عندما تتمّ ولادتنا فإنّنا نرى نور هذه الحياة ببريق أملها وعنفوانها وجمالها حتى في شدّتها ، نرى الكون وما احتوى ، نكون في تلك الأوقات لوحدنا ، لربما نبكي ولكننا نسعد بعدها بلقائنا أحبتنا وأهلنا ، فنتعرف على أسرتنا ونبدأ مشوار الحياة منذ الطفولة .

نكتسب خبرات في الحياة تقودنا نحو المجد والعلياء ، ونحو صنع الذات ، والبعد عن الزّلات ، والاقتراب من بناء جسر ذهبي فوق الرّمال يوصلنا إلى حيث المبتغى ؛ لتحقيق انتصار رسم في ذاكرتنا ، وفي طموح أحلامنا ، وفي آمالنا وعقولنا قبل وجداننا ، فنتعلق به ونسعى إليه ، ونستمر لتحقيق أسمى ما نريده من جدّ واجتهاد ، وصنع للذات وتحقيق للمنجزات بما تقدمه لنا الأفعال والإمكانيات .

نبدأ مشوار الحياة التي رسمناها ونقشناها ولكنّنا نجهل أنّ ما علينا هو السّعي والاجتهاد وترك التدبير على ربّ السّماء ، فهو العلّام بالمحمود الذّي يبعدك عن المذموم ويحميك من الزّلات ، فكلّ الأمور مقدّرة بما حدثت وبما ستعطينا لاحقا مجمل الأيام ، فذلك موجود في اللوح المحفوظ فوق سبع سماوات .

لا بدّ من زيادة في الطّموح واستمرار في رفع البنيان ، والتشييد بثبات وأمان ، فهو الكوكب المضيء إن أردناه منيرا ، والمعتم المظلم إن التمسناه كئيبا عسيرا ، فلنجعل أعيننا تبصر الجميل ولتكتفي بالعبرة من القبيح ، وحسنت الحياة بحلوها ومرّها فمها قدّمت لنا ستبقى هي الفانية التي يتبعها العاقبة صاحبة الوجود المخلّد والثّواب المؤبّد .

فلنحرص على أن نكفّ عن إلقاء اللوم من أنفسنا إلى الآخرين ، ومن ترك مسؤولياتنا لإلقائها على ظهر عقيم ، فلأننا قادرون على أن نتغير وقادرون على التّغيير فأقلّ القليل هو أن نحاول صنع الشيء الجميل .

نلتقي في كلّ يوم بأشخاص يرسمون البسمة على شفاهنا ، أو يتركون الأحزان في أعيننا وفؤادنا ، وكلّ واحد منهم له أثر كبير في حياتنا وطبيعة تركيبنا وممشانا ، فلنأخذ الإيجابية ولنكتفي فقط بها ، ولنبتعد عن السّلبية لأنّ الجميع مصنّف من ضمن البشر وهو واقع يحترم .

أنثر في الأجواء رائحة الورود بوجودك ، واترك الأثر السّعيد بإرشادك وإنصافك وعدم الإقتراب على ما ليس من حقوقك ، فالأخذ بالسّلب محرّم على بني البشر ، فلتحافظ على ذاتك وأقرانك و وطنك ومكتسباتك ، ابدأ من نفسك تصنع التّغيير وتيّقن بأنّك جزء ثمين ، فلا مستحيل إلّا إذا انتظرت التغيير وأنت ما تزال نائما في السّرير .

فحتى إن تمّت ولادتنا مسبقا ، فلربما يتوّجب على البعض أن يولد مجددا ، بطيّ صفحات الماضي والبدء من جديد ليغدو قويما إن كان في اعوجاج ، أو ليزداد مرتبة في الإعتدال والصّواب .