سياسة إقتصادية عنوانها "كل يوم رزقه معه" !


جراسا -

م. محمد يوسف الشديفات - يبدو أن الحكومة قد عزمت على تجديد العلاقة "الإختيارية" مع صندوق النقد الدولي بعد أن أنهى الأردن ثلاث موازنات تقشفية حصل خلالها على العلامة شبه الكاملة، بدا ذلك واضحاً من خلال مغازلة الحكومة للصندوق بقرار رفع أسعار المياه الذي سيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من كانون الثاني القادم تماشياً مع الملاحظات التي أبداها الصندوق في السابق حول هذا القطاع، بالإضافة إلى تصريحات وزير التخطيط عماد فاخوري حول برنامج إصلاحي جديد لمدة ثلاث سنوات، وبذلك نكون قد تدرّجنا من مرحلة الإصلاح الإقتصادي إلى مرحلة شد الأحزمة ثم جاءت بعد ذلك مرحلة التقشف وها نحن اليوم على أعتاب "السوبر" تقشف. 

برامج التقشف -التي لا تنتهي- تهدف إلى ضبط الإنفاق وبالتالي رفع ثقة الدول والمؤسسات الدولية بالسياسات الإقتصادية الأردنية لتسهيل عملية الإقتراض والحصول على المزيد من المساعدات والمنح، في الوقت الذي وصلت فيه كلفة اللجوء السوري وباعترافات حكومية الى حوالي 6.6 مليار دولار، عملياً وبحسبة بسيطة تكون برامج التقشف وضبط الإنفاق على المواطن الأردني بالكاد تغطي خدمة اللجوء السوري، في ذات الوقت الذي دخلت فيه الأزمة السورية نفقاً مظلماً عنوانه اجتماع هنا وعشاء عمل هناك، وبدون استراتيجية حكومية واضحة وفعالة لإدارة هذه الأزمة.

الدعاية التي سبقت الإعلان عن الموازنة العامة للدولة والتي تمثلت بإقرار حزمة جديدة من الإعفاءات الضريبية والجمركية سوف تحرم الموازنة العامة من بعض الإيرادات ولكنها ستهدف بشكل أو بآخر إلى تشجيع الإستثمار، بالتالي فإن الفائدة المعلنة من جلب الإستثمارات هي تشغيل الأيدي العاملة، ولا أعلم لماذا تصرّ الحكومة على تجاهل الواقع والمضي قدماً في هذا الإتجاه وهي تعلم جيداً أن حجم السوق الأردني لا يسيل له لعاب المستثمرين، ناهيك عن عجز الكلفة التشغيلية للإستثمار في الأردن عن منافسة الكلفة في دول إقليمية مجاورة، ولم يتبقى إلا أن نتشقلب في الهواء على طريقة قردة السيرك لجذب الإستثمار والمستثمرين متذرّعين بأن البيروقراطية الإدارية هي التي أفشلت جذب المشاريع الإستثمارية!!

قوة الدينار التي تحدث عنها دولة عبدالله النسور تعتبر أيضاً دعاية لجذب الإستثمار، فالمستثمر يبحث عن عملة محلية قوية تقارع العملة الصعبة لتخفيف تكاليف الإستيراد -بالعملة الصعبة- مقارنة بالسوق المحلي مستفيداً في الوقت ذاته من الإعفاءات الممنوحة، في حين أن بعض الدول التي تريد أن تشجع مواطنيها على الإنتاج أو إيجاد بديل محلي لسلعة أجنبية تقوم أحياناً بخفض قيمة العملة المحلية مقابل العملة الصعبة وبنسب محددة لتشجيع السوق المحلي على الإنتاج تحت تأثير إرتفاع كلف الإستيراد، أي أن قوة الدينار تشجع المواطن الأردني على الإستيراد وذلك بسبب إنخفاض كلفة المادة المستوردة عن المادة المنتجة محلياً، وبالتالي فإن التغنّي بقوّة الدينار يساهم إلى حدٍ ما في تراجع الإنتاج الوطني.

تُرى لماذا تتغاضى الحكومة عن السعي لتحقيق الإكتفاء الذاتي زراعيا على الأقل؟ عشرات الأبحاث الزراعية تحدثت عن أصناف قمح وشعير تتحمل معدلات ملوحة عالية وتحتاج إلى كميات أمطار قليلة تستطيع الحكومة أن تنفّذها بالتعاون مع صندوق استثمار أموال الضمان الإجتماعي في الأراضي المملوكة من قبل الدولة والتي يمكن استصلاحها، وتستطيع بذلك تشغيل أيدي عاملة محلية في مشاريع حكومية أو شبه حكومية.

السائح الأردني على سبيل المثال يمثّل هدفاً سياحياً لبعض دول الإقليم، في حين ان قطاع السياحة في الأردن لم يتزحزح عن استهدافه للسائح الأجنبي والأوروبي على وجه التحديد، وأسعار الغرف الفندقية "خارج مواسم السياحة" لا تشجع حتى سكان الكواكب الأخرى على القدوم إلى الأردن ولا تجد بعض الفنادق حرجاً من ترك الغرف الفندقية فارغة لعدة أشهر على أن تقوم بتخفيض أسعار الغرف ومن ثم تلجأ إلى الحكومة طلباً للدعم وتخفيض أسعار الكهرباء!!، فالعالم يعاني من ركود إقتصادي والسائح الثريّ غالباً ما يبحث عن رفاهية لن يتمكن من العثور عليها في مجتمع محافظ كالمجتمع الأردني، وأوروبا لم يعد يغلب عليها الطابع الديني كي نستغل المواقع الدينية لجذب السياح، ماذا لو بنينا غرف فندقية متواضعة أو حتى متنقلة (Caravan)، بخدمات مُرضية وأسعار إشغال منخفضة للسائح الأردني في مواقع سياحية متعددة كالبحر الميت أو العقبة أو غيرها؟! كم ستكون نسبة إشغالها على مدار العام؟ كم فرصة عمل سيوفرها هذا المشروع؟ مشروع كهذا أجدر أن نقوم بتنفيذه بدلاً من جذب المزيد من المستثمرين لبناء المزيد من فنادق الخمس نجوم.

في ظل الأزمة الإقتصادية التي نمر بها يجب البحث عن حلول حقيقية تتمثل بوضع إستراتيجيات وطنية شاملة مبنية على فترات زمنية محددة، يرافقها تشجيع فعّال للمواطن على الإنتاج بمشاركة حكومية، كما يجب أن نعمل اليوم قبل الغد على خلق مشاريع وطنية حقيقية شعارها الإنتاج ولا شيء غير الإنتاج، وأن نضع الشقيق والصديق أمام مسؤولياته بدلاً من سياسة الاسترضاء والاستجداء تحت مسمى التعاون المشترك، أو أن نستمر في سياسة "كل يوم رزقه معه" التي ستطاول معها أرقام المديونية والبطالة عنان السماء بلا حلول منظورة، ليخرج علينا وزير التخطيط معلناً عن قرض جديد لتسديد فوائد قرض سابق، ويخرج دولة الرئيس كل يوم بابتسامة برّاقة ليخبرنا أن الاقتصاد بخير ولا خوف عليه، ترى هل كان دولته يتحدث عن الاقتصاد الأردني أم عن اقتصاد دولة أخرى؟!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات