المتخلفون عن الجهاد امام المحكمه


يروي الصحابي الجليل كعب ابن مالك رضي الله تعالى عنه قصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك و مثوله بعدها للمحاكمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم و بين عدوهم على غير ميعاد .

ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الاسلام وما أحبُ أنّ لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها .

كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد و استقبل سفرا بعيدا و مفازاً و عدوا كثيرا فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أُهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد و المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ ، فما رجلا يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله .

و غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار و الظلال و تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمون معه فطفقت اغدو لكي أتجهز فأرجع ولم أقضِ شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه ، فلم يزل يُتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم و المسلمون معه ولم أقضِ من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لإتجهز فرجعت ولم أقضِ شيئا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقضِ شيئا فلم يزل حتى اسرعوا و تقارط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يُقدّر لي ذلك .

فكنت اذا خرجت بالناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء .

ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب ؟ فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه و نظره في عطفه ، فقال معاذ ابن جبل :بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي و طفقت اتذكر الكذب و أقول بماذا أخرج من سخطه غدا ؟ و استعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اظلّ قادما زاح عني الباطل و عرفت أني لن أخرج منه أبدا بشئ فيه كذب ، فأجمعتُ صِدقه .

و أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلّفون فطفقوا يعتذرون إليه و يحلفون له وكانوا بضعة و ثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علا نيتهم و بايعهم و استغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله .

فجئته فلما سلمت عليه تَبسَم تبسُم المُغضب ثم قال: تَعالَ ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي : ما خلّفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ فقلت بلى، والله إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر ولقد أُعطيت جدلا ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكنّ الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديث صِدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله ، لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك ، فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت ان لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله لك ، فوالله ما زالوا يأنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم رجلان قالا مثلما قلت فقيل لهما مثلما قيل لك ، فقلت من هما ؟ قالوا مرارة ابن الربيع و هلال ابن أمية ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوه ، فمضيت حين ذكروهما لي .

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس و تغيروا لنا ، حتى تنكّرتْ في نفسي الأرض فما هي التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .

فأما صاحباي فاستكانا و قعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم و أجلدهم فكنت أخرج فاشهد الصلاة مع المسلمين و اطوف في الاسواق ولا يكلمني أحد ، و آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاه فأقول في نفسي هل حرّك شفتيه برد السلام ؟ .. وللحديث بقية في المقال القادم ان شاء الله تعالى .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات