قراءة في الطعن بإعادة تشكيل "ادارية النواب"


جراسا -

في سابقة نوعية رفعت دعوى امام المحكمة الادارية للطعن بقرار المكتب التنفيذي في مجلس النواب المتضمن إعادة تشكيل اللجنة الادارية في المجلس ، ومع تسليمنا المطلق بأن الكلمة الفصل في هذه الدعوى هي للمحكمة الادارية ومن بعدها المحكمة الادارية العليا ، إلا أننا نجد انفسنا ملزمين بالادلاء بدلونا في هذا الشأن لا سيما وأن الكتابات الفقهية حوله على الصعيد الاردني تكاد تكون منعدمة، ناهيك عن غياب الاجتهادات القضائية للقضاء الاداري الاردني بشكل صريح في هذا الصدد ، فمن البديهيات أن القضاء الاداري يختص بنظر المنازعات الادارية من حيث المبدأ والقرارات الادارية تحديدا في نطاق دعوى الالغاء، وبالتالي يخرج عن نطاق رقابته الاعمال التشريعية والاحكام القضائية ، ولكن التمييز بين اعمال السلطات الثلاث ليس بهذه البساطة فقد تتداخل بعض الاعمال ليصبح معها تمييزها وتحديد طبيعتها غاية في الصعوبة ، ومن المسلم به فقها وقضاء أن التمييز بين القرار الاداري وغيره من الاعمال القانونية الاخرى المشابهة يعتمد على معيارين رئيسين هما : المعيار الشكلي : الذي يعتمد جهة الاصدار بصرف النظر عن مضمون العمل ، والمعيار الموضوعي : الذي يعتمد طبيعة ومضمون العمل بصرف النظر عن جهة الاصدار ، والقضاء الاداري في مختلف الدول يراوح بين هذا وذاك ، ولا يشكل القضاء الاداري الاردني استثناء في هذا الشأن ، ومن وحي فهمنا لطبيعة القضاء الاداري كقضاء إنشائي وإبداعي يوصف بأنه حامي الحقوق والحريات من تعسف السلطات ، كان لا بد لهذا القضاء من أن يتطور يوما بعد يوم ويوسع من نطاق حمايته للحقوق والحريات في الوقت الذي يشتد فيه الخناق عليها من كل جانب ، ولا يجوز لهذا القضاء أن يبقى حبيس عباءته التقليدية غير آبه بما يجري حوله من تطورات ، وهذا ما انتهجه مجلس الدولة الفرنسي منذ نشأته وكذلك الحال القضاء الاداري المصري ، ولا شك أن قضاءنا الاداري الاردني لن يحيد عن هذا الدرب ، لاسيما بعد التعديلات الدستورية علم 2011 التي جعلت منه قضاء على درجتين ، لتأمين حماية اكبر لحقوق وحريات الافراد في مواجهة السلطة العامة ، ولعل القضية المثيرة للجدل التي رفعت مؤخرا امام المحكمة الادراية للطعن بقرار صادر عن المكتب التنفيذي لمجلس النواب تشكل تحديا حقيقيا للقضاء الاداري الاردني ليسجل سابقة تُحمد له في ميدان حماية مبدأ المشروعية ، وفي وجهة نظرنا لهذا الطعن نجد إن إختيار اعضاء اللجان في مجلس النواب وملء الشواغر في حال انتهاء عضوية اي من اعضائها وفقا للنظام الداخلي للمجلس وعلى النحو الوارد بالمادتين ( 40 و 47 ) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 ، وإن كان عملا من اعمال البرلمان الا انه قطعا ليس تشريعا بالمعنى المعروف الذى يعصم العمل عن رقابة القضاء الادارى . ذلك انه قرار ادارى فردى باختيار اعضاء وفقا لاجراءات محددة بالنظام . والقول بخلاف ذلك سيؤدي الى نتائج تتنافى مع ابسط مقومات الدولة القانونية التي تخضع فيها تصرفات الجميع للقانون ، وما وجود القضاء الاداري في الدولة إلا عنصرا من عناصر الدولة القانونية التي تضمن احترام الجميع للقانون في ظل رقابة قضائية يمارسها حامي الحقوق والحريات القاضي الاداري الذي يمارس دورا انشائيا ابداعيا يوسع من اختصاصاته يوما بعد يوم في سبيل حماية اكبر لمبدأ المشروعية.

