أسباب ماراثون المشاريع القومية في مصر؟


إنطلاقا من واقع تابعته في الصحف المصرية قبل و بعد الثورات الأخيرة هنالك الكثير الذي نستطيع قراءته من المشاريع القومية التي انتشرت في مصر مؤخرا، فمصر خرجت منهكة القوة إقتصاديا من ثورتي 25 يناير و 30 يونيو، فهنالك احصائيات مرعبة تشير بأنه أغلاق مائة و عشرين بنك أبوابهم في مصر في ذروة هذه الثورات الطاحنة التي شاهدنا اثارها المدمرة على الفضائيات في الفترة الماضية، فمما لا شك به أن كثرة المشاكل بالقاهرة دفعت أكبر الشركات التجارية و المؤسسات المالية للإغلاق مما ترك الوضع المالي للبلاد بموقف حرج جدا...فكان السؤال الأهم للدولة هو من أين تبدأ بإصلاح هذا الضرر الكبير بعد ثورة 30 من يونيو؟ كيف لها أن تُؤَمِنْ سعر صرف ثابت لعملتها مقابل العملاث الأجنبية و كيف لها أن توقف تضخم العملة و أكبر بنوك قد أغلقت أبوابها وقت الثورات ليصيب الإقتصاد المحلي الشلل شبه الكلي...؟ كيف ستقول للشركات بأن اقتصادنا المحلي بخير و المناخ الإستثماري بخير و قطاع البنوك قد أصابه نكسة كبرى؟ و مشكلة الهجمات الإرهابية و السلام الذي لم تراه شوارع القاهرة إلا مؤخرا...فكل من هذه العوامل كان عائق كبير على حدا ليجعل عمل البنك المركزي المصري و الدولة المصرية صعب للغاية حتى بالبدأ بإصلاح الإقتصاد المصري و اتخاذ الخطوات الضرورية الأولى، من وجهة نظر شخصية و لكن تستند على قرائتي الشبه يومية للصحف المصرية و ما يدور على البرامج الحوراية كان المطلوب من الدولة بالدرجة الأولى أن يعم قدر كافي من السلام لكي يطمأن المستثمر المحلي و الأجنبي بأن مصر قادرة على تأمين الإستقرار الذي سيشجعه لإستثمار أمواله بالبلد...ثم بعد تأمين هذا المتطلب سيكون من الضروري توفير قوانين تدعم حقوق المستثمر و العمال بصورة شاملة و تنظيم سياسة ضريبية واضحة جدا و التي سيكون من الضروري للمستتمرين الإلتزام بها...و يجب على القطاع المالي بالإقتصاد أن يعمل بكفاءة مقبولة لكي يدعم هذه المؤسسات التي ستقتح أبوابها في البلاد بصورة متكاملة، ثم سيكون من الضروري للإعلام تنشيط الدعايات المطلوبة لتشجيع المستثمرين للقدوم الى مصر و لتشجيع المستثمر المحلي ايضا بإعادة ثقته بإمكانيات البلاد، و وجب على هذا الإعلام العمل وفق رؤية استراتيجية واضحة المعالم ترعاها الدولة بصورة مُحْكَمَةْ، و بعد تحقيق هذه الأمور وجب على الدولة تحديد سياسة أنواع الإستثمار المطلوبة للبلاد و هوية المصانع التجارية التي تريد استقطابها للبلاد لكي تحدد إذا كان بالإمكان توفير الايدي العاملة و الخبرات الوظيفية لها و الموارد البشرية لدعمها في عملها، ثم بعد هذا كله يجب أن تتاكد الدولة بأن البنية التحتية من شبكات طرق و هواتف اتصال ارضية و محلية تعمل بالشكل الصحيح لتدعم هذه المصانع و الشركات التي ستحتاجها لعملها...ثم بعد أن نحقق هذه المنظومة المتكاملة سترى الدولة بأن اقتصادها سيتحرك...فإنها سلسلة من العناصر ستترابط حلقاتها مع بعض بصورة أكيدة...و لكن وجب علينا الإنتباه هنا كثيرا...فإقتصاد عملاق مثل الإقتصاد المصري سيتحرك بقوة الدولة العظمة نظرا لحجم سوقه المحلية...لذلك كم الشركات التي سترى الدولة بأنها قد تكون فاعلة بأي لحظة بحياتها الإقتصادية ليس بقليل و سيتطلب بأن يكون السلام بالشارع العام حاضر بقوة و سيتطلب الأمر بأن تكون قوانين الإستثمار فعالة و تتمتع بدرجة عالية من الوضوح و الكفاءة و سيتطلب الأمر بأن تلعب المؤسسات الوطنية الإعلامية دورها بصورة ثابة و نشيطة و بارزة...فلذلك إذا تكاملت هذه العناصر سنرى بأن شتى قطاعات الدولة ستتحرك بالكامل من قطاعات مالية و مصرفية و فندقية و تجارية و صناعية و تأمينية و عقارية و قطاعات آخرى لا مجال لذكرها جميعا هنا، و سيشعر المواطين بأن فرص العمل قد ابتدات بالحراك داخل مصر...فهذه الشركات و المصانع ستقوم بتوظيف كم كبير من الموظفين بفترات متلاحقة مما سيخفض نسب البطالة و سيعزز على المدى البعيد الناتج المحلي الإجمالي (GDP) و مقياس الناتج القومي الإجمالي (GNP)، البورصة المحلية ستتأثر تشاطها و سيزيد التداول بها كما ستتنشط معه كامل القاطاعات الإقتصادية في إقتصاد الدولة...فالعجلة الإقتصادية ستتحرك بوجود رؤوس المال المستثمرة فعليا بالسوق...لتقوم الشركات و تفعل دورتها او حياتها الإقتصادية على ارض الواقع...و هنا ستبدأ عملية تسمى
Cash flow
بالسوق...أو ما يعرف بتدفق النقدي بالأسواق...و نشاط هذه العملية بالسوق هي علامة على حيوية الإقتصاد باي بلد بالعالم، و اذكر هنا تقارير اقتصادية في أمريكا في آخر نكسة كبرى اصابتها...فأكبر تحدي للدولة الأمريكية بعد أن عصفت الكارثة بهذه القارة الكبيرة و ارغمت أكبر شركات و بنوك فيها على الإغلاق منذ بضعة سنين كانت اقناع المواطن الأمريكي بإخراج نقوده من البنوك أو من جيبه و الشراء مرة ثانية؟؟؟ اعتكف الناس عن الشراء بصورة طبيعية و كانوا يكتفون بشراء الأساسيات فقط خوفا من النكسة التي أجبرت شركات و مؤسسات مالية رأس مالها بالمليارات على الإغلاق؟؟؟

مما لا شك به بأن صعوبة تحقيق هذه المتطلبات على الدولة المصرية نتيجة التحديات التي تواجهها ارغمتها على المضي قدما بماراثون مشاريع قومية كبيرة افتتحت أولها بحفر قناة السويس...فكانت معدلات البطالة ضخمة و كبيرة و كانت هنالك العديد من الشركات التي كانت تنتظر فرص مقنعة لها لتسخر طاقاتها من حديد بالسوق المحلية، فتحرك السوق المحلي قليلا بسبب هذه المشاريع حيث ثم الإستفادة من الموارد البشرية الضخمة التي كانت تعاني من البطالة بسبب الثورات المتلاحقة و توابعها السلبية على الإقتصاد المحلي، و بعدها ابتدأت الحكومة بتنظيم مظلة أمنية للقضاء على الإرهاب و مظلة قانونية و إعلامية لتستطيع جذب المستثمرين الى البلاد من جديد، فبرزت سيناء كقطعة ارض يمكن اقامة عليها استثمارات هائلة، و ابتدأوا السادة المحافظين بإستقراء الإحتياجات الملحة لمحافظاتهم و البحث بالمشاريع الإستثمارية الممكن تأسيسها بمحافظاتهم، و شعرت الحكومة بأن هذه المشاريع ممكنة جدا بالرغم من أن جزء منها سيحتاج الى وقت كبير ليتم إنجازه...برزت على الساحة الإعلامية عقبات عديدة تتعلق بمؤسسات سواء كانت وزارية أو اقتصادية أو مدنية تعاني من سوء التنظيم و الإدارة و ذلك بسبب تراكم ملفات تم اهمالها أو لم يتم التعامل معها و بسبب عدم وجود كفاءات ادارية لتستفيد من خبراتها، و أشير هنا الى مقالة تم نشرها في موقع الأهرام تتضمن تفاصيل ندوة عقدتها صحيفة الأهرام بتاريخ 30 نيسان 2016 تحمل إسم "فى ندوة «الأهرام» حول إدارة الأزمات : مصــر تحتاج قنوات اتصال فاعلة مع الخارج"، حيث اشار المشاركين الى عدة نقاط ملحة وجب التعامل معها بصورة فورية و من أبرزها معاناة بعض من المؤسسات الوزارية و الإعلامية من عدم وجود خبرات تديرها و عدم وجود أشخاص تَحْمِلْ خبرة ادارة الأزمات مقارنة مع الإمكانيات التي كانت متاحة في عهد الرئيس السابق فخامة محمد حسني مبارك، كما أن هنالك مؤسسات إعلامية حكومية كبرى لم يتم تفعيل طاقاتها الى الذروة المطلوبة لتكون رديف قوي للدولة في سعيها الدؤوب لتسويق ذاتها بالصورة المطلوبة سواء سياسيا أو اقتصاديا...و هنا اشار الحضور الى ضرورة النهوض بخطط لمد هذه المؤسسات بالموارد البشرية المطلوبة لتفعيل دورها أكثر بهذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر،

لذلك و بمحاولة من الدولة لحل جزء من فتيل الأزمة الحالية بالإقتصاد الجزئي للدولة قامت بتنشيط سلسلة آخرى من المشاريع القومية لتوظف أكبر عدد من الموارد البشرية من اصحاب المهن و الإختصاص المطلوبين لإتمام هذه المشاريع العملاقة و أذكر على سبيل المثال لا الحصر استصلاح المليون و نصف فدان الذي يُعَدْ من المشاريع الرائدة على أجندة عمل الدولة، و ايضا أذكر مشروع تجمع الشيخ محمد بن زايد الذي يربط بين القاهرة الجديدة كإمتداد طبيعي للعاصمة الحالية و بين العاصمة الإدارية الجديدة، فيضم هذا المشروع خمسون ألف مهندس حاليا...و أعتقد بأنه سيكون هنالك مشاريع قومية آخرى ستقوم بتنفيذها الدولة للإستفادة من خبرات أصحاب المهن المختلفة و لأجل ايضا العمل على تقليل نسب البطالة في البلد، في الواقع الأمر هذه المشاريع القومية ترياق قوي لتغطية العجز الحاصل عن عدم تحرك عجلة الإقتصاد بالكفاءة المطلوبة بعد فللدولة امكانيات ضخمة يمكن أن تقدمها بهذه الظروق ريثما نرى عناصر تشجيع الإستثمار تتضافر بصورة متكاملة لكي يتعافى الإقتصاد المحلي للبلاد و يصبح قادرا على العمل بصورة طبيعية،

في حقيقة الأمر نجاح الدولة المصرية بالحفاظ على الوحدة الوطنية للبلاد بهذا الشكل الفعال و نجاحها بإعادة هيكلة بنيتها الحكومية و تفعيل وزاراتها و لو بكفاءات متفاوتة و فرض الهيبة الأمينة في البلاد و هيبة الدولة و هيبة القانون ايضا لهو نجاح ساحق لعودة مؤسسات القانون في دولة كادت ان تغرق في بحر الحرب الأهلية لولا سِتْر الله عليها، فبنهاية المطاف حالة الهدوء التي تعود رويدا رويدا الى ربوعها ستفرض مناخ استثماريا بشكل او بآخر على قدر حاجاتها و ستتحرك عجلة الإقتصاد من جديد على الأكيد، فالحاجة الإستثمارية ليست معروضة للإختيار...بل انها حاجة ستفرضها احتياجات الناس للعمل و للإنتاج و للدراسة و سترى الدولة أن واجبها هي تنظيم هذه الحاجة بصورة قانونية و مقبولة للمجتمع



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات