الرّحى ودولة الرئيس


ما أشبه اليوم بالبارحة! كنّا نتعجب عندما نسمع آباءنا وأمهاتنا يذكرون أيامهم الخوالي ، ويتمجدون ببطولاتهم ومغامراتهم ، يسترسلون بالحديث عن معاناتهم وصبرهم على أدواتهم البسيطة التي كانوا يتقنون استعمالها ومنها الرّحى . والرّحى – لناشئة العصر – قطعتان دائريتان من حجر بركاني ، يدور الحجر العلوي منها حول محور مثبّت في الحجر السفلي ، يدور بقوة إرادة سيدة عجوز لتطحن الحَبّ وتصنع الدقيق . 

نعم . ما أشبه اليوم بالبارحة! لا أذكر أنني سمعت عمّن استخدم الرّحى من أبناء جيلنا أو الأجيال التي سبقتنا بعقد أو عقدين من الزمان ، أو دفع الفضول أحدهم إلى تجربة عملها ، لكنني على يقين بأن دولة الرئيس يجهل فن استخدام الرّحى – وهذا ليس عيباً – ومع هذا يتقن فن الطحن بمهارة وحنكة بعلامة جودة متميزة ، ممزوجة بضحكة صفراء غريبة ، ولعبٍ على أوتار عواطف البسطاء المتهالكة ، مع مسحة حزنٍ يجيد تمثيلها بحرفة ودقة متناهيتين ، لتبدو قسماته بريئة خجولة ودودة حريصة على مصالح الدولة والشعب .

وهاهو دولة الرئيس يحرك حجر الرّحى العلويّ ( أعضاء الحكومة ) ، بمباركة قريبة من حجر الرّحى السفليّ ( أعضاء مجلس النواب ) بعد أن وعدهم دولته بأن ( يُزرّق ) بعضهم في حكومته الحالية بعد نيل الثقة ، لتدور الرّحى – كما حال الحكومات السابقة - على محور الفساد والوساطة والمحسوبية ؛ لتطحن ما تبقى من كرامة الشعب الأردني الأعزل .

الشعب الذي تحمّل وصبر ، وتقاسم لقمة العيش الشحيحة مع الأشقاء منذ النكبة والنكسة ، مروراً بأزمة العراق ، وعطفاً على التهجير والتوطين والتجنيس ، وختاماً باللجوء السوري الهائل بلا رقيب أو حسيب ، شعب كهذا ألا يستحق الحياة ؟ ! ألا يستحق العيش بكرامة؟! إلامَ سيصبر وينتظر؟! شقِي الأجداد وتحملوا وصبروا ، وكافح الآباء وكدّوا وصبروا ، لهثنا نحن وتهالكنا وما زلنا نتمسك بمقابض الصبر ، وأطفالنا أجيال المستقبل ألا يحقّ لهم معرفة الراحة ، وتذوّق طعم الاستقرار؟! أم أصبح لزاماً عليهم الصبر وانتظار المجهول؟! ... لا . شعب كهذا يستحقّ الطحن ، قبِل بكل هذا يستحقّ أن يسحق لا أن يطحن ، شعب كهذا يستحقّ أن يجوع ويعرى ، شعب كهذا سيصبح لاجئاً – عمّا قريب – على أرضه وبين أحضان وطنه .... ومع هذا تدور الرّحى ... وستبقى تدور يا دولة الرئيس ... اعلم يا دولة الرئيس أن التاريخ لن ينسى تخليد العظماء الذين بذلوا أنفسهم من أجل أوطانهم ، ومن أجل مسح دمعة على وجه حزين ، أو نجدة ملهوف ، كما لا ينسى أن يذكر من سحق الشعب وجلده بحجة الإصلاح والتغيير كي يقال أنه جريء وصاحب قرار ، واعلم دولتك أنك مسؤول عن الرعية التي تتولى أمرها ، وتذكّر الفاروق عمر – رضي الله عنه – حين قال : " والله لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها ، لمَ لم تمهّد لها الطريق يا عمر " .

أليس عجيباً أن تدور الرّحى في زمن الفكر والتطور والحضارة بمعايير الماضي وأدوات الفساد ؟ ! فما أشبه اليوم بالبارحة ! ! ها هي الرّحى تدور – ذات الرّحى – تدور ... وستبقى تدور ، وسيبقى حَبّها قوت الشعب الأردنيّ ومقدّراته ... فإلى متى تدور؟! ومتى يصبح حَبّها رؤوس الفساد ، وتجار الوطن والمقدّرات؟! إلى متى ....؟!



تعليقات القراء

حادي الركب
مقال لا يخلوا من ......... اتقوا الله في الاردن اعطوا الرئيس فرصه
15-04-2013 02:53 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات