تزوجت بدويا


في ما يقارب اربعمائة صفحة تروي لنا مارغريت فان غيلديرملسين ، الممرضة النيوزلندية في مذكراتها قصتها وزواجها من احد شبان البدو في البتراء وادي موسى عام 1978 أعواماً طويلة عاشتها مارغريت في البتراء مع زوجها في كوخهم المطل على كل الاشياء , طبخت له وخاطت الثياب لعائلته وعملت كممرضة في عيادة القرية وأنجبت ٣ أولاد سلوى ورامي ومروان في ذات الكهف رواية تتغلغل الى سويداء القلب لصدقها ونبلها تنقل بسلاسة حياة البادية الاردنية بمنتهى البساطة فلا تستطيع تركها ابدا الا بقراءتها كاملة غير منقوصة .


عاشت مع ابن العشائر الاردني محمد وعائلته وأرادت اكتشاف كل شيء في حياة هذا الرجل الذي احبته مباشره وربطت مصيرها في مصيره , انه الحب الذى جعلها حبلى بعشق الاردن والبادية الاردنية , عندما زارت الاردن للسياحة فكان القدر ان تزوجت من محمد البائع للتحف التذكارية وقد اوصلت رسالة قوية بان حياة البادية الاردنية فيها خصوصية هائلة جعلتها تدير ظهرها للحياة الغربية الماجنة , تروى النيوزلندية هذه القصة التي تضج بالقيم والاخلاق فوق الخيال , بل تعطي مؤشر قوى ان اهل البادية الاردنية بما يحملون من موروث عالي من القيم والاخلاق المتجذرة والكرم الحاتمي الاصيل , جديرون بالاهتمام عندما يمنحون اللا شيء كل شيء , وقصة مارغريت بما فيها من واقع عذب عاشتها على ترابنا الوطني حملت مع نسمات الوطن كل الوفاء للأردن واهل الاردن وحياة الاردن , بل استعذب قلمها وسردها غير المسبوق عن الحياة الاردنية الجميلة , بل من جبال الشراة الشاهقات خرج صوت عالمي مرهف ينصف حياه الاردنيين حتى بيعت الرواية بملايين النسخ بالعربية وباللغة الانجليزية .


ولا نقف اليوم عند قراءة هذه القصة الانسانية الهائلة التي جمعت بين حبيبين على قلب الوطن , بل هو الوفاء بعينه للأردن واهله وللعشائر الاردنية التي استظلت بظلهم فوهبوها قلوبهم وهي تطببهم من كهفها , بل عاشت حياتهم , وعشقت ثقافتهم , طبخت المناسف معهم, وحملت المياه لكهفها , وحلبت الشياه بيدها , واسلمت اختنا مارغريت لربها, ودانت له , وربت اولادها حتى غدوا الان جهابذة للعلم, وجابوا العالم , وهذا حال الاردنيين الان بمواردهم البشرية الهائلة وبعلمهم وكرامتهم التي يبيعون الدنيا لأجلها , فما بال اقوام الان وهم يرضعون من ثدى الوطن , فلا ثدى لهم , يلعنون الارض, والحياة والثقافة والعشائر وشيوخ العشائر , والسماء التي اظلتهم , حتى فاضت ارصدتهم في بنوك العالم , من مال ابناء عشائر الوطن , الارض, والتاريخ, والماضي والحاضر .
ولشدة مدحها للأردن, والبادية الاردنية, والذى تمثل بالنشمي الاردني محمد , الذى وهبها قلبه , ووهبها كل ممتلكاته, كان الجزاء الحقيقي كلمات من نور شعت من قلم مارغريت, لتخبر العالم اجمع , عن حلاوة العيش مع الاردنيين والانغماس معهم حتى النخاع, مدحتهم ولم تذمهم , رفعتهم ولم تخفضهم , صادقة في الوصف طيبة المعشر , عشقت الاردن ترابه وسهوله وهضابه وشعبه, ولشدة انغماسها , بالأردن ثقافة وحياة وقبائل, جاءت من بريطانيا الملكة اليزابيث لكي تنظر وتعاين حياة مارغريت في كهف اعتلى على كل الاشياء 23 عاما دخلت الملكة اليزابيث ذات الكهف ودخله الكثيرون من الزعماء والادباء والرحالة الاجانب , بل استطاعت مارغريت ان تجعل كل الاشياء والعظماء تخلع القبعة للحياة العشائرية وابناء القبائل الاردنية , وهي تقبع في سعادة حقيقة وسط قبيلة احبتها ورفعتها الى هام السحاب .


فكوارث الأوطان تأتي نتاجاً للتهميش والاقصاء والاغتيال السياسي وتجفيف منابع الاردنيين من مراكز صنع القرار والتهاون بقضايا الاردن المصيرية والهوية الوطنية والتبديل والاحلال السياسي, الذي يحركه المزاج والنظرة الدونية والبوح ألحميمي" للأفكار الحبيسة تجاه ابناء العشائر والقبائل والانطباعات النفسية والإيحاءات غربية الثقافة ونهج الشك والريبة في النظرة للأخر للدعاة والمصلحين والاسلاميين رواد الصفوف الاول , والنظرة المزدرية لتراث وعقيدة الاردن وحضارتها منهج استلابي تدميري للذات ينذر بالأفول , مشهد حزين ومثير للشفقة للأردن, اليوم جاءت رواية مارغريت فان غيلديرملسين لنقول للأخر لازال الوطن واقفا على قدميه رغم الضربات المتوالية , ونبحث اليوم عن قطار سياسيا يجتاز بنا هذه الصحراء القاحلة نحو الدولة المدنية ، وعن قاربا شراعيا يأخذنا في نزهة نحو صخرة الديمقراطية العذراء , وسط البحر الوطني المأفون من المنازعات والمناكفات والتذاكي الفكري والسياسي على الاردنيين .

وحمى الله الاردن واهل الاردن .
Atef191973@yahoo.com



تعليقات القراء

سراق جاج
...........
رد من المحرر:
نعتذر......
رد بواسطة ؟؟؟
.............
رد من المحرر:
نعتذر......
26-03-2013 03:52 PM
حجايا
نعم للعشائرية في وجهها الايجابي و لا و الف لا للعشائرية السلبية ..نقد جلالة الملك جاء لمن كان ولائهم يشترى بالعطايا و المنافع ...لمن اعمت اعينعم العشائرية الضيقة..عشائرية الواسطة و تغليب منفعة العشيرة على مصلحة الوطن..
26-03-2013 09:15 PM
زيدون
حروفك يا صديقي هي بعض من هذا الكهف.... اصيلة كأصالته.... رقيقة رقة العاطفة التي اجتاحت قلب مارغريت... نافذة كسهم الحب الذي اردى به صاحبنا محمد قلبها متيّما لا تقوى بعده على مغادرة الصحراء... نعم نحن مسحوقون مع بعض حبات الهيل في حب وطن.
نؤمن اننا "مهما تقوّل المتقوّلون" اصحاب حضارة و ارث من الماضي, و سيبق ذبالات تنوير تسود مدى الازمان..
دام حرفك هكذا صديقي
27-03-2013 10:07 AM
اسمر صحراوي...
..كلمات على درجة ممتازة من الأخ الكاتب ..بأمثالها نطمأن على مستقبل موعود لهذه الأمة التي تتألم من كاحلها ..ويصرأطباء الغدر على فتح دماغها لتخريب كل شئ جميل مخزن في ذاكرتها لكن هيهات هيهات !
فأسلة زماننا لن نرضى لها باجوبة مللنا سماعها من أفواه المنبطحين الانتهازيين الوصوليين ...جواب واحد ووحيد فقط سيشفي غليلنا هو مواصلة كفاحنا وثوراتنا لاحقاق الحق وازهاق كل باطل بحول الله تعالى..أنه زمن الأردنيين الذي عبر عنه الكاتب ليستفيقوا من غفلتهم بل يدركوا ما يحاك حولهم من مؤامرات اليس كذلك ايها الكاتب؟
27-03-2013 11:46 AM
المؤمن اخ المؤمن لايخذله ولا يحقره
واحد من الراشد الى واحد انت راشدي كح عرفتك من كلمه جاج مقال جميل من كاتب جميل .
28-03-2013 10:17 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات