منذ ايام وفي الساعة السابعة صباحا كنت اركب الباص بعد انتظار طويل في جو بارد ، متوجهاً الى عملي مدرساً في احدى مدارس التربية والتعليم (تدريس اضافي) ، وكان سائق الباص ، كعادته يجبرنا على سماع محطات الاذاعه التي يتنقل بينها ، وبصوت مرتفع ، كنت مجبرا على الاستماع الى مذيع يدعى محمود الحويان في برنامج صباحي على احدى الاذاعات ، وراح يتحدث عن قصة حزينة لسيدة زارته في البيت _ ولا أدري لماذا يزورونهم _ ، وكان يروي القصة بطريقة يحاول من خلالها جر الدمعة من عين المستمع غصباً ، محاولا بث الحزن في نفوسنا مع باكورة الصباح ، ليعنون لنا يومنا حزناً ونكداً وهم ، شدتني العاطفة لقصة تلك المرأه التي نجد في مجتمعاتنا مئات بل آلاف النساء مثلها ، فهذا حالنا ونحن نُنهب ونُسرق صباح مساء ، ثم انتقل بنا الحويان الى موضوع آخر تحدث فيه عن رجل يناهز الثمانين من عمره ، يعمل في كشك بمجمع الشمال ، لم يمنعه الشيب ولم يهده الزمن ، وعرج من خلال ذلك على شاب يحمل شهادة عليا يبيع الخبز ، وكان حديثه يبين وكأنه اكتشف لنا جديدا لم تعرفه البشريه ، ما دفعه الى توجيه رسالة الى المتعلمين قائلا لهم (انقع شهادتك واشرب ميتها ) ،
نعم ايها الاردني المتعلم الذي انفق عليك اهلك دم القلب ودمع العيون ، محود الحويان يريد منك ان تنسى ان أباك باع كل ما يملك ، او واصل الليل بالنهار يعمل ويكد في سبيل ان تتعلم ، أو ان تنسى نظرات اخوانك الصغار اليك وهم يُحرمون ربما من ابسط متطلبات الحياه في سبيل توفير رسومك الجامعيه واجرة الطريق ، يريد منك ان تنسى كم من الايام كنت تخرج من القريه او البادية او المخيم مع ( فجة الضو) خاوي المعده ، وتبقى كذلك الى ان تعود مع الغروب ، كل تلك الذكريات المليئة بالعذابات والحرمان يريدك محمود الحويان ان تنساها او ان تمحوها من ذاكرتك وأن ( تنقع شهادتك وتشرب ميتها ) بحجة ضرورة التخلي عن ثقافة العيب ، وكأن الشهادة اصبحت من ثقافة العيب .
نعم هذا ما يدعوكم اليه وهو يعلم ان هناك من تفصل له الوظيفة منذ اليوم الاول من دخوله الجامعه حتى لا يلقى عناءاً بعد التخرج وهو الذي عاش حياة الرفاه والرغد في الجامعه ، ان كان رضي بالدراسة في الوطن ، وانت تمني النفس بأن تعيش حياته ولو لساعه .
ما اود قوله بعد هذه القصه انه ليس لأحد الحق في ان يزاود علينا في حب الوطن والوطنيه ، فنحن نحب الوطن لا بل ونعشقه ولا نرضى بأن تمسة النسمات بسوء ومستعدين للموت دفاعا عنه وفي سبيل حمايته ، لكن ذلك لا يعني ان يتنكر لنا من في الوطن وان يزاود علينا ذوو الاصوات العالية بالوطنية ، فحب الوطن ليس اغنية مقبوضة الاجر ، ولا صوتا عاليا مدفوع الراتب في اذاعة او محطه ، ولا نقعاً لشهادة وشرب مائها .
لا أدري لما يُطلب منا نحن الفقراء والعامه دائما ان نشد الاحزمة على بطوننا وان نتخلى عن ثقافة العيب وان نضحي في سبيل الوطن وعندما نفعل ونحن نفاخر باننا نفعل ، نفاجىء با تضحيتنا راحت في سبيل زيد وعبيد ، وعمر وعمير ، لينهبوا ويسرقوا ويسمنوا ارصدتهم ،وجيوبهم ، وتفصل الوظائف العليا والخاصة لابنائهم ، ونكتشف انهم لا يرتدون الاحزمة وبالتالي فان لبطونهم العنان في ان تنتفخ وتتوسع ، ونحن علينا ان نواجه ثقافة العيب بأن يبيع الخبز من يحمل شهادة عليا ، وان يفتح الكشك جامعي دفع دم قلبه ليتخرج بشهادة تقر بها عيني والديه ، بينما العيب عندهم ان يتخرج ابنهم قبل ان يجد الوظيفة المناسبة التي تليق بكرش ابيه .
كان الاجدى بهذا الرجل ان يطالب بالعدالة والمساواه لكل الاردنيين الذين تخرجوا مع سمير الرفاعي او سهل المجالي او عصام الروابده ، وما زال البعض منهم ينتظر الفرج بالتعيين ، بينما اولئك وصلوا الى اعلى المراتب والوظائف لانهم من ابناء المتنفذين ولانهم الوارثين للمناصب منذ عقود .
انا لن أنقع شهادتي _ رغم اني حصلت عليها بعد سن الاربعين _ بل سأضمها الى صدري وأخبأها في مقلة العين فهي سلاحي في وجه الزمن ولا بد من ان يحين الوقت الذي احتاج به الى هذا السلاح عندما يتخلص الوطن من الناعقين والسارقين والمارقين والمتسلقين .
منذ ايام وفي الساعة السابعة صباحا كنت اركب الباص بعد انتظار طويل في جو بارد ، متوجهاً الى عملي مدرساً في احدى مدارس التربية والتعليم (تدريس اضافي) ، وكان سائق الباص ، كعادته يجبرنا على سماع محطات الاذاعه التي يتنقل بينها ، وبصوت مرتفع ، كنت مجبرا على الاستماع الى مذيع يدعى محمود الحويان في برنامج صباحي على احدى الاذاعات ، وراح يتحدث عن قصة حزينة لسيدة زارته في البيت _ ولا أدري لماذا يزورونهم _ ، وكان يروي القصة بطريقة يحاول من خلالها جر الدمعة من عين المستمع غصباً ، محاولا بث الحزن في نفوسنا مع باكورة الصباح ، ليعنون لنا يومنا حزناً ونكداً وهم ، شدتني العاطفة لقصة تلك المرأه التي نجد في مجتمعاتنا مئات بل آلاف النساء مثلها ، فهذا حالنا ونحن نُنهب ونُسرق صباح مساء ، ثم انتقل بنا الحويان الى موضوع آخر تحدث فيه عن رجل يناهز الثمانين من عمره ، يعمل في كشك بمجمع الشمال ، لم يمنعه الشيب ولم يهده الزمن ، وعرج من خلال ذلك على شاب يحمل شهادة عليا يبيع الخبز ، وكان حديثه يبين وكأنه اكتشف لنا جديدا لم تعرفه البشريه ، ما دفعه الى توجيه رسالة الى المتعلمين قائلا لهم (انقع شهادتك واشرب ميتها ) ،
نعم ايها الاردني المتعلم الذي انفق عليك اهلك دم القلب ودمع العيون ، محود الحويان يريد منك ان تنسى ان أباك باع كل ما يملك ، او واصل الليل بالنهار يعمل ويكد في سبيل ان تتعلم ، أو ان تنسى نظرات اخوانك الصغار اليك وهم يُحرمون ربما من ابسط متطلبات الحياه في سبيل توفير رسومك الجامعيه واجرة الطريق ، يريد منك ان تنسى كم من الايام كنت تخرج من القريه او البادية او المخيم مع ( فجة الضو) خاوي المعده ، وتبقى كذلك الى ان تعود مع الغروب ، كل تلك الذكريات المليئة بالعذابات والحرمان يريدك محمود الحويان ان تنساها او ان تمحوها من ذاكرتك وأن ( تنقع شهادتك وتشرب ميتها ) بحجة ضرورة التخلي عن ثقافة العيب ، وكأن الشهادة اصبحت من ثقافة العيب .
نعم هذا ما يدعوكم اليه وهو يعلم ان هناك من تفصل له الوظيفة منذ اليوم الاول من دخوله الجامعه حتى لا يلقى عناءاً بعد التخرج وهو الذي عاش حياة الرفاه والرغد في الجامعه ، ان كان رضي بالدراسة في الوطن ، وانت تمني النفس بأن تعيش حياته ولو لساعه .
ما اود قوله بعد هذه القصه انه ليس لأحد الحق في ان يزاود علينا في حب الوطن والوطنيه ، فنحن نحب الوطن لا بل ونعشقه ولا نرضى بأن تمسة النسمات بسوء ومستعدين للموت دفاعا عنه وفي سبيل حمايته ، لكن ذلك لا يعني ان يتنكر لنا من في الوطن وان يزاود علينا ذوو الاصوات العالية بالوطنية ، فحب الوطن ليس اغنية مقبوضة الاجر ، ولا صوتا عاليا مدفوع الراتب في اذاعة او محطه ، ولا نقعاً لشهادة وشرب مائها .
لا أدري لما يُطلب منا نحن الفقراء والعامه دائما ان نشد الاحزمة على بطوننا وان نتخلى عن ثقافة العيب وان نضحي في سبيل الوطن وعندما نفعل ونحن نفاخر باننا نفعل ، نفاجىء با تضحيتنا راحت في سبيل زيد وعبيد ، وعمر وعمير ، لينهبوا ويسرقوا ويسمنوا ارصدتهم ،وجيوبهم ، وتفصل الوظائف العليا والخاصة لابنائهم ، ونكتشف انهم لا يرتدون الاحزمة وبالتالي فان لبطونهم العنان في ان تنتفخ وتتوسع ، ونحن علينا ان نواجه ثقافة العيب بأن يبيع الخبز من يحمل شهادة عليا ، وان يفتح الكشك جامعي دفع دم قلبه ليتخرج بشهادة تقر بها عيني والديه ، بينما العيب عندهم ان يتخرج ابنهم قبل ان يجد الوظيفة المناسبة التي تليق بكرش ابيه .
كان الاجدى بهذا الرجل ان يطالب بالعدالة والمساواه لكل الاردنيين الذين تخرجوا مع سمير الرفاعي او سهل المجالي او عصام الروابده ، وما زال البعض منهم ينتظر الفرج بالتعيين ، بينما اولئك وصلوا الى اعلى المراتب والوظائف لانهم من ابناء المتنفذين ولانهم الوارثين للمناصب منذ عقود .
انا لن أنقع شهادتي _ رغم اني حصلت عليها بعد سن الاربعين _ بل سأضمها الى صدري وأخبأها في مقلة العين فهي سلاحي في وجه الزمن ولا بد من ان يحين الوقت الذي احتاج به الى هذا السلاح عندما يتخلص الوطن من الناعقين والسارقين والمارقين والمتسلقين .
منذ ايام وفي الساعة السابعة صباحا كنت اركب الباص بعد انتظار طويل في جو بارد ، متوجهاً الى عملي مدرساً في احدى مدارس التربية والتعليم (تدريس اضافي) ، وكان سائق الباص ، كعادته يجبرنا على سماع محطات الاذاعه التي يتنقل بينها ، وبصوت مرتفع ، كنت مجبرا على الاستماع الى مذيع يدعى محمود الحويان في برنامج صباحي على احدى الاذاعات ، وراح يتحدث عن قصة حزينة لسيدة زارته في البيت _ ولا أدري لماذا يزورونهم _ ، وكان يروي القصة بطريقة يحاول من خلالها جر الدمعة من عين المستمع غصباً ، محاولا بث الحزن في نفوسنا مع باكورة الصباح ، ليعنون لنا يومنا حزناً ونكداً وهم ، شدتني العاطفة لقصة تلك المرأه التي نجد في مجتمعاتنا مئات بل آلاف النساء مثلها ، فهذا حالنا ونحن نُنهب ونُسرق صباح مساء ، ثم انتقل بنا الحويان الى موضوع آخر تحدث فيه عن رجل يناهز الثمانين من عمره ، يعمل في كشك بمجمع الشمال ، لم يمنعه الشيب ولم يهده الزمن ، وعرج من خلال ذلك على شاب يحمل شهادة عليا يبيع الخبز ، وكان حديثه يبين وكأنه اكتشف لنا جديدا لم تعرفه البشريه ، ما دفعه الى توجيه رسالة الى المتعلمين قائلا لهم (انقع شهادتك واشرب ميتها ) ،
نعم ايها الاردني المتعلم الذي انفق عليك اهلك دم القلب ودمع العيون ، محود الحويان يريد منك ان تنسى ان أباك باع كل ما يملك ، او واصل الليل بالنهار يعمل ويكد في سبيل ان تتعلم ، أو ان تنسى نظرات اخوانك الصغار اليك وهم يُحرمون ربما من ابسط متطلبات الحياه في سبيل توفير رسومك الجامعيه واجرة الطريق ، يريد منك ان تنسى كم من الايام كنت تخرج من القريه او البادية او المخيم مع ( فجة الضو) خاوي المعده ، وتبقى كذلك الى ان تعود مع الغروب ، كل تلك الذكريات المليئة بالعذابات والحرمان يريدك محمود الحويان ان تنساها او ان تمحوها من ذاكرتك وأن ( تنقع شهادتك وتشرب ميتها ) بحجة ضرورة التخلي عن ثقافة العيب ، وكأن الشهادة اصبحت من ثقافة العيب .
نعم هذا ما يدعوكم اليه وهو يعلم ان هناك من تفصل له الوظيفة منذ اليوم الاول من دخوله الجامعه حتى لا يلقى عناءاً بعد التخرج وهو الذي عاش حياة الرفاه والرغد في الجامعه ، ان كان رضي بالدراسة في الوطن ، وانت تمني النفس بأن تعيش حياته ولو لساعه .
ما اود قوله بعد هذه القصه انه ليس لأحد الحق في ان يزاود علينا في حب الوطن والوطنيه ، فنحن نحب الوطن لا بل ونعشقه ولا نرضى بأن تمسة النسمات بسوء ومستعدين للموت دفاعا عنه وفي سبيل حمايته ، لكن ذلك لا يعني ان يتنكر لنا من في الوطن وان يزاود علينا ذوو الاصوات العالية بالوطنية ، فحب الوطن ليس اغنية مقبوضة الاجر ، ولا صوتا عاليا مدفوع الراتب في اذاعة او محطه ، ولا نقعاً لشهادة وشرب مائها .
لا أدري لما يُطلب منا نحن الفقراء والعامه دائما ان نشد الاحزمة على بطوننا وان نتخلى عن ثقافة العيب وان نضحي في سبيل الوطن وعندما نفعل ونحن نفاخر باننا نفعل ، نفاجىء با تضحيتنا راحت في سبيل زيد وعبيد ، وعمر وعمير ، لينهبوا ويسرقوا ويسمنوا ارصدتهم ،وجيوبهم ، وتفصل الوظائف العليا والخاصة لابنائهم ، ونكتشف انهم لا يرتدون الاحزمة وبالتالي فان لبطونهم العنان في ان تنتفخ وتتوسع ، ونحن علينا ان نواجه ثقافة العيب بأن يبيع الخبز من يحمل شهادة عليا ، وان يفتح الكشك جامعي دفع دم قلبه ليتخرج بشهادة تقر بها عيني والديه ، بينما العيب عندهم ان يتخرج ابنهم قبل ان يجد الوظيفة المناسبة التي تليق بكرش ابيه .
كان الاجدى بهذا الرجل ان يطالب بالعدالة والمساواه لكل الاردنيين الذين تخرجوا مع سمير الرفاعي او سهل المجالي او عصام الروابده ، وما زال البعض منهم ينتظر الفرج بالتعيين ، بينما اولئك وصلوا الى اعلى المراتب والوظائف لانهم من ابناء المتنفذين ولانهم الوارثين للمناصب منذ عقود .
انا لن أنقع شهادتي _ رغم اني حصلت عليها بعد سن الاربعين _ بل سأضمها الى صدري وأخبأها في مقلة العين فهي سلاحي في وجه الزمن ولا بد من ان يحين الوقت الذي احتاج به الى هذا السلاح عندما يتخلص الوطن من الناعقين والسارقين والمارقين والمتسلقين .
التعليقات