إلى روح والدي الطبيب المجاهد عزام عادل سقف الحيط


جراسا -

دربك درب الجهاد والبطولة .. شاركت في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، وثأرت لوطنك وعذابات شعبك .... أطالع صورك على الجبهة وأقلب في عز وفخار درع البطولة الذي نلته عن بسالتك. وفي حرب تشرين المجيدة عام 1973 تركتني ووالدتي وعمري آنذاك أربعة شهور، وخرجت متطوعاً للمشاركة على جبهة الجولان مع قوات كتيبة الجيش الكويتي المجحفلة، غادرتنا مختاراً وفي قلبك حب الله والعروبة، وعدت مزهواً بأكاليل النصر، ونيشان البطولة منقوش عليها بأحرف من نور:"وحدة، حرية، اشتراكية". زهدت في الجدل المجرد من القوة واخترت أن تكون طبيباً ومجاهداً في سبيل الله والحق.

علمتني أن الحق معقود في فوهات البنادق، ودفعتني إلى دروب العلم والفكر لأكون قوياً. أذكر نصف السنة التي عشتها معك في إسكتلندا؛ كنتُ طفلاً وكنتَ تحضّر لسنة التخصص في طب العيون، أذكر سهرك للدراسة، وكذلك نزهاتنا ورحلاتنا. وأذكر مشيتك الواثقة ببزتك العسكرية تغدو وتعود كل يوم إلى عملك في المستشفى العسكري الكويتي، كنتُ دائماً فخوراً بك يا والدي.

كنتَ عنيداً في الحق، معتداً بكرامتك، أذكر في طفولتي أنك كنت تقود بنا سيارتك في شارع السالمية ووصلت إلى منعطف عند جزيرة وسطية، وهناك حاول مواطنان طائشان التعدي على مسربك وتخطي الصف، لكنك أصررت على منعهما مهما كان الثمن، وأخذتهما العزة بالإثم فقطعا الطريق على سيارتك فصدمتهما ودفعت بسيارتهما إلى الجزيرة وأصبتها بالعطب .. كان أبلغ درس لي بألّا أتنازل عن أي حق مشروع في أي مكان أو زمان، مهما بلغت التضحيات.

شاركتَ في تضميد جرحى الحرب العراقية الكويتية وفي علاجهم، وتأثرت بشدة لسقوط ضحايا في حرب بين الأشقاء. ورفضتَ التقدّم لطلب تعويضات حرب الخليج وفق برنامج الأمم المتحدة، لأنها كما أخبرتنا "أموال منهوبة من قوت الشعب العراقي العظيم". ورفضت لاحقاً أن تقدم لي طلباً لدى أي حزب أو منظمة للحصول على منحة للدراسات العليا، حتى لا يكون قرارك رهيناً بسياسات جائرة. ولأنك تقف على ثغر من ثغور فلسطين في مصر، كشفت المختلسين وفضحت جرائمهم بحق المصابين الغزيين، وأُبعدت عن عملك، ولم يقدَّم الجناة إلى المحاكمة.

ويوم لامني الجميع على نشاطي السياسي وما قد يسببه لي من مشاكل، كنت تلوذ بصمت مشجع، وفي عينيك بريق لا تستطيع أن تكتمه. وأذكر زيارتك لي في جامعة ووريك – إنجلترا، كنتَ معتداً بي .. وكنا نجول حرم الجامعة معاً نتسامر كالرفاق.

أبحث عنك في كتبك وصورك ... وبين طوابعك وكتاباتك .. أعود لرسائلك القديمة وبريدك الإلكتروني .. أتصل برقم هاتفك فيرد الاتصال الآلي "رقم الهاتف المطلوب مغلق حالياً" .. أحضن قميصك .. أضيء الشموع وأناجي روحك الطاهرة .. يا ليتني ما عشت إلى هذا اليوم يا أغلى البشر .. أين يداك الطاهرتان ألثمهما .. أريد أن أضمك للمرة الأخيرة. قبّلتك في غرفتك مرتين قبل العملية، وكلما أغلقت عيني غالبتني صورتك وأنت ترفع قبضتك مشجعاً من بعيد وابتسامة عذبة لا تفارق شفتيك.

كنت أستنير برأيك السديد .. كنت لا أخبر أحداً بنجاحاتي سواك، لتشجعني وتدعو لي بالفلاح .. وولداي ليان وفارس يسألاني عنك، اشتاقا للعبك ومرحك وحزازيرك وقصصك الهادفة .. لا أستطيع أن أقرأ لهما قصصاً من الكتيبات التي زودتني بها .. لأنها تذكرني بك .. فتموت الكلمات في فمي وتخنقني العبرات.

العمال وأطباء الهلال الأحمر الفلسطيني ومستشفى فلسطين في مصر يبكونك، مشافي الضفة الغربية وغزة تبكيك، وجرحانا لم يغادروا أسرّتهم بعد .. وأسرانا يقاومون الجلادين ببطون خاوية ... كم من جرحى الانتفاضات الفلسطينية أسعفت وعالجت؟ وكذلك جرحى العدوان الصهيوني على غزة عام 2009؟ ... أرواح الشهداء تحف بعيادتك ..

كيف أودعنا جسدك الطاهر ظلمة القبر وأَهَلنا عليه التراب؟! أتحس بأي غربة في مكانك؟! لا فأنت مؤمن قوي .. أنت شفيعنا يا والدي .. أنت الضمير والفروسية في قلبي وقلب إخوتي ووالدتي وأشقائك .. وكما تمنيتَ .. فارقت الحياة دون أي معاناة أو موت سريري ... توقف قلبك عن الخفقان لتشتعل روحك المجاهدة في رحاب الخلود الأبدي .. وفي كل رصاصة تطلقها بنادق الثوار .. هنيئاً لك جوار الأنبياء والشهداء والصدّيقين .. أحاول التواصل مع روحك ومع تراثك العظيم وكل ما يشير إليك .. لن تغادرني حتى ألقاك قريباً.

د عادل عزام سقف الحيط

 



تعليقات القراء

عبد الله التعمري
الله يواسيكم خير ويسكن البطل الفقيد فسيح جناته
05-08-2012 09:52 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات