النضج الفكري والسلبية في القرار السياسي


ما يُعلم يقينا أن للتفكير الإيجابي عدة معانٍ منها النظر للحياة بمنظور التفاؤل الدائم، والتأثير الإيجابي في الآخرين، والشعور بالسعادة حتى في أشد أوقات الحزن وأحلكها، وهو جهد إبداعي يعبر عن الفكر المتجدد والإداري والعلم المنظم، ويعني كذلك بقاء نافذة الأمل مشرعة باستمرار أمام صاحبه لا يضيره الصعاب التي تعترض طريقه، كما أنه كل مشهد يمنح الإنسان الشعور بالرضا والقبول والارتقاء إلى مستويات التفوق والتميز، ومنح السعادة للآخرين واستباق الحدث بتقديم المنفعة الكلية على المنفعة الفردية، لاسيما إذا ما كان هذا الفرد في موقع السلطةوالمسئولية.

وبالرغم من كثرة وسائل الراحة المتوفرة للإنسان في العصر الحديث، للإنسانمما يستلزم إيجابية التفكير وتحويلها إلى عطاء وإنجاز وانتماء حقيقي للأوطان، إلا أن سلبية التفكير غدت تطغى على لدى البعض من الأفراد والقيادات على العديد من مناحي الحياة، حتى في الفكر والقرار السياسي الذي يتطلب التعامل بحكمة وروية مع الظروف السائدة في المجتمع أيا كان هذا المجتمع لاسيما في منطقتنا التي اتسعت فيها دائرة الصراعات أما لأسباب قمعية كما عليه الحال في سوريا والعراق، وأدت إلى ما أدت إليه من كراهية وبغضاء بين أفراد المجتمع الواحد أو دينية طائفية كما في لبنان مثلا بسبب التغلغل الشيعي الإيراني متمثلا بحزب الله، وفي اليمن حيث الجماعية الحوثية التي عملت على تخريب البلد بدعم سافر من النظام الإيراني، وذلك على حساب صالح المجتمع ورفاهيته وازدهاره.

لكن دعونا نتساءل، ما هي سلبية التفكير؟ يعرف التفكير السلبي بعدة أوجه منها الاكتئاب، وكل فكر خادع يتمكن من الإنسان، بما يرافقه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وقرارات سياسية، لا تؤثر إيجابيا في حياة الإنسان وعلاقته مع الغير، وهي تأتي عن طريق العادات السيئة والأفكار غير البناءة المتوارثة عبر الأجيال، كما قد تأتي من الديكتاتورية، والإحباط السياسي والاقتصادي، وتقود الإنسان إلى العجز عن اتخاذ القرارات في الأوقات المناسبة، واستشراف المستقبل، وعدم القدرة على خلق الفرص من رحم المصاعب، مع ما يصاحب ذلك من خوف وتردد، مما يجعل الإنسان متقوقعا داخل شرنقته لا يمنح الآخرين شيئا مثيرا للسرور في النفس خلا المظاهر السلبية التي تغدو ملازمة له مثل الغضب والتذمر والتردد، بل تزيده احتقانا حتى يصبح عاجزا عن اتخاذ قرار صائب وتظل فيه دائرة المنفعة الشخصية صاحبة الأولوية أيا ما تكن النتائج المترتبة على ذلك حتى لو تطلب الأمر إبادة شعب بأكمله على يديه.

الوضع في سوريا، خير برهان في هذه الحالة، حيث يلاحظ ما آلت إليه أحوال البلد من الدمار والتقسيم وفقدان الأمان، وقتل للنفس البشرية دون سبب، ليس أدل عليها ما يحدث في مدينة حلب هذه الأيام وغيرها من مدن أخرى في سوريا، حيث غدا القتل وإلقاء البراميل المتفجرة أسهل من شربة ماء أو تناول وجبة طعام. ولربما مكن قرار واحد من رأس النظام قبل تعاظم الأمور واستفحالها إلى ما انتهت عليه، بالنزول عند رغبة شعبه، ووضع حد لمأساة ما زالت متواصلة منذ أكثر من خمس سنوات وعادت فيه الدولة السورية سنين إلى الوراء بفعل التمسك بسلطة لا بد أن تؤول إلى زوال في يوم من الأيام، من الإبقاء على سلامة الدولة ومقدراتها ومواطنيها الذين يواجهون في حياتهم اليومية، بؤس الحياة والجوع والعطش، أو انتظار الموت بفعل برميل متفجر أو قنبلة أو صاروخ، أو تذوق مرارة التشردوترك الوطن ربما إلى غير رجعة.

أما النضوج الفكري فهي حالة نادرة فريدة في آنيتكاتف الشعب فيها وبها مع بعضه بعضا ويلتف حول قيادته بما تملك من بعد في النظر ومن جهود تبذل للمحافظة على الأمن الذي ينعم به البلد،وتعزيزا للحفاظ على مكتسباته ومقدراته، فالإنسان بلا وطن وقيادة مثل روح بلا جسد، إذ الوطن ليس مسقط الرأس فقط، بل هو المكان الذي يرتبط مصيرنا به، وفيه قيادتنا والمرجعية، ولنا فيه أرض، وأسرة، وأقارب، وأعمال، وبه نشعر بالفخر والاعتزاز، وتترسخ الهوية. ولا يكفي أن يقول الإنسان بوطنيته، بل إن عليه أن يحول هذا الإحساس إلىانتماء وإنجاز، وأن يتحمل التضحيات التي تترتب على ذلك مهما كانت جسامتها إذ الوطن هو العنوان، وبدونه لا أمن ولا أمان، ويجب البرهان على حبه بالقول والفعل البناء، لا بالقول الهادم والانكفاء، ولا قيمة للإنسان إلا بالوطن الذي يأويه في أوقات الرخاء وفي الشدة يحميه. حفظك الله يا وطني الأردن ، يا أعز الأوطان خفاقة رايتك بقيادة هاشمية ترعاك وشعب مرفوعة هامته يفنىلسلامة وطنه، ويتحمل لأجله ما خف وثقل من الأعباء والصعاب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات