زمن الفوضى


كتب : ايهاب سلامة - في زمن الفوضى، يختلط الحابل بالنابل، والصالح بالطالح، وخيط تكاد لا تراه العين، يفصل بين الغث والسمين ..وقد لا يفصل.

في زمن الفوضى.. يمنح الناس القاباً لانفسهم، ويصنفّون ذواتهم كيف وما شاؤوا .. فترى صاحبة العيون الجميلة الحسنة، قد اصبحت فجأة.. سفيرة للنوايا الحسنة.. بمكرمة من منظمة غير موجودة سوى على الورق، اعتبرت ذاتها تابعة للامم المتحدة في ليلة ليس فيها ضوء قمر ..

وترى الخياط، قد اصبح في وهلة "دكتوراً".. بفضل جمعية لم تكمل اوراق ترخيصها بعد من وزارة التنمية الاجتماعية، منحته شهادة دكتوراه فخرية، لانه خاط قميصاً مجانياً لامين سرها السيد يا غافل الك الله.

تسمع عن اعلاميات زميلات، لم تسمع بهن يوماً، ولم يؤدين شيئاً لمهنة الاعلام الخاربة على رؤوس اصحابها، سوى التقاط صورهن اليومية في كل معرض ومهرجان وحفل وكرنفال وعزاء وطهور ومسرح.. ونشرها كل 5 دقائق على مواقع التواصل العجيبة ..

تتعرف كل يوم على صحفيين "زملاء" لم تكن تعلم عن وجودهم شيئاً قبل تصفحك مساء أمس، عالم الفيسبوك الازرق ..

تقرأ عن شعراء وشاعرات.. وأدباء وأديبات.. اكثر من عدد شعر الرأس، لم تنتج قرائحهم يوماً قصيدة شعر واحدة، ولا يميزون بين البحر البسيط، والبحر الابيض المتوسط ..

تسمع بمحللين سياسيين يشرّحون الواقع المحلي الراهن.. وخفايا ما يحاك لمشرقنا العربي ومغربه، لم تكن تعلم عن وجودهم قبل قراءاتك لهذيانهم وترهاتهم ..وتراهم صبح مساء يعرضون بضائعهم الكاسدة على بسطات الفضائيات العربية، يحلّلون .. يحرَمون، يتأتئون .. ويسلخون جلودنا بسياط افكارهم المسطحة ..
ترى شوارب وعباءات .. تتسابق لالتقاط صورة مع مراهقة قررت في غفلة من الزمن، ان تلقب نفسها (كاتبة) .. وعجائز يتوددون لفتيات باعمار حفيداتهم .. وقد ردهم العمر الى أرذله ..

تلمح حينما تلمح.. ، فلانا وعلانا، يفتون بما خشي اهل الفقه فتواه، بكل بساطة، لان سماحته أهمل ذقنه بضعة أشهر من الحلاقة فصار شيخاً مبجلاً يحظى بالسمع والطاعة..ومخولاً من ذاته بتقرير مصير جميع خلق الله، ومقدساً يدخل من شاء للجحيم، ومن شاء للجنة.

لا تستغرب، لا تتعجب ..
إن أنت رأيت من أصلح مواسير بيتك النازفة صباحاً، صار اسمه "الاعلامي فلان"، مساءاً.. ولا ترتبك، ان طلبت بنت جيرانك التي ينادونها صبية حيّكم بـ"أم كشة" صداقتك، وقد سّمت نفسها بقدرة قادر .. "أم الجدائل " !

أبداً أبداً لا تستغرب..
إن أنت قرأت للمحلل العسكري، والخبير الاستراتيجي، والمحنك في الوصف والبلاغة، تفاسيره لوقائع الحروب العربية العربية الطاحنة، وهو من لا تتعدى مقومات خبراته القتالية، سوى أنه متابع نهمٌ لجميع افلام الأكشن، على قنوات الام بي سي، ومحطات الأفلام الهندية..

في زمن الفوضى.. كل شيء مباح.. كل شيء متاح .. ولن يحاسبك احد على جنونك ما دام كرنفال الغوغاء قائماً دون مساءلة ..

في زمن الفوضى، تختفي النخب.. وتعيد خطواتها الى ما وراء زحام الوجوه والاقدام والاقلام.. ويتقدم الصفوف تفهٌ، وفارغون تطفو بهم على السطح سريعاً خفة أوزانهم وعقولهم ..

قبل أيام .. وصلتني رسالة فيسبوكية من معرفة قديمة كنا نسميه ذات زمن في حارتنا القديمة "ابو خنانة"، وقد كنى نفسه على صفحته المليئة بالمعجبين والمعجبات، "الدكتور الفلاني"..

وحين باركت له دكترته، رغم أنني أعلم يقيناً انه عاطل عن العمل منذ قرون، ومتفرغ لكش الحمام على سطوح منزله، إلا أنني سألته مداعباً : متى نلت الشهادة يا دكتورنا العزيز.. وبماذا ؟

رد علي برسالة مرفقة بصورة لابتسامة صاحب الوجه الأصفر : من جمعية كشيشة الحمام .. وأضاف : أسستها ورخصتها، ومنحت نفسي شهادة دكتوراه فخرية ..!

قلت دكتوراه بماذا يا دكتور "أبو خنانة" ؟ .. أجاب: بالفوضى، وأردف ...هههههههههه !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات