النواب يسألون .. والحكومة لا تجيب !!


جراسا -

بقلم المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين* - أشارت آخر إحصائية نيابية إلى أن عدد الأسئلة التي وجهها أعضاء مجلس النواب السابع عشر إلى الحكومة منذ انطلاق أعمال الدورة البرلمانية غير العادية في العاشر من شهر شباط الماضي قد بلغ (362) سؤالا نيابيا، وأن عدد الأسئلة التي أجيب عنها كان (109) سؤالا فقط. هذا العدد الكبير من الأسئلة التي لم يتم الإجابة عنها يثير تساؤلات دستورية حول فعالية السؤال في النظام الدستوري الأردني والحاجة إلى مراجعة أحكامه باعتباره مظهرا من مظاهر الرقابة السياسية التي يباشرها أعضاء مجلس النواب على الحكومة.

إن السؤال كما عرفته المادة (114) من النظام الداخلي لمجلس النواب هو استفهام العضو من رئيس الوزراء أو الوزراء عن أمر يجهله في شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم أو رغبة في التحقق من حصول واقعة وصل علمها اليه، أو استعلامه عن نية الحكومة في أمر من الأمور. فطبيعة السؤال تتمحور حول قيام النائب بجمع معلومات من الوزير حول واقعة معينة أو قرار اتخذه يتعلق بشؤون وزارته، لذا فهو حق شخصي وفردي لا يجوز أن يوقعه أكثر من نائب واحد، كما لا يجوز توجيهه إلا لوزير واحد.

أما فيما يتعلق بشروط السؤال، فقد قسمها النظام الداخلي لمجلس النواب إلى شروط شكلية وشروط موضوعية، حيث تتمثل الشروط الشكلية في ضرورة أن يقدم السؤال الى رئيس المجلس مكتوبا، وأن يكون موجزا، وأن ينصب على الوقائع المطلوب استيضاحها، وأن يخلو من التعليق والجدل والآراء الخاصة.

أما الشروط الموضوعية للسؤال فتتمثل في عدم مخالفته أحكام الدستور، وأن لا يشتمل على عبارات نابية أو غير لائقة، وأن يخلو من ذكر أسماء الأشخاص أو المس بشؤونهم الخاصة، وأن لا يكون في السؤال مساسا بأمر تنظره المحاكم أو إشارة إلى ما ينشر في الصحف، كما يجب أن لا يتعلق موضوع السؤال بشخص النائب أو بمصلحة خاصة به أو موكول أمرها إليه.

إن هذه الشروط السابقة، وتحديدا الموضوعية منها، قد جاءت للتضييق من نطاق السؤال وذلك من خلال اشتراط أمور غير موضوعية تتنافى مع الغاية من تقرير الأسئلة البرلمانية خاصة فيما يتعلق بحظر توجيه السؤال الذي يشير إلى أسماء أشخاص معينين أو إلى ما ينشر في الصحف. وقد تأكد هذا الحظر في قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين رقم (2) لسنة 2009 الذي جاء فيه أنه يجب أن لا يتضمن السؤال الذي يوجهه النائب لرئيس الوزراء أو أحد الوزراء أي طلب أو ذكر لأسماء أي من الأشخاص على الإطلاق، أو أن يمس بالشؤون الخاصة بهم.

إن للنائب الحق في أن يستفهم من الوزير عن أية أخبار تربطه بأشخاص معينين لهم تأثير في إدارته لشؤون وزارته، أو عن أية تقارير صحفية تناولته وتم نشرها في أي من الصحف الورقية أو الإلكترونية وذلك لتحقيق الشفافية في العمل العام ضمن مفهوم حق الحصول على المعلومات. كما أنه أحيانا قد يكون في مصلحة الوزير أن يتم توجيه مثل هذه الأسئلة له حتى يتمكن من الرد وتفنيد أية إدعاءات أو اتهامات غير قانونية وجهت له من خلال التقارير الصحفية.

أما مرحلة ما بعد توجيه السؤال النيابي، فقد ألزم النظام الداخلي لمجلس النواب الوزير المعني أن يجيب على السؤال خطيا خلال مدة أقصاها ثمانية أيام من تبليغه إياه، فإذا لم يقتنع النائب بجواب الوزير جاز له تحويل السؤال إلى استجواب وذلك استنادا لأحكام المادة (118) من النظام الداخلي لمجلس النواب.


إن أهم ما يميز السؤال عن الاستجواب أن الاستجواب كما عرفته المادة (122) من النظام الداخلي لمجلس النواب يتمثل في محاسبة الوزراء أو أحدهم على تصرف له في شأن من الشؤون العامة. ففي الوقت الذي يقتصر فيه السؤال على جمع معلومات حول واقعة أو قرار معين صادر عن الوزير، فإن الاستجواب يرقى إلى مستوى محاسبة الوزير سياسيا عن أي تصرف له في شأن من الشؤون العامة. لذا فمن الطبيعي أن لا يكون الاستجواب حقا شخصيا وفرديا، إذ يمكن للعضو أن يستجوب وزيرا أو أكثر.

كما يمكن تحويل السؤال إلى استجواب إذا لم تجب الحكومة خلال مدة شهر من ورود السؤال إليها وذلك استنادا لأحكام المادة (121) من النظام الداخلي لمجلس النواب.

إن هذا الحكم يثير تساؤلات حول الحكمة من إعطاء الحكومة فترتين زمنيتين مختلفتين للرد على السؤال والمغزى من تقييد الوزير بثمانية أيام للرد على السؤال إذا ما كان النظام الداخلي يعطي الحكومة فرصة أخرى هي شهر من تاريخ ورود السؤال إليها للإجابة عليه قبل أن يتحول إلى استجواب.

فالتساؤل الأبرز يكمن في حكم السؤال الذي لم يقم الوزير بالإجابة عليه رغم مرور ثمانية أيام وفيما إذا كان يمكن تحويله إلى استجواب بعد تلك الفترة، أم أنه يجب انتظار مرور المهلة الثانية الممنوحة للحكومة المحددة بشهر من تاريخ ورود السؤال إليها. كما يثور التساؤل أيضا حول الحكمة من إعطاء الحكومة مهلة شهر للإجابة على السؤال في الوقت الذي يعتبر فيه السؤال حقا شخصيا وفرديا يوجه من نائب واحد لوزير واحد فقط.

وعن مصير الاستجواب الذي يلي السؤال فإنه يمكن أن يتحول إلى طرح الثقة بالوزير أو بالحكومة مع مراعاة أحكام المادة (53) من الدستور التي تشترط لعقد جلسة الثقة بالوزارة أو بأي وزير منها أن يقدم بذلك طلبا موقعا من عدد لا يقل عن عشرة أعضاء من مجلس النواب.

إلا أنه وعلى الرغم من الحق الذي قرره النظام الداخلي للنائب بأن يطلب تحويل سؤاله إلى استجواب، فإن السادة النواب مقصرين في الاستفادة من هذا الحكم، ذلك أن عدد الأسئلة التي طلب أصحابها تحويلها إلى استجوابات بحق الوزراء محدود جدا إذا ما قورن بعدد الأسئلة التي طرحت ولم تجب عنها الحكومة.

إن الأحكام السابقة المتعلقة بالسؤال في النظام الداخلي لمجلس النواب قد جاءت ضيقة أكثر من اللزوم وتفتقر إلى آلية قانونية واضحة لإلزام الوزراء باحترام المواعيد الدستورية لتقديم ردودهم على الأسئلة المطروحة عليهم، وهو الأمر الذي قلل من قيمة السؤال، وحوله إلى أداة يستخدمها السادة النواب لتحقيق أهداف خاصة بهم تتمثل في لفت أنظار الرأي العام والقواعد الانتخابية لأدائهم داخل مجلس النواب. فبمجرد أن ينتهي النائب من طرح سؤاله وتسجيل موقف شعبي فإنه يمتنع عن متابعته والاهتمام بمصداقية الرد الحكومي عليه، هذا في حال أنه قد كان محظوظا وتلقى إجابة على سؤاله.

لذا، فإن على مجلس النواب وهو بصدد العمل على تعديل أحكام نظامه الداخلي أن يعيد الاعتبار إلى السؤال كمظهر رقابي نيابي على الحكومة وذلك من خلال إيقاع العقوبات النيابية المناسبة على النائب الذي يفشل في متابعة سؤاله واعتبار ذلك شكل من أشكال إعاقة للعمل النيابي. كما يجب التأكيد على واجب الوزراء في الرد وضمن المدة القانونية على الأسئلة التي توجه لهم وذلك في ميثاق الشرف الخاص بهم تحت طائلة ذكر أسماء المختلفين منهم أمام وسائل الإعلام بهدف أعادة الثقة بأهمية السؤال في النظام الدستوري الأردني.

laith@lawyer.com

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات