها نحو التعري العسكري والإرهابي العالمي ، وصولاً إلى فقدان المصداقية الأمريكية العالمية التي أصبحت توصف دولياً بصاحبة المعايير المزدوجة ، عدا عن فضائح الإخفاقات المتلاحقة ، التي تأتي دائماً بعد اكتمال الدعايات الأمريكية عبر الفضائيات المأجورة باقتراب سقوط النظام السوري ، كل ذلك يتبلور في ظل وجود دول توثق كل ما تقوم فيه أمريكا من إرهاب عن طريق الجماعات المسلحة ، وما زال الغباء الأمريكي مستمراً حيث جعل من سدنة البيت الأبيض لا يحلمون إلا في الضربة الميدانية الحاسمة لإسقاط دمشق ووضع الجميع أمام حقيقة انتصار أمريكا على محور المقاومة ، والنتيجة ما نراه من هزائم منذ إعلان أكذوبة الثورة السلمية إلى اليوم !
من المحزن أن تكون أمريكا بهذه الصورة القبيحة ، حيث أنها تهلك ولا تنتج وتدمر ولا تعمر ، لكن الأكثر حزناً واقع أولئك الذين يسيرون في ركبها وهم ملزمون ومقيدون ومجبرون ، ولا اعرف ما الذي يقيدهم ويلزمهم ويجبرهم على السير في هذا الطريق المعروف نهايته المأساوية ، هنالك أمر قاهر يجعلهم دائماً في فلك هذا الشيطان الأصغر وليس الأكبر كما يقولون ، سيما بعد أن برهنت سورية للعالم أجمع أنها الأقوى والأقدر على التعامل مع كافة الإستراتيجيات الميدانية ، ولا شك أن العسكريين المتخصصين يفهمون ما اقصد في قولي : امتصاص الهجوم الحاسم من خلال تنفيذ ما يسمى الضربات المسبقة التي من شأنها أن تشتت وتبعثر قوة الهجوم من ناحية وتجعل الخصم في مرمى النيران المرتدة من ناحية ثانية ، إضافة إلى العقلانية التي تصل إلى حدود الحكمة العسكرية التي مكنت الجيش السوري من السيطرة على كافة المواقع والمفاصل الإستراتيجية لكشف حركة تنقل الخصم الذي يتم إيهامه بطريقة غير مباشرة وبين فترة وأخرى أنه يسيطر ، والحقيقة أنه تحت النيران السورية ، وإلا كيف تتم عمليات التطهير للمناطق التي يعتبر دخولها من قبل المسلحين مرة أخرى مغامرة قاتلة ؟! هذه الأسئلة برسم التدخل في الملف السوري ، وبرسم ذلك الأمر القاهر الذي يجعلهم يتبعون أمريكا والمتمثل في الخوف من التعدد القطبي القادم الذي سيلغي وظائفهم التآمرية على الشعوب ، لا بل وقد تتم محاكمتهم على كل ما ارتكبوه بحق هذه الشعوب البريئة .
للأسف المتآمرين على الحياة وعلى الإنسانية وعلى الوجود ككل لا يدركون وحشية الأمريكان ، لكونهم وبحسب تقديري المتواضع محرومين من نعمة الإدراك التي تعتبر من العمليات العقلية التي يقوم بها الإنسان لفهم وتفسير وتأويل الإحساسات بإعطائها معنى مستمد من تجاربنا وخبراتنا السابقة ، ولكن كيف ؟ وهم خارج التغطية الذهنية ! ما يعني أنك أمام ذوات نعم ،ولكن غير مدركة ، إلا تنفيذ كل ما يطلب منها ضمن جدول زمني محدد وبرنامج محدد أيضاً ، إذاً نتحدث عن أدوات لا أكثر ، والكل يعرف منطقياً لا مصير للأدوات ولا مستقبل ! وإلا كيف تفجر نفسها بنفسها ؟ ومع ذلك سورية ما زالت لغاية هذه الساعة تحافظ على هدوئها منذ اندلاع الأزمة ، والعجيب أنها ورغم كل ما وقع عليها من تدمير وإرهاب منظم لم تقع في ردة الفعل ، علماً بأن المخطط لها كان انهيار البنية العسكرية وتشتت القوى المدافعة ، إلا أن السوريين كانوا وما زالوا يتصرفون بذهنية صافية وفاعلة وواعية ضمن إطار خطط تجعل الخصم منذ بداية المعارك إلى اليوم في ردة الفعل ، ونحن كمراقبين ما زلنا نندهش من هذه القوة والقدرة والتماسك والصلابة التي تتمتع فيها القوات المسلحة السورية ، وهنا أتساءل والسؤال موجه إلى كل من تورط بالملف السوري ، من سيدفع ثمن السياسة العربية تجاه سورية ؟! وأردنياً: هل يكفي التصريح بأننا ضد التدخل العسكري في سورية ؟! لقد اخترنا كشعب وكقوى إنسانية وقيادات عشائرية الحياد من الأزمة السورية ، لكي يستفيد الموقف الرسمي ، ويعلن حياده بناء على رغبة الشعب ، أما نحن فإن موقفنا ثابت ضد أية مؤامرة تحاك ضد الشعوب العربية ، وتستهدف المقاومة الشريفة .
هنالك عدة تساؤلات وعلى الحكومة الأردنية أن تسرع في الإجابة عليها لكونه لا يوجد وقت لا أصلي ولا مستقطع ، ومن ضمن الأسئلة ما موضوع الجنود الأمريكان فوق الأراضي الأردنية ؟ ولماذا في هذا الوقت الحرج بالذات ؟ هنالك تحديات وتداعيات ما زالت تنتج عن الأزمة السورية ، والحديث عن التدريب المشترك ليس مقنعاً على الأقل لأشقانا السوريين ، وها هي صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية تصرح بأن الأردن قرر فتح المجال الجوي أمام طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، وأضافت الصحيفة أنه تم فتح ممرين جويين للطائرات الإسرائيلية، أحدهما من جنوب الأردن من صحراء النقب، والآخر شمال عمان، ما يتيح للطائرات التي تنطلق من قاعدة قرب تل أبيب وصولا سريعا إلى سورية ، فما مدى صحة هذه التصريحات والأخبار ؟ في الوقت الذي أستغرب وأتعجب من الإسرائيليون الذين يخشون من رد حزب الله في حالة التورط في السماء اللبنانية ، ولا يخشون الرد الإيراني في حالة استخدام الممرات الأردنية ، وفي الوقت الذي أحتار فيه من الموقف الأردني الذي يغامر بكل شيء في سبيل اللاشيء ، هنالك مخاطرة كبيرة على الأردن ، إذا ما صحت هذه المعلومات ، وكإنسانيين لن نقف مكتوفي الأيدي ، بل سندافع عن هذا الشعب الطيب المرابط ، وعلى كل من تورط في هذا الملف أن ثبت تورطه أن يدفع الثمن .
لا أعرف كيف نوفق بين كل تلك الحقائق وبين تصريحات الحكومة الأردنية: بأن موقف المملكة مما يجري في سوريا لم يتغير، وهو ثابت ضد أي تدخل عسكري. ويدعو إلى حلّ سياسي شامل ؟ !! وفي ذات الوقت نسمع من هنا وهناك حديث عن مرحلة ما بعد الأسد، وكيفية التعامل معها ، هل معقول أن حجم الغباء وصل إلى هذا الحد لدى كل من يعادي سورية سواء من الأمريكان أو الإسرائيليين أو نحن العرب ، سيما وأنهم جميعاً يصرحون وكأن القضية تتعلق في بشار الأسد ، ولا علاقة لها لا في إيران ولا في حزب الله ولا في روسيا ولا في الصين ولا في دول البركس !
المشكلة ليست في بشار الأسد ، ولو كانت المشكلة تتعلق في شخص لأختصر منذ الأسابيع الأولى للأزمة لكنها تتعلق في مصير عالم متعدد الأقطاب أو البقاء تحت الهيمنة الصهيوأمريكية ، والسياسي الأردني الذي يمارس الاختباء خلف أصبعه يصرح بأن ما يحدث ما هو إلا في إطار الاستعداد لمناورات الأسد المتأهب الدورية، بمشاركة 19 دولة شقيقة وصديقة ، نحن نصدق كل ما تقولون ، لكن هذا الأسد المتأهب يا ترى يتأهب ضد من ؟! هذا ليس تحليلنا وإنما التصريحات الصادرة عنكم مضاف لها أقوال الأمريكان !
ولتعلم القيادة السورية ولتعلم القيادة الإيرانية والروسية والصينية أن الشعب الأردني، شعب مسالم ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بهذه السياسات ، خاصة وان هذا الشعب لا يكتفي فقط بالسلمية وإنما يدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها ، لهذا تجده دائماً مع المقاومة المشروعة لنيل الحقوق المغتصبة ،وكذلك باقي الشعوب العربية ، نقول ذلك لأنه من الكفر أن يدفع هذا الشعب الصابر على الفاسدين والمفسدين ، والصابر على الجوع ، والمنهوبة ثرواته ، الشعب الذي ما زال لا يستطيع ولغاية الآن أن يقرر مصير ثرواته في باطن أراضيه ، من غير الممكن أن يدفع الثمن ، وهو يسعى مع كافة الأطياف والقوى الدينية والحزبية إلى نيل حقوقه المشروعة فوق أراضية .
وكمؤسس لهيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي ، أقول لكافة زعماء العالم : الشعب الأردني كباقي الشعوب العربية لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بأي من السياسات التي تجعلنا مع هذا الطرف أو ذاك ، نحن ضد القتل وضد العنف ونحمل أمريكا وإسرائيل وعموم الغرب مسؤولية ما يحدث في الشرق الأوسط ، لا بل ونطالب كافة المنظمات العالمية الإسراع في رفع قضايا على الجيش الأمريكي الذي قتل الملايين في أفغانستان والعراق وفي سوريا ولبنان وفي ليبيا وفي غزة ، وباقي المناطق التي ستبقى لقرون تعاني من ويلات الأسلحة التي استخدمتها أمريكا والتي لم تكن موجهة ضد الإنسان فقط بل ضد البيئة والنبات والحيوان ، أي أن هنالك جرائم ليست ضد الإنسانية بل جرائم ضد الحياة الطبيعية .
الشعوب العربية ليست منغولية ، وخصوصاً الشعب الأردني الذي يسمع ويرى ويحلل ، وعلى مرأى من بصرة يحدث كل شيء ، وهو غير مستعد لدفع الثمن مهما كانت التكاليف ، وبالمناسبة نحن لم نعير أي اهتمام لتلك الأعداد من الأردنيين التي ما زالت تقاتل في سورية ، لكن ما يقلقننا حقاً أن تصل الأمور إلى حد تدريب المنشقين السوريين فوق الأراضي الأردنية ، وتأمين ممرات جوية لطائرات إسرائيلية ، ما هذا ؟! إلى أين تسيرون فينا ؟ وهل المطلوب منا أن نصفق لكم بحرارة ونقول لكم شكراً على دمارنا القادم ؟! لأننا لو استطعنا كإنسانيين أن نطفئ غضب الأسد والإيرانيين بما لنا من علاقات طيبة معهم وثقة متبادلة فلن نستطيع أن نضمن لكم الارتداد الإرهابي على الأردن بعد تطهير سورية ! وأقولها لكم كلمة وليسمعها ويفهمها الكبير والصغير في الأردن في الغد القريب ستحتاجون إلى النظام السوري لتدخل في موضوع الارتداد الإرهابي على الأردن وعلى كل من تدخل في الشأن السوري.
حقيقة أنتم في مصاب مزدوج، وقد قلت لكم سابقاً أن الأردن بين خاسرتين في حال انتصار الأسد أو القاعدة، تقومون بدور إنساني بارك الله فيكم قفوا عند هذا الحد، و رحم الله امرئً، عرف قدر نفسه فوقف عنده”، فكيف في دولة ؟! أرجوكم ، أرجوكم ، أرجوكم ، هذه حرب دول ، وليست قضية إسقاط نظام ، وها نحن نسمع بالاتفاق على توجيه ضربة عسكرية بصواريخ بعيدة المدى إلى عمق الأراضي الأردنية, إذا بدأت عملية الانهيار الفعلية لنظام بشار الأسد في معركة العاصمة دمشق ، وتستهدف هذه الضربة معسكرات ومطارات تابعة للقوات الأردنية وستنطلق من الأراضي السورية ، ويتردد في الإعلام العربي والدولي أن النظام السوري طلب من القيادة الإيرانية توجيه بعض الصواريخ بعيدة المدى الإيرانية ضد أهداف داخل الأردن ، ولعل ما يحسم هذا التوجه عبثكم في النار السورية التي ستحرق كل شيء ! خادم الإنسانية .



تعليقات القراء

زميل الوظيفة
الشريف الرضي رعد بك المبيضين.. تحية: من قال لك _ من منطلق الأنسانية_ اننا محايدون ولا نقبل مجرد الحديث عن الأخلاق التي يدوسها النظام السوري منذ خمسين عاما؟
23-04-2013 06:08 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات