تحية للمحاربين القدماء من أبنائهم


في تفاصيل التفاصيل لجنود الأمس -من الشعار العسكري, مرورا بالقايش إلى البسطار- قوام مشرق لجسد نظر, محشور داخل بزة عسكرية, لنفس وثابة وروح تتوق لباريها تعلوها الهمة, هيئة مكسوة بالغار, هؤلاء هم الجنود. وهم جدي وأبي وعمي وأبن عمي وأخي وأبن عمتي وأبن خالتي, وأبناء البلدات من الشمال وحتى الجنوب, ومن الشرق واصل للغرب من أصحاب النسب والأصهار أولائك البواسل جنود الأمس, وفيهم ضباط وقادة من كل الرتب, نسميهم اليوم بالمحاربين القدماء والمتقاعدين. أجلس إليهم مرارا لأستمع منهم تكرارا لسفر خالد من بطولات لم تكتب, لكنها تروى بأدق أدبيات التفاصيل, حيث أقيم مع أسرتي كمدني في جوار المحاربين القدماء من المتقاعدين, في إسكان للضباط. وأجلس كذلك مع الكثير من أقاربي المتقاعدين من الكبار في العمر والقدر, وفيهم من كان جريح في معارك لم ننتصر بها, ورصاص العدو ما زال يستقر في جسده مع عدو الأمة إسرائيل منذ حرب 1948 وما بعدها من حروب ومناوشات وبطولات فردية باهرة للدارسين والسامعين.

فتحية طيبة, دائمة مباركة للمتقاعدين والمحاربين القدماء, أكتبها إليهم بحروف من نور, بكل الحب والفخار والعزة والعرفان نيابة عن ملايين من بناتهم وأبنائهم وأحفادهم والحفيدات, واصلة إليهم طائعة مرضية بسلام في دار إقامتهم في حياتنا الدنيا, الوقتية الزائلة, ورحمة ومغفرة موصولة اليهم في دار المستقر في آخرتهم السرمدية الدائمة. وطوبى لهم على ما بذلوا من جهد طاهر يعلو, علو قاماتهم في ميدان الجندية وساحات الوغى, وتحية لدماء الشهداء الزكية منهم, المزكيات من رب العزة, ولأرواحهم الخلود أينما حلت في جنانها, فرحة بما آتاها ربها من ميزة على بني البشر, مكرمة بوحي من ربها على الخلائق جيل بعد جيل وخلق بعد خلق.
وللمحاربين القدماء دين دائم في رقابنا مهما تعاقبت الأجيال, ووشم على الأرض حول ضفتي النهر المقدس وفي كل كهف ومغارة وخندق لا يرد له جميل. وفي بواطن الأرض وعلى سطحها سفر خالد يسجل التلاحم البطولي ما بين شعار وعلم, ومحارب يحترم دور الجندية والفداء, ومن اعتبر البندقية شرفه العسكري وكرامته الإنسانية العربية الأردنية الأصيلة, كما قدس ترابها, كأرض للنبوة وأرض للجدود, ولن يتوانى في استعادتها يوم وحين.
وتحية طيبة لهم ممتدة مع بطولاتهم وجروحهم من القدس للطرون لباب الواد إلى السموع, والكرامة والأغوار وبني كنانة وعيرا ويرقا وسفوح البلقاء وسهل حوران ومرتفعات أم قيس وهضاب وأودية بيت راس ومغاراتها وسراديبها إلى مقام الخضر, إلى وادي الغفر في سوم مقر المدفعية السادسة وأبي الدرداء. نحييهم نحن الأبناء وما ينحدر منا من نشء من الطرة إلى الدرة, ومن العقبة إلى عقربا ومن البحر للنهر والبادية وحتى الرويشد وكل الربوع والنجوع والوهاد التي تتذكر صولاتهم وجولاتهم.
وتحية لهم في شيخوختهم ومعاناتهم مع شغف العيش وتآكل رواتبهم التقاعدية ومع همومهم في تدبرهم لأمرهم وأسرهم هذه الأيام غير الرغيدة. نحييهم في خريف عمرهم من ربيعنا العمري ومن ربيعنا العربي, ونحييهم في كل أيامنا وفي فصولنا الأربعة غير آبهين بما مضى من نكسات في ذمة التاريخ وعهدة عند من لا تضيع ودائعه, وسلام على المحاربين القدماء والمتقاعدين العسكريين والمدنيين في الخالدين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات