نهاية نقابة شجاعة


إنه ليحزنني ويحز في نفسي ما آلت إليه أوضاع نقابة المعلمين في الفترة الأخيرة من سوء إدارة وتخطيط وتخبط, وفشل في تنفيذ الأهداف التي لطالما تشدق بها من وكلناهم تمثيلنا – نحن المعلمين – في مجلس نقابة هزيل غير قادر على خدمة قطاع كبير جدا من الموظفين المنتمين لأكبر وزارة في المملكة؛ وزارة التربية والتعليم, مجلس لم يتمكن من كسب ود وتأييد نسبة كبيرة من المعلمين لدعم برامجه, هذا إن وجدت برامج أصلا, فلم نر أي إنجاز يذكر يصب في مصلحة المعلمين أو أعضاء النقابة.
واأسفاه على الساعات الطوال التي قضيناها في أيام الحر والبر, وحين تجشمنا عناء التنقل من موقع اعتصام لآخر, وحين عانينا الكثير من بعض مدراء المدارس الذين هددونا بالخصم من رواتبنا أيام الاعتصامات, حتى وصل الأمر ببعض المسؤولين بتهديدنا وترويعنا إن لم نتوقف عن المطالبة بالنقابة, لكننا بقينا صامدين متكاتفين, في سبيل هدف سام هو استرجاع نقابتنا التي غيبت سنين طويلة, وكم حلمنا بمستقبل أفضل لمهنة التعليم, وبتحسين ظروف المعلم التربوية والمهنية والمادية, لكنني أرى – وللأسف الشديد – انهيار ذلك الحلم, ولا أرى من يدافع عن المبادئ والأهداف التي أنشئت النقابة من أجلها.
ومن الأمور التي ستساهم في انهيار النقابة جملة القرارات التي صدرت عن مجلس النقابة قبل يومين, وأسوأها قرار زيادة قيمة الاشتراك الشهري إلى ثلاثة دنانير بدل دينار واحد, أنا شخصيا مستعد وكغيري من المعلمين لدفع خمسة دنانير وأكثر مقابل تلقي خدمة فضلى تساهم في رفع سوية التعليم في بلدنا الحبيب, وقد يقول قائل بأن رفع قيمة الاشتراك الشهري سيساهم في تحسين الظروف المهنية والوظيفية للمعلم, وأنا أقول نعم وأؤيد هذه الفكرة, لكن بشرط أن نرى وعلى المدى القريب وأن نلمس – قبل أن يتقدم بنا العمر – ما يثبت اهتمام مجلس النقابة بأعضائها مثل شراء الأراضي أو الشقق وتوزيعها على المعلمين بنظام واضح وآلية مناسبة, لأن غالبية المعلمين يسكنون بيوتا وشققا مؤجرة تستنزف من رواتبهم الكثير. وكذلك منح القروض الحسنة لغايات التعليم والزواج, بل وحتى الأمور الأخرى التي تعد رفاهية أو ثانوية مثل تمويل شراء السيارات والأثاث وغيرها.
ولكن الواقع للأسف عكس ذلك, فعلى الرغم من مضي فترة ليست بالقصيرة على تأسيس النقابة, وتولي رئيسها ومجلسها مهامهم ومناصبهم, إلا أننا لم نر ما يدل على أي رغبة أكيدة أو توجه حقيقي لتحقيق تلك الأهداف. فمن ميزانية غير دقيقة كثر حولها اللغط والانتقاد بسبب صرف وتبذير مبالغ طائلة على بنود ليست ضرورية ولا تسهم في خدمة المعلم من أثاث وقرطاسية وأجور وبدل تنقلات لأعضاء المجلس, إلى اتفاقيات معالجة هزيلة بل وسخيفة جدا لا ترقى إلى مستوى طموح المعلم, ولا تتعدى نسبة الخصم فيها في أحسن أحوالها 20%, إلى خلافات مستمرة بين الحين والآخر, تكاد تعصف بمجلس النقابة, ولا تستثني النقيب نفسه من الانتقاد اللاذع والاتهامات الموجهة إليه شخصيا, حتى أصبح المجلس ساحة لتصفية الخلافات بين أعضائه تبعا لتوجهاتهم الشخصية وانتماءاتهم الحزبية, التي يجدر بأعضاء المجلس الابتعاد عنها, وعدم إقحامها بقرارات النقابة ومسيرتها المهنية.
ومما يسرع في انهيار النقابة, دعوتها لإلغاء التأمين الصحي الحكومي الإلزامي, والتعاقد عوضا عنه مع مستشفيات القطاع الخاص التي هي شركات تجارية في الأصل, هدفها الربح المادي, وكذلك تفاوت الخدمة المقدمة من مستشفى لآخر, ناهيك عن أن الإعداد لمثل هذه التعاقدات يحتاج إلى وقت طويل ونقاش موسع, يتسبب في ضياع وقت كبير من عمر نقابتنا العزيزة, بالإضافة إلى هدر جهد عظيم نحن بأمس الحاجة إليه خصوصا وأن نقابتنا حديثة العهد وبحاجة لاستغلال كل دقيقة وكل يد تسهم في تثبيتها ووضعها على المسار الصحيح.
ولا يفوتني أن أذكر تلكؤ مجلس النقابة في إنشاء الصناديق المالية التي تحفظ كرامة الموظف التربوي وتساعده حتى بعد مغادرته الوظيفة, مثل صندوق التكافل والتضامن, وصندوق التقاعد وغيرها من الصناديق التي تساعد الموظف على تحمل أعباء الحياة التي تثقل كاهل قطاع واسع من المعلمين خصوصا.
ولعل الإبقاء على قانون القائمة المغلقة كوسيلة للانتخاب, ستكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير, وأثارت استياء عدد كبير من المعلمين الذين يرون فيه تقييدا لحريتهم في انتخاب من يمثلهم في النقابة, وكذلك يعد فرضا غير مبرر لأسماء ربما تكون غير مرغوبة, ولا تعد مصدر ثقة للمعلمين, وليست لديها الكفاءة اللازمة لتغيير واقع حال المعلم المستمر في التردي بشكل دراماتيكي في الآونة الأخيرة. وربما على الأقل تكون الأسماء المطروحة غير معروفة لبعض المعلمين بسبب البعد الجغرافي وانتشار مديريات التربية في أرجاء المملكة كافة.
أخيرا, إذا لم يحسن مجلس النقابة من نوعية أدائه, وإذا لم يبتعد عن كل الخلافات التي تساهم في انهياره, وإذا لم يتجاوز كل السلبيات التي قام بها منذ إنشاء النقابة, وإذا لم يهتم بتحسين وضع المعلم من النواحي كافة, ووضع الضوابط والتعليمات والقوانين التي تنظم مهنة التعليم, فسيكون هذا المجلس مضطرا لصد هجمة شرسة من أبناء النقابة الأوفياء الشرفاء الذين لا هم لهم إلا خدمة المعلم والمعلم فقط.

المعلم: سهم تيسير المعايطه



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات