فكري محتجب .. لكن بالياسمين


في خضم كل التناقضات العقلية والنفسية التي نعيشها لا أعرف من منا يجيد الاستماع ومن منا يجيد الحديث. فما رضيت يوما عن هذا ولا ذاك رضاء حقيقي, فيما أن المعظم ينخرط ضمن قائمة "مع" أو قائمة "ضد" دون أن يعطي نفسه الحق في التفكير بأن يكون له رأي مختلف ومستقل خارج اطار ما يساق له.
هل تعتقدون أننا أحرار يا سادة؟ سؤال يراودني دائماً وأطرحه دائماً لكن دون أن أحصل على اجابة شافيه.
أن كنتم تعتقدون أننا أحرار, فتلك مصيبة, وإن كنتم تصدقونها فتلك مصيبة أكبرُ. طبعا الا من رحم ربي.
سبق وذكرت في مقال سابق لي بأن أعظم وأقوى أشكال السيطرة هي عندما نظن أننا أحرار بينما نحن في حقيقة الأمر مملوكون بطريقه أو بأخرى.
إن أحد أشكال الدكتاتورية أن نساق ونقبع داخل الزنزانات, زنزانات نستطيع أن نرى أسوارها ونلمس قضبانها. والشكل الآخر وهو أعظم وأدهى أشكال السيطرة عندما نظن أننا أحرار بينما نحن في واقع الأمر مسيطر علينا بما يتم إملاؤه لنا.
يكفي أن نتأمل في الضبابية المخجلة والازدواجية العفنة وهي بارزه جدا في المواقف الغربية وخاصة الصهيوامريكة تجاه أنظمة الدول وشعبها والمنظمات "القتالية" – حسب ما يسمونها - من أخوان وقاعدة وجبهة النصرة وغيرهم.
نتلقى ما يمليه علينا الاعلام ونبدأ تناول طروحاته بثرثرة صاخبة بالسخرية تارة وبالسخط تارة اخرى وهذا يعتمد على الوتر الذي يعزف عليه الاعلام ويطرحه لنا, فنتلاقه ونعزفه ونغنيه ايضاً. حيث يقتنع البعض بما يطرحه الغير فيحمل شعاراته وبندقيته ليدافع عما اقتنع به بأنه الطريق للخلاص الذي كان دائما يبحث عنه, ويتراءى له النصر والعز في صوته وعياناه.
ان اكثر ما يثير اشمئزازي هو ما يسمونه بقائمة الارهاب او القائمة السوداء, ليست القائمة بحد ذاتها ما يثير سخطي, انما ردود الفعل التي تحدث اذا ما ادرج اسم او تنظيم معين ضمن هذه القائمة او شطب منها. وبين الحالتين ردود الفعل تكون كمن يحكم عليه بدخول الجنة أو النار وكأن تصنيفات الغرب ومقاييسهم هي التي تحكم من الارهابي من غيره, ومن الخائن ومن المحافظ ومن يراعي حقوق الانسان ومن يحافظ على حقوق المرأة ومن هم الجماعة الصالحة من الطالحة, تماما كما يصنفون "الاخوان, الاسلاميين, القاعدة, الجماعات الاسلامية, بعض الانظمة وبعض الاشخاص" وبناء عليه يوجهون الرأي العام.
أما الشعب,, فيا عيني ع الشعب, الشعب هو الكومبارس - مع احترامي للجميع ولنفسي فأنا ايضا من الشعب - فهذه الاحداث التي نعيشها في وطننا العربي لا أجد أجدر من كومبارس, أتوقع في أثناء مجريات الأحداث على المسرح لأحد المشاهد التاريخية التي تحدث أن يظهر الكومبارس ليؤدي دوره, ثم يختفي, ثم يظهر مره أخرى وفجأة "ترن ترن" يدق جواله, وهنا لن يكون من الخرج الا ان يصرخ في وجهه شاتماً ويطلب منه المغادرة "اخرج برا يا .....".
سطرت ما سطرت لأقف على الأحداث التي تناولها الاعلام مؤخرا والمتعلقة باجتماع وزراء خارجية العرب في الدوحة مسلطه الضوء على الدكتور محمد مرسي.
فقد صخبت المواقع الاخبارية الالكترونية منها والورقية ومواقع التواصل الاجتماعي في السخرية والاستهزاء من الدكتور محمد مرسي تارة لنومه في اجتماع وزراء خارجية العرب وتارة أخرى من كلمته التي القاها, فقد قرأت في عدة مواقع مصرية تسخر من الرئيس مرسي لأنه قال بأنه سيقطع اصابع السياسيين الذين يعتقد انهم يحرضون على العنف والساعين لإسقاط نظام حكمه, كما تهاطلت وبغزاره المواقع الاخبارية العربية والغربية بعد الترويج للمقطع الذي يُظهِر مرسي نائماً في الاجتماع بالسخرية ووصفه بأنه مخيب للآمال. جدير بالذكر ان هذا الخبر حظي بآلاف الإعجابات والمئات المئات من التعليقات الساخرة والمستهزئة. وقفت هنا "مزبهله" لهذا الحجم من الاعجابات والمشاهدات والتعليقات!!. علما لو أن احدا غير مرسي قالها لما حدث ما حدث.
وفي المقابل, ما أن تناقلت المواقع خبر نوم مرسي وبدأت السخريه منه ظهر خبر اخر ينفي ويفند خبر نومه ويظهر في فيديو كيفيه الفبركه التي حدثت لإظهار مرسي نائماً. مع ذلك, مرت ساعات وساعات وساعات على مشاهدتي لهذا الخبر من موقع دولي الا ان مواقعنا لم تصخب به كما صخبت بسابقه, ورغم انه يحمل مقطع فيديو الا ان مواقع التواصل الاجتماعي ايضا لم تصخب به, قلت في نفسي "عل أحدا لم يشاهده" وبادرت بوضعه على متصفحي للعام, الا ان احدا لم يعجب به ولم يجرؤ احد على ادراج تعليق اسفل ذاك الفيديو!! أمر غريب اليس كذلك يا شعبي؟؟
ان كان اغماض العينين وهز الرأس جريمة, فجريمة ما طرح في الاجتماع أكبرُ, فإن كنت نائما يا مرسي فهنيئاً لك نومك.
يجدر بي أن أذكر هنا أني لا أدافع عن شخص مرسي ولن أدافع عن أي شخص, أنا فقط احترم عقلي وأدافع عن حقي في التفكير.
ومع كل هذا الصخب ومع كل هذه السخرية على مرسي سواء لما شوهد انه نائم او لكلمته, أريد أن أسأل بعض الاسئلة للساخرين واتمنى ان يجيب احدهم عليها:
لماذا لم تسخروا من أنفسكم عندما استباح الصهاينة يوم أمس وقبل أمس وقبل قبل أمس وقبله وقبله المسجد الأقصى؟ لماذا لم تسخروا من عروبتكم عندما استباحوا نساءكم وعذبوا وقتلوا شيوخكم وأطفالكم؟
لماذا لم تسخروا من أنفسكم عندما قام الصهاينة بما اسموه بمحرقة غزة أو لما نعرفه بـ عملية الرصاص المسكوب على غزة؟ لما لم تشعروا بالسخرية من أنفسكم؟
لماذا لم تسخروا من أنفسكم عندما ألقت السلطات البوذية الوقود بعربات الاطفاء على منازل مسلمي الروهينجيا؟
لماذا لم تسخروا من أنفسكم لما يحدث لنساء العراق في سجون الأمريكان من اغتصاب وتعذيب وقهر وذل في وضح النهار؟
لماذا لم تسخروا من أنفسكم عندما انتقلت عدوى التعري للاحتجاج إلى تونس؟
لما لم تسخروا من أنفسكم عندما امتنعت "طفلة فلسطينية" عن مصافحة اوباما؟ بينما استقبلتموه أنتم بحفاوة؟؟
لم أعد أعي إلا التشرذم العربي بين السياسة والدين الذي يتقن مواهب اطلاق تأوهات الاعجاب والقفز والنط كالزبركات لكل ما يروج له دون ان يفكر في اعمال عقله ولو قليلاً. ربما علينا أن نعيد النظر في المعايير يا أصدقائي..
قلبي متعبٌ بعروبتي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات