بقلم : ايهاب سلامة - يُحكى أن قطعاناً من الحمير ضاقت ذرعًا ذات يوم من معاملة سيدها القاسية وبدأت تتذمر ..
إعتاد سيدها سلخ ظهورها كل لحظة وأخرى بسبب ودونما .. وهي الطيّعة المطيعة، المثخنة المذعنة، شاءت وأبت، لفرماناته وقرارات كرباجه..
تنقل على ظهورها احماﻻً تنوء عنها ظهورها، مرغمة ﻻ حيلة لها سوى الطاعة ..
جمع سيدها ثروته الضخمة، مستغلاً صمت حميره التي عاشت بخدمته وتحت طوعه وقهره .. مكدساً الذهب والفضة، ملقياً لها فتات برسيمه ، ولسعات سياطه وغلمانه المتجبرين عليها مثله ..
مضت اﻻيام بعدها والسنين.. والحمير المنهكة ما عادت حوافرها قادرة على حمل أجسادها، وسيدها يزيد الاحمال على ظهورها غير مكترث بعذابها وشقائها ، طامعًا بمزيد من الثروة، والحمير صبرًا وقهرًا خانعة ..
زادت ثروته .. فقلل حصتها من الشعير والبرسيم ..
زادت أحمالها.. وزادت العصي على ظهورها ..
وصلت الحمير الى مرحلة اليأس فبدأت تتململ..
اجتمعت ذات ليلة حالكة، تتباحث أمرها هامسة، متأففة غاضبة ..
هذا نهق متذمرًا، وذاك رد عليه بنهقة تحريض ثائرة ..
يومًا تلو يوم، بدأت أركان الحظيرة تضج بالنهيق .. اهتزت أرضها بركلات قطعان الجحوش والحمير الغاضبة.
في خطوتها اﻻولى، قررت الحمير التحرك.. صاغ جحش منها بياناً استنكارياً، رفعه لسيدهم فمزقه، وردّ عليهم بالاحمال وكرباجه ..
في اليوم التالي قررت الحمير التصعيد، فأعلنت الاضراب عن العمل .. والتوقف عن نقل حموﻻت سيدها الذي لم يكترث، واذاقها وغلمانه علقة ثانية وثالثة ..
ضجت الحمير .. هاجت وماجت .. قررت الخروج دفعة واحدة محطمة بوابة الحظيرة ..
اقتحمت قصر سيدها .. داست على غلمانه بحوافرها .. ..حاصرته ناهقة غاضبة، معلنة نصر ثورتها واستسلامه ..
*****************
غداة يوم الثورة، اجتمعت الحمير متباحثة متسائلة.. كيف تنظم امورها ؟، من سيدبر شؤونها ؟ من سيقودها ؟، من سيطعمها برسيمها ويسقيها ؟، من ومن.. فاتفقت على أن يكون قرارها باجماع الحمير مدلين بنهيقهم ديمقراطيًا !
حُضّرت صناديق اﻻقتراع .. الأختام، الأوراق، اليافطات .. طلب ممن يشاء الترشح لمنصب سيدها ووالي نعمتها التقدم ..
أعلن غلام نية سيدهم القديم بالترشح للمنصب ؟!
اعترضت ثلة من الحمير ونهقت رافضة ..
قال جحش منهم انه حق كفلته الاعراف الديمقراطية ﻻ يمكن سلبه، مطمئنًا جماعته أنهم في النهاية من سيقرروا، فمم الخوف والقلق ؟.
اقتنعت الحمير، الحمير، بطرح الجحش الذي لم تكن تعلم انه مدسوس سرًا، ويعمل مخبرا لسيده مذ كان كرًا صغير ﻻ يتقن النهيق والحمرنة.
اعتلى مرشحهم المنبر.. متأنقاً متملقاً، واعدًا اياهم في خطاب حماسي هزّ ارجاء الحظيرة بصوت جهور متزلف .. أنه سيعيد حقوق الحمير كلها .. ويزيد برسيمها وشعيرها، ويخفف من اﻻحمال والعصي على ظهورها، مقسمًا انه سيحرر لهم كل الحظائر المغتصبة !.. وسيعمل جاهداً على تحويلهم من 'حمير' الى 'خيول أصيلة' و'أحصنة'، منهيًا عهد عبودية الحمير الى اﻻبد.
صدَّقت الحميروعوده .. ضجت الحظيرة بالتصفيق والنهيق ..وأدلت بأصواتها ..
جاء موعد الفرز واعلان النتيجة ..
عدّ الغلام اﻻصوات .. معلنًا فوز سيدهم بنسبة 99 و 99 بالمائة من عدد اصوات الحمير المقترعين.. واعلن من ساعتها قيام جمهورية 'حميرستان' !.
*************
لم يكد يخلع الليل رداءه، ويشقشق نهار فجر اليوم التالي، حتى استفاقت الحمير على لسع كرابيج جديدة أغلظ من سابقاتها، لسيدها وغلمانه الذين زاد عددهم أضعاف ما كانو لفرض السيطرة ..
في نهار اليوم ذاته .. كانت قوافل الحمير الغفيرة تشق طريقها ذاته، محملة باثقال مضاعفة عما كانت تحمله قبل الثورة.
لم تتوقف سواعد الغلمان عن سلخها بالعصي والكرابيح والاهانة، وصدر قرار جمهوري منذ تاريخ ذلك اليوم بتقليل حصتها من الشعير والبرسيم وحتى القيلولة ..
ليس مهماً .. يكفي الحمير أنها تعمل هذه المرة بـ'ارادتها' و'خيارها'.. يكفيها أنها تذوقت طعم 'النصر' و'الثورة' ؟!.
بقلم : ايهاب سلامة - يُحكى أن قطعاناً من الحمير ضاقت ذرعًا ذات يوم من معاملة سيدها القاسية وبدأت تتذمر ..
إعتاد سيدها سلخ ظهورها كل لحظة وأخرى بسبب ودونما .. وهي الطيّعة المطيعة، المثخنة المذعنة، شاءت وأبت، لفرماناته وقرارات كرباجه..
تنقل على ظهورها احماﻻً تنوء عنها ظهورها، مرغمة ﻻ حيلة لها سوى الطاعة ..
جمع سيدها ثروته الضخمة، مستغلاً صمت حميره التي عاشت بخدمته وتحت طوعه وقهره .. مكدساً الذهب والفضة، ملقياً لها فتات برسيمه ، ولسعات سياطه وغلمانه المتجبرين عليها مثله ..
مضت اﻻيام بعدها والسنين.. والحمير المنهكة ما عادت حوافرها قادرة على حمل أجسادها، وسيدها يزيد الاحمال على ظهورها غير مكترث بعذابها وشقائها ، طامعًا بمزيد من الثروة، والحمير صبرًا وقهرًا خانعة ..
زادت ثروته .. فقلل حصتها من الشعير والبرسيم ..
زادت أحمالها.. وزادت العصي على ظهورها ..
وصلت الحمير الى مرحلة اليأس فبدأت تتململ..
اجتمعت ذات ليلة حالكة، تتباحث أمرها هامسة، متأففة غاضبة ..
هذا نهق متذمرًا، وذاك رد عليه بنهقة تحريض ثائرة ..
يومًا تلو يوم، بدأت أركان الحظيرة تضج بالنهيق .. اهتزت أرضها بركلات قطعان الجحوش والحمير الغاضبة.
في خطوتها اﻻولى، قررت الحمير التحرك.. صاغ جحش منها بياناً استنكارياً، رفعه لسيدهم فمزقه، وردّ عليهم بالاحمال وكرباجه ..
في اليوم التالي قررت الحمير التصعيد، فأعلنت الاضراب عن العمل .. والتوقف عن نقل حموﻻت سيدها الذي لم يكترث، واذاقها وغلمانه علقة ثانية وثالثة ..
ضجت الحمير .. هاجت وماجت .. قررت الخروج دفعة واحدة محطمة بوابة الحظيرة ..
اقتحمت قصر سيدها .. داست على غلمانه بحوافرها .. ..حاصرته ناهقة غاضبة، معلنة نصر ثورتها واستسلامه ..
*****************
غداة يوم الثورة، اجتمعت الحمير متباحثة متسائلة.. كيف تنظم امورها ؟، من سيدبر شؤونها ؟ من سيقودها ؟، من سيطعمها برسيمها ويسقيها ؟، من ومن.. فاتفقت على أن يكون قرارها باجماع الحمير مدلين بنهيقهم ديمقراطيًا !
حُضّرت صناديق اﻻقتراع .. الأختام، الأوراق، اليافطات .. طلب ممن يشاء الترشح لمنصب سيدها ووالي نعمتها التقدم ..
أعلن غلام نية سيدهم القديم بالترشح للمنصب ؟!
اعترضت ثلة من الحمير ونهقت رافضة ..
قال جحش منهم انه حق كفلته الاعراف الديمقراطية ﻻ يمكن سلبه، مطمئنًا جماعته أنهم في النهاية من سيقرروا، فمم الخوف والقلق ؟.
اقتنعت الحمير، الحمير، بطرح الجحش الذي لم تكن تعلم انه مدسوس سرًا، ويعمل مخبرا لسيده مذ كان كرًا صغير ﻻ يتقن النهيق والحمرنة.
اعتلى مرشحهم المنبر.. متأنقاً متملقاً، واعدًا اياهم في خطاب حماسي هزّ ارجاء الحظيرة بصوت جهور متزلف .. أنه سيعيد حقوق الحمير كلها .. ويزيد برسيمها وشعيرها، ويخفف من اﻻحمال والعصي على ظهورها، مقسمًا انه سيحرر لهم كل الحظائر المغتصبة !.. وسيعمل جاهداً على تحويلهم من 'حمير' الى 'خيول أصيلة' و'أحصنة'، منهيًا عهد عبودية الحمير الى اﻻبد.
صدَّقت الحميروعوده .. ضجت الحظيرة بالتصفيق والنهيق ..وأدلت بأصواتها ..
جاء موعد الفرز واعلان النتيجة ..
عدّ الغلام اﻻصوات .. معلنًا فوز سيدهم بنسبة 99 و 99 بالمائة من عدد اصوات الحمير المقترعين.. واعلن من ساعتها قيام جمهورية 'حميرستان' !.
*************
لم يكد يخلع الليل رداءه، ويشقشق نهار فجر اليوم التالي، حتى استفاقت الحمير على لسع كرابيج جديدة أغلظ من سابقاتها، لسيدها وغلمانه الذين زاد عددهم أضعاف ما كانو لفرض السيطرة ..
في نهار اليوم ذاته .. كانت قوافل الحمير الغفيرة تشق طريقها ذاته، محملة باثقال مضاعفة عما كانت تحمله قبل الثورة.
لم تتوقف سواعد الغلمان عن سلخها بالعصي والكرابيح والاهانة، وصدر قرار جمهوري منذ تاريخ ذلك اليوم بتقليل حصتها من الشعير والبرسيم وحتى القيلولة ..
ليس مهماً .. يكفي الحمير أنها تعمل هذه المرة بـ'ارادتها' و'خيارها'.. يكفيها أنها تذوقت طعم 'النصر' و'الثورة' ؟!.
بقلم : ايهاب سلامة - يُحكى أن قطعاناً من الحمير ضاقت ذرعًا ذات يوم من معاملة سيدها القاسية وبدأت تتذمر ..
إعتاد سيدها سلخ ظهورها كل لحظة وأخرى بسبب ودونما .. وهي الطيّعة المطيعة، المثخنة المذعنة، شاءت وأبت، لفرماناته وقرارات كرباجه..
تنقل على ظهورها احماﻻً تنوء عنها ظهورها، مرغمة ﻻ حيلة لها سوى الطاعة ..
جمع سيدها ثروته الضخمة، مستغلاً صمت حميره التي عاشت بخدمته وتحت طوعه وقهره .. مكدساً الذهب والفضة، ملقياً لها فتات برسيمه ، ولسعات سياطه وغلمانه المتجبرين عليها مثله ..
مضت اﻻيام بعدها والسنين.. والحمير المنهكة ما عادت حوافرها قادرة على حمل أجسادها، وسيدها يزيد الاحمال على ظهورها غير مكترث بعذابها وشقائها ، طامعًا بمزيد من الثروة، والحمير صبرًا وقهرًا خانعة ..
زادت ثروته .. فقلل حصتها من الشعير والبرسيم ..
زادت أحمالها.. وزادت العصي على ظهورها ..
وصلت الحمير الى مرحلة اليأس فبدأت تتململ..
اجتمعت ذات ليلة حالكة، تتباحث أمرها هامسة، متأففة غاضبة ..
هذا نهق متذمرًا، وذاك رد عليه بنهقة تحريض ثائرة ..
يومًا تلو يوم، بدأت أركان الحظيرة تضج بالنهيق .. اهتزت أرضها بركلات قطعان الجحوش والحمير الغاضبة.
في خطوتها اﻻولى، قررت الحمير التحرك.. صاغ جحش منها بياناً استنكارياً، رفعه لسيدهم فمزقه، وردّ عليهم بالاحمال وكرباجه ..
في اليوم التالي قررت الحمير التصعيد، فأعلنت الاضراب عن العمل .. والتوقف عن نقل حموﻻت سيدها الذي لم يكترث، واذاقها وغلمانه علقة ثانية وثالثة ..
ضجت الحمير .. هاجت وماجت .. قررت الخروج دفعة واحدة محطمة بوابة الحظيرة ..
اقتحمت قصر سيدها .. داست على غلمانه بحوافرها .. ..حاصرته ناهقة غاضبة، معلنة نصر ثورتها واستسلامه ..
*****************
غداة يوم الثورة، اجتمعت الحمير متباحثة متسائلة.. كيف تنظم امورها ؟، من سيدبر شؤونها ؟ من سيقودها ؟، من سيطعمها برسيمها ويسقيها ؟، من ومن.. فاتفقت على أن يكون قرارها باجماع الحمير مدلين بنهيقهم ديمقراطيًا !
حُضّرت صناديق اﻻقتراع .. الأختام، الأوراق، اليافطات .. طلب ممن يشاء الترشح لمنصب سيدها ووالي نعمتها التقدم ..
أعلن غلام نية سيدهم القديم بالترشح للمنصب ؟!
اعترضت ثلة من الحمير ونهقت رافضة ..
قال جحش منهم انه حق كفلته الاعراف الديمقراطية ﻻ يمكن سلبه، مطمئنًا جماعته أنهم في النهاية من سيقرروا، فمم الخوف والقلق ؟.
اقتنعت الحمير، الحمير، بطرح الجحش الذي لم تكن تعلم انه مدسوس سرًا، ويعمل مخبرا لسيده مذ كان كرًا صغير ﻻ يتقن النهيق والحمرنة.
اعتلى مرشحهم المنبر.. متأنقاً متملقاً، واعدًا اياهم في خطاب حماسي هزّ ارجاء الحظيرة بصوت جهور متزلف .. أنه سيعيد حقوق الحمير كلها .. ويزيد برسيمها وشعيرها، ويخفف من اﻻحمال والعصي على ظهورها، مقسمًا انه سيحرر لهم كل الحظائر المغتصبة !.. وسيعمل جاهداً على تحويلهم من 'حمير' الى 'خيول أصيلة' و'أحصنة'، منهيًا عهد عبودية الحمير الى اﻻبد.
صدَّقت الحميروعوده .. ضجت الحظيرة بالتصفيق والنهيق ..وأدلت بأصواتها ..
جاء موعد الفرز واعلان النتيجة ..
عدّ الغلام اﻻصوات .. معلنًا فوز سيدهم بنسبة 99 و 99 بالمائة من عدد اصوات الحمير المقترعين.. واعلن من ساعتها قيام جمهورية 'حميرستان' !.
*************
لم يكد يخلع الليل رداءه، ويشقشق نهار فجر اليوم التالي، حتى استفاقت الحمير على لسع كرابيج جديدة أغلظ من سابقاتها، لسيدها وغلمانه الذين زاد عددهم أضعاف ما كانو لفرض السيطرة ..
في نهار اليوم ذاته .. كانت قوافل الحمير الغفيرة تشق طريقها ذاته، محملة باثقال مضاعفة عما كانت تحمله قبل الثورة.
لم تتوقف سواعد الغلمان عن سلخها بالعصي والكرابيح والاهانة، وصدر قرار جمهوري منذ تاريخ ذلك اليوم بتقليل حصتها من الشعير والبرسيم وحتى القيلولة ..
ليس مهماً .. يكفي الحمير أنها تعمل هذه المرة بـ'ارادتها' و'خيارها'.. يكفيها أنها تذوقت طعم 'النصر' و'الثورة' ؟!.
التعليقات
ان لم نتعلم من الضربة الأولى فنحن نستحق الثانية