كفى عنفا .. أطابت أنفسكم وأنتم تحثون على وجه اسامة التراب؟


كتبت عدة مرات حول العنف الكلمة والمشكلة والخطر التي أصبحت ظاهرة أخذت تهزنا جميعا لهول ما نرى وشدة ما نسمع والأخطر من ذلك أن تنحى منحى مدمرا لبنية أساسية من أساسات بناء المجتمعات وهي التعليم الذي أصبح مجروحا في كبده وأصبح ينزف دما من شرايينه الرئيسة دون أن نجد الطبيب البارع الذي يضع حدا لهذا النزف المعنوي والمادي لمؤسساتنا التعليمية حيث أصبحنا نسهم عن قصد أو عن تناكص او عدم اكتراث أو استسلام للواقع المؤلم الذي نشاهده من انحدار قيمي كبير غزا أفكار ابنائنا وبناتنا الطلبة وضرب القيم والاعراف الجامعية بعرض الحائط حيث أصبحت الدراسة وحضور المحاضرات والرجوع الى مكتبة الجامعة ليست من الاولويات بعد أن انزلقت بهم السبل الى منعطفات خطيرة. فماذا جرى لعقولنا التي ضلت الطريق وماذا أصاب سلوكياتنا التي أصبحت تتصرف بنزق ودون وعي جعلتنا سكارى وما نحن بسكارى دون أن نضع حلولا جذرية علما أن أسباب العنف لا تخفى على أحد.
لنعترف أننا مدانون ومقصرون في البيت والمدرسة والشارع ومكان العمل تجاه هذا السيل الجارف من العنف لفظا وسلوكا وتصرفات وللأسف في كل المستويات بعد أن فقدنا التوازن في كل شيء.... لنعترف أن هذه الظاهرة التي غزت معظم جامعاتنا بشكل ضروس هي امتداد لعقلية مجتمعية تتصف بضيق الافق وبثقافة نمطية بالية ... فما الذي يجري ونحن نرى نفرا هنا يشهر سيفه معتقدا انه يخوض معارك البطولة والتضحية ونفرا آخر يرفع سلاحه هناك في وجه أخيه وابن بلده دونما رادع أو خجل من النفس... ماالذي جرى ونحن نرى ابناءنا ينزلقون نحو الهاوية ويجرون معهم مؤسسات تم بناؤها بجهد ابناء الوطن كافة؟ ألم يساهم المجتمع في ذلك وهو يجد لهم المبررات في ضرورة احتواء الموقف عن طريق التوسط في عدم تطبيق الانظمة والتعليمات والحاق العقوبات بهؤلاء الموتورين الذين أسأوا لأنفسهم ولوطنهم وطعنوا مؤسساتنا العلمية في طيشهم وجهلهم وسفاهتهم؟ أي احتواء يكون ونحن ندافع عن فئة لاتعرف مصلحتها ولا جامعتها ولا وطنها فاستباحت كل شيء في طريقها... وهل هذه المعالجة أعطت نتيجة بل زادت من اتساع دائرة العنف يوما بعد يوم وسنة بعد سنة وانطلق عقال الأمر حيث أصبح ذلك خطرا داهما يهدد مكونات وطننا ومستقبله. أليس من الحكمة التوقف في مراجعة مناهجنا في المدرسة والجامعة التي تتعلق بالسلوك والتربية؟
ما ذنب الطالب أسامه الذى قضى بسبب فوضى العنف والعصبية والتقوقع على الذات والانحياز للافق الضيق الذي يرتدي نظارات السواد والعبثية والاستهتار؟ كيف نساهم في قتل أحلام وطموحات شاب كان يرسم آمالا عريضة ليخط طريقه في مسار الحياة ليسهم في بناء لبنة من لبنات الوطن ساهمنا في تقويضه وهدمها؟ ما حال أمه وأبيه اللذان بذلا على مدى أكثر من عشرين عاما جهدا وعرقا وتعبا وكدا ودما ومالا ينتظران لحظة تخرجه؟ ما حال اساتذته وزملائه الذين أوجعهم فراق شاب غض حثوا على وجهه التراب وما كادوا يفعلون تنتابهم الدهشة والذهول والصمت المعيب والرهيب. لقد غادر أسامة هذه الدنيا وهو يقول كفى عنفا يا ابناء وطني ولنستحي من جعفر ومن مقامات الصحابة ولنحترم مؤتة التاريخ ويرموك المجد ولنحترم قدسية الحرم الجامعي اينما وجد على امتداد الوطن.... غادرنا وهو يقول أطابت أنفسكم لأكون أحد ضحايا العنف الجامعي والمجتمعي معا. لقد فات الأوان ورحل أسامة فهو رحاب الله الاوسع من رحابنا... ولكن ماذا نحن فاعلون نحن الاحياء (الاموات) التائهون والسائرون على غير بصيرة أو هدى؟ \"أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي على صراط مستقيم\".
لا المؤتمرات ولا الندوات ولا المحاضرات التي عقدت منذ أكثر من خمس سنوات أعطت نتيجة بل الامر اشتد عنفا واصبح يتفرد ساحة العنف ويقودها الدهماء والمتهورون والمتعصبون والجاهليون الجدد ونحن نتفرج على احداث هذا المسلسل التراجيدي الدامي الذي أوجع قلوبنا ... الحلول كثيرة وفي متناول اليد اذا وجدت الارادة الصادقة والعزيمة القوية في تطبيق التعليمات الخاصة بذلك واعتبار كل من يتدخل في الدفاع عن المتورطين في تدمير هذه المؤسسات الوطنية والاساءة اليها هو شريك بالجريمة و سأتناول في مقالتين قادمتين بإذن الله رؤية للحلول التي تتمثل في اعادة هيبة الدولة ومنها كيف نعيد للتعليم هيبته وتطبيق القانون وتفعيل التعليمات بحزم وعدل لنخرج من هذا النفق المظلم الذي أصبح يقودنا الى المجهول. ورحم الله أسامة الذي غادرنا وهو يتـألم على واقع الحال والمآل الذي آل اليه مجتمع يتصرف بنزق وتهور دون أن نقول كفى جهلا وسفاهة وخطيئة؟
وليعذرني أخي وزميلي الاستاذ الدكتور رضا خوالده رئيس جامعة مؤته الجديد ابن الاردن البار بوطنه الاستاذ الالمعي والباحث المتميز والاداري الناجح يضاف الى ذلك محبة الآخرين له وتواضعه الكبير من غير ضعف وشخصيته النبيلة وتفاؤله بالمستقبل حيث نعقد عليه الأمل الذي يرافقه العمل الجاد والمخلص في وضع استراتيجية يكون للطلبة أنفسهم المشاركة في تطويق هذه الظاهرة الخطيرة... استراتيجية تحدث تغييرا ايجابيا وفاعلا يعيد فيه لجامعة مؤته ألقها يعود فيه ابناؤنا الطلبة الى القرطاس والكتاب والبحث والتعلم متسامين فوق الجراح ومتعلمين من هذا الدرس ليتحول الى طاقات ايجابية مبدعة ورب ضارة نافعة. وهذا الأمر ليس قصرا على جامعة مؤته بل يشمل كل موسساتنا التعليمية لتبدأ دون تسويف أو تأخير في وضع حلول عملية قابلة للتطبيق حسب خصوصية كل جامعة وبالتنسيق مع مجلس التعليم العالي الذي عليه مسؤولية وطنية جسيمة في وضع ذلك على قائمة الاولويات ومعالجة ما حدث وعدم تكرار هذه المشاهد التي تسيء الى سمعة التعليم في بلدنا ناهيك عن تلك الافرازات وأرهاصاتها السلبية على تركيبة مجتمعنا الاردني وفي مختلف المسارات والميادين.

أ.د. عدنان المساعده*
رئيس جمعية أعضاء الهيئة التدريسية
جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات