هل نحن في وداع العروبة .. أم هناك أمل ؟


من أحرِّ الدموع دموع فراق الأم ومن أقسى لحظات الحزن هي لحظات دفن الأم تحت التراب ويشعر ابنائها باليتم الشديد بعدها فكيف إن كانوا ابنائها اكثر من ثلاثمائة وخمسون مليونا من الناطقين بلغة الضاد .

وهل نحن نودِّع أمُّنا العروبة بعد ان هرِمت وعقّ بها ابنائها ازمانا طويلة ولا بدّ ان نراجع حساباتنا خلال القرون الماضية لنحسب ما لنا وما علينا .

فبعد ان كنّا عربا مشتتين ايام الجاهلية جاء سيدنا محمد عليه الصلاة وافضل السلام مبشِّرا بالرسالة التوحيديّة وجمع العرب جميعا والمسلمين في دولة واحدة تؤمن بالسلام والعدل والمساواة والحب ولإخاء والتعايش إلى ان تفسّخت الأمّة الى دول إسلاميّة مشتّتة ودول عربيّة متفرِّقة ودخلنا بعد انهيار الدولة العثمانيّة في بوتقة الدول الإستعماريّة نارها أشدُّ من نار الجاهليّة وظلمتها أشدُّ من ظلم العثمانيّين وحينها اصبح المشروع القومي النهضوي العربي حلما يراود الكثيرين يقابله المشروع القومي اليهودي وكان الصهاينة يخطِّطون وينفذِّون ونحن فقط نحلم وننظِّر .

وهكذا بدأ الشعور بالقوميّة العربيّة يخبوا ويضمحلّْ والعروبة تُنسى وتندمل حتّى وصلت اثناء ما سُمِّي بالربيع العربي الى مرحلة الإحتضار بعد ان دخلت في غيبوبة وكومة عميقة حزنا على ابنائها العاقِّين وكأنّها اصبحت لا تستجيب لأي نوع من العقارات نظرا لإستفحال امراض الجهل في عقولنا والخيانة في ضمائرنا والجفاء والكره في قلوبنا وها نحن نستعدُّ لدفنها بايدينا حيث سيحمل نعشها بعض المنظِّرين المنافقين والكاذبين وسيبكيها بحرقة بعض الصادقين المخلصين وسوف لا يدري عنها الكثيرين الصامتين المنتظرين .........

هي أيّام تمرُّ علينا بثوبها الذي يزداد سوادا مع مرور الزمن ونحن نيام او مخدّرين لا نعي ما يجري حولنا أو اننا ندري ولكن لا نريد ان نُشعر انفسنا اننا ندري أو أنّ البعض يُشارك فيما يجري ولا يريد أن يتراجع عمّا هو واقع فيه بينما الصهاينة والدول التي تضمر الشر لنا ما تزال تطوِّر مخطّطاتها لتغيير ثقافاتنا وقيمنا ومفاهيمنا ونظرتنا للأمور بحيث نقترب لما خطّطوه لنا وما ارادوه لمجتمعاتنا بل ويريدون غسل عقول الذين ما زالوا ثابتون على عقائدهم .

واهم مفردات مخططات الصهاينة انهم استطاعوا ان يشيعوا الظلم في مجتمعاتنا حيث ادركوا ان الظلم أشدُّ فتكا في المجتمعات من الجهل والفقر والجوع , فالظلم من الأمور التي حرمها الله عز وجل علي نفسه وجعلها بين عباده محرمة لخطورتها وسوء عواقبها، ومن اشد أنواع الظلم اتهام الناس بالباطل لما له من عواقب وخيمة على المجتمع إذ يعمل على تفسخ العلاقات الاجتماعية ويوصل الخراب والدمار إلي البيوت العامرة، ظلم الناس واتهامهم بما لا يفعلون يغضب الله ، وقد جاء في الحديث القدسي عن رب العزة مخاطبا عبادة قائلا يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.

وإنّ ابتعاد الناس عن الدين هو السبب الرئيس وراء انتشار الظلم الذي أصبح في كل مكان على هذه الأرض، كم من شخص ظلم في حياته وبقي صامت لم يجرؤ أن يدافع عن نفسه بسبب قوة ظالمة وجبروته وعدم مخافتة من الله ، كما ان خوف البشر من ظالميهم ساهم في انتشار الظلم وتجبِّر الظالمين ولكن ذلك لن يستمر طويلا حيث تقول احد الأمثال الشعبية دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلي قيام الساعة.

كما أن اتهام الناس بالباطل يزرع العداوة بين الناس ويساعد علي انتشار الجريمة في المجتمع وقد تكون ظاهرة رمي الناس في الباطل نابعة من سوء الأوضاع المعيشية التي يعيشها بعض الناس لذلك هناك من يبيع ضميره ودينه مقابل مبلغ من المال يقوم بإعطائه له شخص يريد أن يتهم شخص أخر بجريمة لم يقم بها، فيأتي هذا الشخص بتهمة ويأتي بشاهد زور باع نفسه ليشهد علي شيء لم يراه مما يكون سببا لضياع شخص بريء ليس له أي علاقة بما اتهم به ، لذلك قال الله تعالي{يا أيها الذين امنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين}صدق الله العظيم .
كما أنّ الحقد والطمع والحسد من الأمور التي تساعد في تدمير الأسر والمجتمعات , وقد نجح اعداء العرب والمسلمون من زرع تلك المظاهر السيئة وتعظيمها في مجتمعاتنا وأشاعت الفساد والمحسوبيّة والشلليّة والشك وعدم الثقة بين شرائح المجتمع المختلفة وبين الشعوب وحكوماتها بحيث أضاعت الشعوب بوصلتها وثرواتها ومواردها وأغفلت عن تطوير وتنمية إقتصاداتها فأصبحت تعتمد على استيراد غذائها وكسائها واحيانا مياهها واصبحنا شعوبا مستهلكة وليس منتجة ونعتمد كأفراد على الإقتراض من البنوك والحكومات تعتمد على الإقتراض من البنوك والصناديق الدولية واعتمدنا على قروض ومنح من دول خارجيّة والذي أدّى الى ارتهان مواقفنا القومية والمصيريّة بأيدي تلك الدول ومصالحها وأصبحت قوميتنا العربيّة في مهب الريح وعصفت بها الإنتماءات الخارجيّة الى ان وصلت الى مرحلة الإحتضار الحاليّة.

ولعل خطوات التنسيق الثنائية بين الدول العربية في المجالات المختلفة الإقتصادية والإجتماعيّة والأمنيّة والعسكريّة وغيرها تبعث الأمل من جديد في نفوس العرب وافئدتهم وضمائرهم على ان تنهض الأمة من كومتها بفضل الله تعالى ولعل مجلس التنسيق السعودي الأردني الذي وُقِّع مؤخرا في الرياض من أهم هذه الآمال والخطوات العملية في طريق التنسيق والتعاون والتكامل العربي المثمر بإذن الله في ظلِّ هذه الظروف القاتمة التي تحيط بعالمنا العربي .

حمى الله الأردن ارضا وشعبا وقيادة ومكنّه من إعادة شمل الأمّة العربية وتكريس مفهوم القومية العربيّة ومبادئ الثورة العربيّة الكبرى في أذهان الأجيال القادمة .

البناء الأخضر للإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات