ما أنتَ بقارئ" يا دولة الرئيس


يا دولة الرئيس ، وكم أتمنى من فخامتكم أن تفتّشوا جيداً في الدرج الثالث أو الرابع من أدراج مكتبكم ، فليّ به رسالة لم تُقرأ بعد ، وأخالها وضِعَت أسفل البريد ، أو أسفل فنجان قهوةٍ دُلِقَ وساقيّ القهوة يضعه على عجَلٍ من أمره ، فقد تكون له زوجة تُنجبُ الآن طفلاً خلف سيارة أمام مشفٍ حكومي ، أو كان يفكّر أيّ أبواب المسؤلين يقرع ؛ ليتحصّل على قسط أبنه الجامعي ، وقطعاً أن ساقي القهوة ودالقها ، قد قضى ثلاثون عاماً في السلك العسكري.

يا دولة الرئيس؛؛؛
أحبّبتها وأحبّتني ، وكنّا نتواعد خِلسة تحتَ درج بيتها ، وكنا نوشّوش بعضنا بأحلام وأمنيات خِلنا بأننا سنعرّيها يوماً تحت سماء هذا الوطن ، إلاّ أنّني ورغم تيمي بها ، قرّرت حذف اسمها من هاتفي ، ومحو رسائلها المائة والتسعون من صندوق الذاكرة ، فألقيت عليها يمين الفراق وكررته ثلاثاً لذنب لم تقترفه ، فقد اكتشفت أن عاثرة الحظ كان أسمها "اعتصام"، وأنا ومنذ حراك الشارع الأردني لم أكن من المتظللين تحت تلك الآفتة العريضة، فكنت أظنّ أن الوطن يعاني من وعكةٍ عاطفيّةٍ فحسب ، قليل من برتقال وليمون أرضه كفيل بشفائه ، ولم أكن أعلم أنه يعاني من ورم خبيث لن يزول إلا بعملية جراحية ، طاقمها الطبي هم المعتصمون في زفّات ما بعد الظهر. "كنت امشي الرصيف الرصيف وأقول يا رب ما أجي عالشارع" فلم أشارك لا في حراك سِلمي ولا سلامة ولا عوض حتى ، كنت أظنّ أن الصمت هو نشاط إيجابي يدفع عجلة الإصلاح ويكفّ الأذى عن طريق التنمية الشاملة والشمولية التنموية ، وأن الفساد سيخجل من طول ضيافتنا له ويرحل لوحده ، بعد أن "تنحنحنة" في وجه طويلاً ، وقد يكون شهماً فيترك "للمعازيب" قطعة خبز بعد أن فرغَ من " بوفيه الوطن المفتوح" ولكن ذلك الضيف قد وجد بيننا أو بينكم أو بيننا وبينكم أو بين بين فراشاً دافئاً ، ووجهاً حسناً ، وأصدقاء كثر، فأبى أن يفضّ شراكته مع جيوب الفقر للمواطن اليائس ، المليئة بذكريات الجوع والعرّي والعوز والخيبة والحنين اليابس .

يا دولة الرئيس؛؛؛
ما عادت ورقة الإصلاح طارئة وساخنة على طاولة الوطن ، والذي ظهرت تجاعيد الفساد على ملامح مؤسساته ، وقطاعاته ، ومشاريعه ، واستثماراته ، وعماله ، وفلاحيه ، وموظفيه البسطاء ، وضِعاف الكسبة ،وحتى لصوص المنازل الذين ما عادوا وجدوا شيئاً يسرقوه ، وحتّى القطط المفقودة والتي كان يعيدها الحنين إلى صحن الماء في باحة الدار ما عاد الصحن يعيدها ، نعلم يا دولة الرئيس أن عمر الفساد أطول عمراً من إصلاحنا ، وأنه صار بالغاً ناضجاً راشداً متمتعاً بكامل الأهلية القانونية ، لكن لا تتركونا نستجدي حفنة نور في هذا الضباب القارص ، أو نبحث عن قشّة الإصلاح في شوارع قد تكون عطاءاتها من أكبر قضايا الفساد ، فإذا كان الأمل من شفاء هذا الوطن ميئوس منه، فنحن شعب مؤمن ، فإمّا أن نتأقلم مع هذا المناخ الفاسد ونصبح جزءا منه، وإمّا أن تعملوا على إفساد الإصلاح ، لتصبح اللوحة سوداء داكنة فلا يعمينا تماهي الألوان.

يا دولة الرئيس؛؛؛
عندما تظهر علامات الدهشة على تصريحاتك من ثقل المديونية ، وتقف حكومتك في دائرة مفرغة بحثاً عن زاويةٍ لموازنة عجوز يرفض مأوى العجزة إيواءها فثلاجة الموتى أولى بها ، فأظنّ حينها أنك كنت مهاجراً خارج الوطن لعشرات السنوات ، وفوجئت في المطار بأنك أصبحت "دولته" لأنّ تلك الخيبات يعرفها ويألفها صبية الصفوف الإعدادية تماماً ، قبل أن يحفّظونا إياها عباقرة الاقتصاد والسياسة في هذا البلد ، فحكايا الجوع ، وسرقة لقمة العيش ،"وجوّع تركب"، مسلسل كنا ضحاياه منذ ألف سرقة وسرقة، قد تكون أمعاءنا خاوية ، ولكن عقولنا مليئة كسنابل الشمس في عجلون ومأدبا والكرك.

يا دولة الرئيس؛؛؛
طال صيام المواطن الأردني ، ولم يذق لليوم رغيف خبز يابس من فرن أصلاحكم، وما زال يخبئ في جيبه كسرة فرح فهو على وعد بأن آذان الإصلاح سيرفع يوماً ما ، ولكن "لا أذان لمن تنادي"، فما زالت حكومتك تلوّح فوق رأس المواطن مكسور الظهر برفع الأسعار، تلك "الفزّاعة" التي ترعبونا بها كلما فتحنا أفواهنا ، وكأن حكومتكم تتدلّل على هذا المواطن الفاتح فمه لمرارة الجوع ، كي يزداد فقراً ، واحتقاناً ، وغربة في وطنه، ولكني عذرتك حينها يا دولة الرئيس؛ فمكيّف سيارتك، ومكتبك ، وغرفة نومك ، ومطبخك ، وأظن أن هناك مكيّفاً تحت بركة السباحة ، أفقدتك الشعور بأن الشارع ملتهب ، وبأن البلد على شفا حفرة من السقوط ، وبأن الربيع العربي ما زال منهمكاً في البحث عن حصّادين في الأردن ، فما عاد الوطن في عنق الزجاجة ، بل الزجاجة هي من في عنق الوطن ، .

يا دولة الرئيس؛؛؛
اعذرني فقد أثقلت عليك ، وأطلت الحديث معك أو مع نفسي ، ولكنه ذو شجون ، وآمل أن يكون "في الوطن بقية" لنكمل الحديث ، فقد قررت أن أرجع إلى حبيبتي "اعتصام" وأن أخطبها ، وأن تكون جهاتي مسيرة ، وزفـّتي اعتصام في جمعة من جمع الوطن .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات