أعطني سيكارة


رائحة فمي .. ولون أسناني .. وسعالي ( الديكي ), وبصاقي الداكن الذي لا يخلو من نقط دم مائلة الى السواد .. كل ذلك يؤكد أنني مدخن نهم ...

أذكر أن الوقت كان مساء والطقس الربيعي يغري بالتدخين \ بحثت في جيب قميصي عن باكيت الدخان فلم ـعثر عليه..

يبدو أنني فقدت الباكيت في مكان ما ..

لحظات عصيبة مرت بي فانا بأمس الحاجة إلى سيكارة ولكن من أين لي بها وأنا أركب في هذا الباص الذي لا اعرف فيه أي راكب ..

حاولت كبت رغبتي .. فتحت نافذة الباص وأخذت أحملق في المجهول بحثا عن أشياء ربما تلهيني عن السيجارة

وعندما توقف الباص ليحمل راكبا بالقرب من موقف صويلح وجدت نفسي ضعيفا أكثر مما اتصور
لقد رأيت ذلك الرجل وقد مجّ ( مجتين ) على سيكارته قبل ان يقذفها بعيدا ويصعد ليجلس بالكرسي المجاور لمقعدي .. تصاعد الدخان من فمه وفوهتي منخاره مثل سحابة داكنة.. لحظتها شعرت بالدم يصعد الى رأسي.. وسيطرت عليّ

مظاهر النرفزة .. فرغبتي بالتدخين أفقدتني صوابي وبلا وعي مني تسللت الى ذلك الرجل وقلت له بصوت متهدج ممكن تعطيني سيكارة

ملق بي مطولا وتفحصني كليّ ..

آسف كانت أخر سيجارة في الباكيت تلك التي دخنتها قبل ان اصعد الى الباص .. ولكن هذه بريزة يمكن ان تشتري بها أربع سيكارات ..

صدمتني اجابة الرجل فربما ظن انني متسول او شخص أزعر يأخذ السجائر من الركاب خاوة ..
كان الباص قد وصل الى مشارف مدينة السلط ..
ضربت على الجرس المثبت في سقفية الباص .. توقف الباص ونزل منه راكب كان يترنح حياء من نفسه\\

سنوات طويلة مضت على هذه الحادثة وما زلت اتذكر جيدا نظرات الرجل الذي طلبت منه سيكارة .. وحالة الانكسار التي أحاطت بي عندما مد يده الى جيبه
ليعطيني العشرة قروش ...

قطعت يومها المسافة الى البيت بزمن قياسي ..

توجهت الى درج الطاولة الذي أضع فيه باكيتات سجائري.. ورحت أحطمّها بقدمي الواحد تلو الثاني .. لقد تخلصت منها كلها ..

ربما كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي انتقمت بها لكرامتي واستعدت بها هيبتي من ذلك الرجل ...
أمنيتي أن التقي ثانية بذلك الرجل لأقول له شكرا لك من أعماقي .. فلولا قسوة كلامك واستخفافك بي لاستمرأت شحدة

السجائر من عابري السبيل .. وربما اصبحت أعرف بين المدخنين بأبو ( سيكارة ) ... اصبت قبل فترة بحالة من الهلع عندما رأيت شخصين بعمر الورود يجلسان على حافة طريق فرعي وهما يتناوبان على تدخين سيجارة... كانا في حالة نشوة ولم يعطياني اي اكتراث وانا اطيل النظر اليهما لأكثر من خمس دقائق متواصلة ... الحزن تملكني ليس شفقة عليهما بل لانهما سيكونان من زمرة ( المتعاطين ) الذين سيكون الاجرام طريقهم للحصول على سيكارة او حتى على مجّة واحدة منها ...

mkatishat@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات