لا يزال الأردنيون يستخدمون بشكل واسع المثل الشعبي الذي يؤكد أن العز للرز وأن البرغل شنق نفسه تحت تأثير الغيظ الذي شعر به.
في التدقيق في الظاهرة يتبين أن العلاقة الموصوفة في هذا المثل غير صحيحة دائماً, ليس فقط بسبب الارتفاع الكبير في أسعار البرغل بشكل فاق أسعار الرز أحياناً, ولكن أيضاً بسبب تاريخ العلاقة الفعلي بين هذين الصنفين الغذائيين عند التقائهما.
أقوم هذه الأيام بقراءة ألوف الصفحات التي تم جمعها في سياق مسح الأنماط الغذائية في الأردن في النصف الأول من القرن العشرين, وهو بحث أداره وموله البنك الأهلي ونفذه أكاديميون وباحثون ميدانيون مجدون.
في التفاصيل الجميلة التي جمعها الباحثون, يتبين أن الرز لم يحظ بقدر كبير من العز في كل المناطق, وهناك ملاحظة رئيسية هي أن تقسيم العز بين البرغل والرز لم يكن موحداً في كل من الشمال والجنوب. ففي الجنوب, حتى "الجريش" وهو أقسى من البرغل ذاته, احتفظ بعزّه كاملاً, بل إن بعض المناطق هناك لم تلجأ للرز إلا في سنوات المحل والقحط, ولهذا كان الفلاح في سنوات الخصب يغني عند شعوره بالتعب: (لا يا ظِهيري لا تِخِز, ما تِذْكر ليالي الرِز). إنه يحث ظهره على التحمل خشية عودة أيام الرز.
أما في منطقة الشمال فقد حاز الرز على قدر ملحوظ من العز عند وصوله لدرجة أنه في بعض المناطق كانوا يرشّونه فوق البرغل كإضافة تجميلية, غير أن البرغل ظل لصيقاً بالطباخة الماهرة أي "المعدّلة" لأنه يحتاج إلى زمن أطول وعناية أكثر مقارنة بالرز سهل الطبخ, وربما كانت سهولة طبخه هي سبب الدلال الذي حظي به.
غير أن الملاحظ الآن أن التنافس بين الصنفين لم يعد بين واحد بلدي وآخر مستورد, بل بين صنفين غير محليين وذلك بعد تلاشي البرغل البلدي, وهو ما ينفي وجود أية فائدة وطنية حالية لهذا التنافس, بمعنى ان تفوق أحدهما في حيازته من العز لا قيمة آنية له الا فيما يتعلق بالجانب التراثي.
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم
لا يزال الأردنيون يستخدمون بشكل واسع المثل الشعبي الذي يؤكد أن العز للرز وأن البرغل شنق نفسه تحت تأثير الغيظ الذي شعر به.
في التدقيق في الظاهرة يتبين أن العلاقة الموصوفة في هذا المثل غير صحيحة دائماً, ليس فقط بسبب الارتفاع الكبير في أسعار البرغل بشكل فاق أسعار الرز أحياناً, ولكن أيضاً بسبب تاريخ العلاقة الفعلي بين هذين الصنفين الغذائيين عند التقائهما.
أقوم هذه الأيام بقراءة ألوف الصفحات التي تم جمعها في سياق مسح الأنماط الغذائية في الأردن في النصف الأول من القرن العشرين, وهو بحث أداره وموله البنك الأهلي ونفذه أكاديميون وباحثون ميدانيون مجدون.
في التفاصيل الجميلة التي جمعها الباحثون, يتبين أن الرز لم يحظ بقدر كبير من العز في كل المناطق, وهناك ملاحظة رئيسية هي أن تقسيم العز بين البرغل والرز لم يكن موحداً في كل من الشمال والجنوب. ففي الجنوب, حتى "الجريش" وهو أقسى من البرغل ذاته, احتفظ بعزّه كاملاً, بل إن بعض المناطق هناك لم تلجأ للرز إلا في سنوات المحل والقحط, ولهذا كان الفلاح في سنوات الخصب يغني عند شعوره بالتعب: (لا يا ظِهيري لا تِخِز, ما تِذْكر ليالي الرِز). إنه يحث ظهره على التحمل خشية عودة أيام الرز.
أما في منطقة الشمال فقد حاز الرز على قدر ملحوظ من العز عند وصوله لدرجة أنه في بعض المناطق كانوا يرشّونه فوق البرغل كإضافة تجميلية, غير أن البرغل ظل لصيقاً بالطباخة الماهرة أي "المعدّلة" لأنه يحتاج إلى زمن أطول وعناية أكثر مقارنة بالرز سهل الطبخ, وربما كانت سهولة طبخه هي سبب الدلال الذي حظي به.
غير أن الملاحظ الآن أن التنافس بين الصنفين لم يعد بين واحد بلدي وآخر مستورد, بل بين صنفين غير محليين وذلك بعد تلاشي البرغل البلدي, وهو ما ينفي وجود أية فائدة وطنية حالية لهذا التنافس, بمعنى ان تفوق أحدهما في حيازته من العز لا قيمة آنية له الا فيما يتعلق بالجانب التراثي.
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم
لا يزال الأردنيون يستخدمون بشكل واسع المثل الشعبي الذي يؤكد أن العز للرز وأن البرغل شنق نفسه تحت تأثير الغيظ الذي شعر به.
في التدقيق في الظاهرة يتبين أن العلاقة الموصوفة في هذا المثل غير صحيحة دائماً, ليس فقط بسبب الارتفاع الكبير في أسعار البرغل بشكل فاق أسعار الرز أحياناً, ولكن أيضاً بسبب تاريخ العلاقة الفعلي بين هذين الصنفين الغذائيين عند التقائهما.
أقوم هذه الأيام بقراءة ألوف الصفحات التي تم جمعها في سياق مسح الأنماط الغذائية في الأردن في النصف الأول من القرن العشرين, وهو بحث أداره وموله البنك الأهلي ونفذه أكاديميون وباحثون ميدانيون مجدون.
في التفاصيل الجميلة التي جمعها الباحثون, يتبين أن الرز لم يحظ بقدر كبير من العز في كل المناطق, وهناك ملاحظة رئيسية هي أن تقسيم العز بين البرغل والرز لم يكن موحداً في كل من الشمال والجنوب. ففي الجنوب, حتى "الجريش" وهو أقسى من البرغل ذاته, احتفظ بعزّه كاملاً, بل إن بعض المناطق هناك لم تلجأ للرز إلا في سنوات المحل والقحط, ولهذا كان الفلاح في سنوات الخصب يغني عند شعوره بالتعب: (لا يا ظِهيري لا تِخِز, ما تِذْكر ليالي الرِز). إنه يحث ظهره على التحمل خشية عودة أيام الرز.
أما في منطقة الشمال فقد حاز الرز على قدر ملحوظ من العز عند وصوله لدرجة أنه في بعض المناطق كانوا يرشّونه فوق البرغل كإضافة تجميلية, غير أن البرغل ظل لصيقاً بالطباخة الماهرة أي "المعدّلة" لأنه يحتاج إلى زمن أطول وعناية أكثر مقارنة بالرز سهل الطبخ, وربما كانت سهولة طبخه هي سبب الدلال الذي حظي به.
غير أن الملاحظ الآن أن التنافس بين الصنفين لم يعد بين واحد بلدي وآخر مستورد, بل بين صنفين غير محليين وذلك بعد تلاشي البرغل البلدي, وهو ما ينفي وجود أية فائدة وطنية حالية لهذا التنافس, بمعنى ان تفوق أحدهما في حيازته من العز لا قيمة آنية له الا فيما يتعلق بالجانب التراثي.
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم
التعليقات