ولذا تبسط المحاكم الادارية رقابة المشروعية على هذا العمل و تعامله فى النهايه شأنه شأن كل عمل إداري بطبيعته ولو صدر من السلطة القضائية أو السلطة التشريعية استناداً إلي المعيار الموضوعي في تمييز القرار الاداري عن العمل التشريعي ، الذي يعول على طبيعة العمل بغض النظر عن السلطة التي صدر عنها. إذ يعتمد المعيار الموضوعي على طبيعة العمل وموضوعه بصرف النظر عن الجهة التي أصدرته أو الإجراءات التي اتبعت في إصداره فإذا تمثل العمل في قاعدة عامة مجردة فأنشأ مركزاً قانونياً عاماً اعتبر عملاً تشريعياً أما إذا تجسد في قرار فردي يخص فرداً أو أفراداً معينين بذواتهم فأنشأ مركزاً قانونياً خاصاً اعتبر عملاً إدارياً ، فالقضاء الاداري الفرنسي لجأ في بعض الحالات إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي للتمييز بين الأعمال الإدارية والأعمال التشريعية، قابلاً الطعن بالإلغاء في أعمال البرلمان المتعلقة بتسيير الهيئة التشريعية كاللوائح الداخلية للبرلمان والقرارات الصادرة بتعيين موظفيه، لا سيما بعد صدور الأمر النظامي في 17/11/1958 الذي سمح لموظفي المجالس برفع المنازعات ذات الطابع الفردي إلى القضاء الإداري . وهذا ما أخذ به القضاء الادارى المصرى فى التاصيل و التحليل عندما يقرر فى وضوح أن مثل هذه الاعمال تعد قرارات إدارية وفقا للمعيار الموضوعي في تمييز القرار الاداري عن العمل التشريعي ، فهو وأن اعتمد المعيار الشكلي قاعدة عامة في الكثير من أحكامه إلا انه اعتبر في أحكام أخرى القرارات الصادرة من مجلس الشعب بإسقاط عضوية أحد أعضاءه عملاً إدارياً يقبل الطعن فيه بالإلغاء(حكم المحكمة الإدارية العليا في 9/4/1977 مجموعة المبادئ ص 2183 وحكم الصادر في 28/1/1978 مجموعة المبادئ ص 2204 .

وفي حكم حديث نسبيا يأخذ القضاء الاداري المصري بالمعيار الموضوعي فيؤكد حكم محكمة القضاء الاداري المصري ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور والصادر بتاريخ 10 / 4 / 2012 :

"... انه قد يصدر عن السلطة التشريعية بعض الأعمال الإدارية ومنها إصدار قرارات إدارية كتلك التى تصدر من مكتب مجلس الشعب أو من مكتب مجلس الشورى في شأن الأمور الإدارية المنصوص عليها في لائحة كل مجلس، وقد يصدر من كل مجلس قرارات إدارية بناء على تصويت يجري بين أعضائه، ومثال ذلك القرارات التي كانت تصدر باختيار أعضاء في اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية وفي لجنة الانتخابات الرئاسية، وما يصدره مجلس الشورى من قرارات باختيار رئيس وأعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان طبقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 94 لسنة 2003 بإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان ، والقاعدة في هذا الشأن أن كل القرارات الإدارية التي تصدرها السلطة التشريعية تخضع لرقابة المشروعية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة" .

وتضيف محكمة القضاء الاداري " إن السلطة التشريعية لا تختص بوضع دستور جديد لمصر وأن كل اختصاصها هو انتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد. والانتخاب في المفهوم القانوني يعني اختيار الأفضل، واختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بمعرفة الأعضاء المنتخبين لعضوية مجلسي الشعب هو في حقيقته عمل إداري يصدر في شكل قرار إداري ، ولا تتغير طبيعته لمجرد صدوره من أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين" .

اما في النظام القانوني الاردني فتنص المادة ( 83 ) من الدستور الاردني على انه " يضع كل من المجلسين أنظمة داخلية لضبط وتنظيم إجراءاته وتعرض هذه الانظمة على الملك للتصديق عليها " .

ويستفاد من هذا النص أن الانظمة الداخلية للمجلسين لا تقتصر على تنظيم الوظيفة التشريعية للمجلسين و إنما تشمل كافة اعمالهما بما في ذلك الاعمال البرلمانية عامة والادارية خاصة ، فصدور قرارات ادارية عن اي من المجلسين يجب ان يكون منسجما مع هذه الانظمة والا شابتها مخالفة لمبدأ المشروعية ، لاسيما وان هذه الاعمال ليست تشريعية وفقا للمعيار الموضوعي الذي يعتمده القضاء الاداري في مثل هذه الحالات للتمييز بين العمل التشريعي والقرار الاداري . وفي هذا قضت محكمة العدل العليا " ... وبما أنه في الاوقات التي يكون فيها مجلس الامة غير منعقد او منحلا يختفي مبدأ الفصل بين السلطات مؤقتا وتجمع السلطة التنفيذية الى جانب مهمات الادارة مهمات التشريع ، اي أن السلطة التنفيذية هي سلطة مشرعة فإن القوانين الصادرة عنها بهذه الصفة لا تعتبر قرارات ادارية بل عملا تشريعيا ولا تختص محكمة العدل العليا بالغائها بدعوى مباشرة ولهذا تقرر رد الدعوى لعدم الاختصاص " ( قرار رقم 30 / 1977 مجلة نقابة المحامين عدد 9 لسنة 1977 ص 1183 ) .

وبناء على هذا القرار وبمفهوم المخالفة فإن البرلمان ايضا قد يصدر اعمالا تعد قرارات إدارية اذا ما كانت خارج نطاق الوظيفة التشريعية كما هو الحال في الحالة الماثلة امامنا وعليه تخضع للرقابة القضائية باعتبارها قرارات ادارية رغم صدورها عن السلطة التشريعية وفقا للمعيار الموضوعي المتبع في مثل هذه الحالات .إذ أنه في أحكام عديدة لمحكمة العدل العليا نظرت بالطعون المتعلقة بالقرارات الخاصة بالموظفين العاملين في مجلسي الاعيان والنواب باعتبارها قرارات ادارية رغم صدورها عن السلطة التشريعية ، فهنا تصرف المحكمة النظر عن المعيار الشكلي القائم على تحديد طبيعة العمل بناء على جهة الاصدار لتأخذ بالمعيار الموضوعي الذي يعتد بمضمون العمل بصرف النظر عن جهة الاصدار .

ووفقا لنص المادة (40 ) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 " ينتخب المجلس في بدء كل دورة عادية أعضاء اللجان التالية:-
أ.اللجنة القانونية. ب.اللجنة المالية. ج.لجنة الاقتصاد والاستثمار. د.لجنة الشؤون الخارجية ه.اللجنة الإدارية. و.لجنة التربية والتعليم والثقافة. ز.لجنة الشباب والرياضة. ح.لجنة التوجيه الوطني والإعلام. ط.لجنة الصحة والبيئة. ي.لجنة الزراعة والمياه. ك.لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان. ل.لجنة الطاقة والثروة المعدنية. م.لجنة الخدمات العامة والنقل. ن.لجنة السياحة والاثار. س.لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان. ع.لجنة فلسطين. ف.لجنة الريف والبادية. ص.لجنة النظام والسلوك. ق.لجنة النزاهة والشفافية وتقصي الحقائق. ر.لجنة المرأة وشؤون الأسرة.

وعملا باحكام المادة ( 74 / ب ) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 " اذا شغرت عضوية اي عضو من اعضاء اللجنة لاي سبب من الاسباب او قبلت استقالته فعلى الرئيس مخاطبة المكتب التنفيذي لتسمية عضو بدلاً عنه وذلك خلال مدة لا تتجاوز شهراً من تاريخ إخطاره " .

وبناء عليه يكون القرار الصادر عن المكتب التنفيذي لمجلس النواب المتضمن إعادة تشكيل اللجنة الإدارية لمجلس النواب السابع عشر لدورته العادية الثالثة والصادرة بتاريخ (3/2/2016) غير مشروع ومعيب بعيب عدم الاختصاص إذ أن المكتب التنفيذي لا يملك وفقا لاحكام المادة ( 74 / ب ) من النظام الداخلي المشار لها اعلاه الا تسمية عضو بدلا عن العضو الذي انتهت عضويته لاي سبب من الاسباب، ولا يملك إعادة تشكيل اللجنة كاملة إذ أن ذلك من اختصاص مجلس النواب ذاته وفقا لاحكام المادة ( 40 ) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 2013 . وفي حال البحث عن الجهة المختصة بإعادة تشكيل مثل هذه اللجان في حال استقالة جميع اعضائها او اعادة تشكيلها لاي سبب من الاسباب ،فإن المختص بذلك وفقا لقاعدة توازي الاختصاص هو مجلس النواب نفسه صاحب الاختصاص بتشكيل اللجان ابتداء ، وطبقا لهذه القاعدة – التي ابتدعها القضاء الإداري – اذا ما وجد نص يحدد لشخص او لهيئة إدارية معينة اختصاص إصدار قرار معين ثم سكت عن بيان الجهة التي تملك تعديله او إلغاءه ، فإن هذا الاختصاص يكون لذات الشخص او الهيئة الإدارية التي تملك إصدار القرار ابتداء .

وقد اخذت محكمة العدل العليا بهذه القاعدة في بعض أحكامها كمصدر من مصادر الاختصاص في القرار الإداري ، فقضت في أحكام لها في هذا المجال بقولها : " إن الجهة المختصة بمنح رخص المهن ـ وهي أمين العاصمة ـ تعتبر هي الجهة المختصة أيضاً بتجديد الترخيص على اعتبار أن التجديد له حكم الترخيص الأساسي .. " (محكمة العدل العليا ، قرار رقم 22 / 5 ، مجلة نقابة المحامين ، السنة 1980 ، ص 1489 ) .كما قضت في حكم آخر بقولها : " .. وحيث أن المرجع في تعيين المستدعي هو أمين عام سلطة المياه فانه هو المرجع في عزله ، وبذلك فإن القرار المشكو منه يكون صادراً عن المرجع المختص ".( محكمة العدل العليا ، قرار رقم 30 / 92 ، مجلة نقابة المحامين ، السنة 1993 ، ص 679 ) .. وقضت ايضا " انه من القواعد العامة ان السلطة التي تملك حق التعيين تملك حق انهاء الخدمة ما لم يرد نص على خلاف ذلك . وحيث لم يرد في قانون المؤسسة الصحفية الاردنية رقم 26 لسنة 1971 نص على كيفية انهاء خدمة المدير العام ، فأن مجلس الوزراء بالنسبة لذلك يكون هو المختص بانهاء هذه الخدمة " ( قرار رقم 62\1973 فصل بتاريخ 1973/01/01 (هيئة عادية). منشور على الصفحة (962) من العدد (4) من مجلة نقابة المحامين لسنة (1973) ).

ونختم هذه القراءة السريعة في طبيعة الاعمال البرلمانية في ضوء قرار المكتب التنفيذي لمجلس النواب بإعادة تشكيل اللجنة الادارية بالمجلس بما قاله استاذ القانون الاداري بجامعة لاروشيل الفرنسية ( وجدي ثابت غبريال ) في معرض تعليقه على حكم محكمة القضاء الاداري المصرية في الطعن الية تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور المقرة من قبل مجلس الشعب المصري عام 2012المشار له أعلاه ، إذ يقول " .. ومن جانبي سأدرس للطلاب الفرنسيين تفوق مجلس الدولة المصري على نظيره الفرنسي في تحليل الطبيعة القانونية للعمل الاداري الصادر من إحدى غرف البرلمان وتغليب المعيار الموضوعي في التكييف القانوني للعمل " .... ويضيف " إن مجلس الدولة المصري يدخل بهذه الحيثية من أنبل الابواب تاريخ القضاء الاداري الحديث وبذلك يجاري القضاء الاداري الفرنسي في ابداعه وخلقه للنظريات " .

أ.د.حمدي القبيلات 
استاذ القانون الاداري وعميد كلية الحقوق بجامعة الاسراء 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات