بداية لا يمكن لأي أردني عاقل بأن يصدق أن مليكه الذي سار بالأردن في أحلك الظروف وطاف وجاب أرضه من أقصى الشمال لأقصى الجنوب متفقداً أحوال فقرائه أن يتلفظ بما ذكرته الصحيفة الأمريكية , والذي لم نتفاجأ بما ورد في سطورها من غطرسة إعلامية كجزء من المؤامرة التي تحاك للأردن وشعبه وقيادته منذ نشأته والى يومنا هذا .
فما جاء في المقابلة ليس قرآناً لنصدقه ,فأمريكا تنفق على الماكينة الإعلامية التي يسيطر عليها الصهاينة أكثر من 60 مليار دولار سنوياً لتصويرها بأنها مالكة الإنسانية ومحررة العبيد وصانعة الاستقرار والشرطي الأول في هذا العالم.
أعود لموضوع المقابلة فأقول بأن الأمريكان ليس بمقدورهم صنع أي شيء لنا في الأردن حتى لو ملكوا الدنيا بأسرها , لان هناك ترابط أزلي بين القيادة والشعب , وبين القيادة والجيش, وبين القيادة والأجهزة الأمنية ,وبين القيادة والأردنيين من أصول فلسطينية ,وبين القيادة وأبناء العشائر الذين يقدسون الملك دون أن يعبدوه .
فهذا التلاحم الذي يصعب اختراقه والنفاذ منه هو الذي حرك المخالب الصهيونية الإعلامية لإثارة البلبلة وإحداث شروخ بين القيادة والشعب والجيش والمخابرات لعل السم ينفذ منها بعد أن عجز ربيعها الصهيوني عن تحقيق مبتغاه , فالصهيونية تعلم جيداً أن الأردن الذي يعتمد أساسا في حكمه على النظام العشائري ليس بالسهل اختراقه خاصة وان عشائرنا ليست كتلك الموجودة في ليبيا والعراق واليمن وسوريا .
فالعشائرية والمخابراتية هي القوة الضاربة بيد جلالة الملك سيبقى ما دام هناك نبض يسري في عروقها , فقوة انتماء العشائر للملك حبا وطواعية , أرعبت الأعداء على مر تاريخ الأردن ووترت أعصابهم بالتفافهم, تلك القوة التي يراهن على وهنها الصديق قبل العدو, ففشلوا في كل مرة أرادوا بها جرح الوطن أو إصابته بمقتل, فالمؤامرات على الأردن ليست جديدة لنتفاجأ بما ورد في الصحيفة المقبورة, بل هي قديمة جدا أضحت جزءا من حياة الشعب اليومية والذي جابهها بزاكي الدماء وغالي ألأرواح يوم غلب أبنائه المصلحة الوطنية على لذة العيش التي أوهمونا بها, فاحتار بهم العدو قبل الصديق , ويكفي عشائرنا فخراً أننا الشعب الوحيد في العالم الذي يُغني لملوكه في كل المناسبات التي نعيشها في الأعراس في التخريج في طهور الأبناء في المباريات.
فلنتمعن جيداً بما ورد في الصحيفة لنجد الخبث الإعلامي ظاهراً وواضحاً تماما , فقد عزفت الصحيفة على أهم أوتار الوطن وأركانه التي تحدثنا عنها سابقا والتي تمثل ركائز بقائه ودمار أعدائه , أرادت تلك الصحيفة تشديد الخناق على الشعب الأردني دون أن تدري أن الأردني مواطن غلبان فقير الحال , كلما اشتدت عليه المصاعب والمعيقات والمؤامرات , كلما خرج من تحت الركام ناراً لهيباً حارقاً .
فلتعلم الصحيفة المقبورة بأنها لو جاءت بكل مليارات أمريكا لاستمالة جندياً أو ابن عشائر لا يجد قوت يومه لتزعم انقلاب ضد الملك , فان هذا الفقير الغلبان سيقضي عليه بمجرد التشاور , فالكل يعلم بأن الأردن من الدول التي يصعب بها نجاح الانقلابات والمؤامرات رغم شح موارده بسبب التلاحم بين القيادة والجيش والأمن والعشائر, فمن لديه شك في ذلك فهو جاهل لأنه لم يدرس تاريخ الأردنيين, الذي نفتخر بأنه لم يشهد تسجيل حالة خيانة واحدة بين ابناء العشائر, فهكذا هو الشعب الأردني لا يُفرّط بملوكه, ولو أراد أن يفعل ذلك كما فعل الغير من الاشقاء إرضاء لإسرائيل وإنجاحاً لمخططاتها لفعلها منذ زمن.
فالاردنيين يدركون تماماً ويقيناً بأن الحب لا يباع ولا يشترى , وان الولاء يُمنح ولا يُفرض, وأن للخيانة أناس يعرفون من سيماهم, لذلك تراهم يشترون أمنهم وأمن ابنائهم بالولاء للقيادة طائعين غير مكرهين, واحداث التاريخ ستشهد لهم كما شهدت للاجداد والاباء, ويشترون حكم الهاشميين حتى لو باعوا لا قدر الله , ابعد ذلك يبتغي اعداء الاردن ولاءً لمليكهم.
وقفة للتأمل:"نستغرب في ظل هذا الحدث التآمري على الشعب الأردني وقيادته,ونتساءل: أين المكتب الإعلامي في الديوان الملكي الذي يتقاضى موظفيه رواتب وحوافز عالية مما جرى ؟ فلماذا لم يكن بحوزتهم تسجيلاً لنص المقابلة كما تفعل المكاتب الإعلامية لرؤساء الدول في العالم, لتقوم بنشرها احقاقا للحق , بدلاً من تفنيدها ببيان لا يسمن ولا يغني من جوع ؟, إن ما جرى من مؤامرة اعلامية يمثل للاردنيين تحدياً يجب أن يكون درساً لهم في المرات القادمة , ونجد لزاماً علينا كشعب يُحب مليكه أن نقول : يا جلالة الملك إن البطانة حولك ليست هي التي يحتاجها الوطن في هذا الزمن الرديء الذي يمر به ".