اسطوانة التعيين الوزاري


كان من ضِمن المَطالبِ التي علا فيها صوتُ الشّارع زمن الحراك الذي هبّ في الاردن هي الملكيّة الدستورية, ولم يكن الطّرف الاخر على المُستوى الرسمي والتشريعي مستمعا جيداً أو محاوراً لمطالب اخرى مفصلية حين أرهقه كثيراً ذاك المطلب بقدر ما كان منصبا فكريا في التغلغل واحتواء مهد هذا الحراك.
هناك اعراف سياسيّة في بلدنا تقول انّ النّفس الشعبي المعارض ليس اصلاحيا بالمعنى الحقيقي وانْ بدا في صورته شفافا ومخلصا بل هو وفقاً لنظريتهم احدى صورتين , اما تابعا مخربا او منافسا مضاربا , وما يدل على ذلك الروتين السياسي الذي يغلّف تعيين رؤساء الحكومات المتوالية حيث انه دائما ما يأخذ الشكل الامني ولا يلقى فيه الاستحقاق الاصلاحي نصيبه المناسب وان كان التصريح يهرب من هذا الواقع , بل ويتذرع النمط السياسي في عملية التعيين الوزاري من خلال اقناع العامة ان منصب الوزير هو منصب سياسي(ليس تخصصي) وانّ من دونه هم الاولى بالتخطيط والتنفيذ ,كذريعة
ان تقليد المناصب الوزارية في بلدنا لا يخضع بالأساس الى مرجعية حزبية او تمثيل شعبي اذا فلا بد ان تلعب فيه الامزجة السياسية والمصالح الشخصية دور كبير اذ لم يكن الدور كله, بحيث تمر فترة الاربع سنوات على نظام التكتيك العسكري المعروف " التغطية والحركة" بمعنى ان يتم تغطية الاخطاء بين المجموعة بحيث لا تظهر الصورة القبيحة والضعيفة لمستوى الانجاز وتضبيب المصلحة التي تم على اساسها الاختيار.وهو مبدأ متداول مكشوف خاصة بعد ان علت في الافق دخان الخلل في نهج معظم الوزارات منها التعليم والزراعة والتجارة وعامت على السطح قضايا ادارية في أصول العمل الوزاري...
يقول الكاتب الدكتور زهير كنبي,انّ معظم الدول الحضارية اليوم لا تعتمد كلياً على (الولاء) و( الثقة ) لأنها تعبير كل مواطن وطني مخلص ، بل انهم يقدّمون ( الكفاءة) و( الجدارة ) و( نظافة السلوك) و ( السمعة الحسنة) لأن كل وزارة تحتاج إلى كفاءة تخصصية شديدة الجدارة في المهنة والمهمة المكلف بها ولان المرحلة دقيقة وحساسة فهي تتطلب المزيد من الجهود مع وجود نظامٍ رقابيٍ متطورٍ ومؤهلٍ . وللتأكد من سلامة توفر هذه المعايير في الوزير فينبغي ان يخضع الوزير لأربعة اختبارات طوال مدة خدمته في الاربع سنوات فالاختبارات هي التي تكشف كفاءة الوزير أو عدمها ويضيف الكاتب انه يجب ان توضع على الوزير المرشح أو المعين شروط قاسية أهمها أن يعرف حدوده كوزير، وأن يلزمها حتى لا يظن أن وطنيته تفوق وترتقي على مواطنة المواطن" , وهذا ما هو فعلياً غائب عن منهجية التعيين عندنا بل وصلت حد السخرية والاستهزاء بالمصلحة العامة في لقطة تم فيها تبادل مواقع الوزراء بين وزارتين في نفس الفترة أي ان العملية كما تم وصفها فقط تبديل "سكرتيرات" لا اكثر.وعلى الرغم من محاولات الاعلام الرسمي تجميل المسيرة الاصلاحية ومحاربة منتقديها واقناع الرأي العام بجدية العمل ملتحفاً النظرية الامريكية التي تقول" عندما يكون الهدف كسب الوقت اقنع من حولك بانك تعمل لمصلحتهم وليس شرطا ان تكون كذلك في الواقع" الا انّ الشمس ترى ولا يحجبها غربال كما يقول المثل و المستوى المتواضع الذي يمكن ان تصل اليه هذه المجموعة في قمة عنفوانها الفكري وبكامل طاقاتها و امكانيتها وقدراتها حتى وان طرحنا منها جوانب الفساد والمحسوبية يبرهن لنا هشاشة وسطحية المعايير التي استند عليها التعيين وسراب الماء الذي صوروه...
لا شكّ انّ ما يحيط بنا من اوضاع سياسية وأمنيّة يشكل تحديا كبيرا وهو لا يعني ان تّدرج تحته باستمرار عثرات وضعف الحكومة بأي حال من الاحوال ,وعن جانب ارتفاع نسب الفقر والبطالة ما زال التصريح يلقي باللوم على موضوع اللاجئين بشكل كبير وهذا يدل على الغياب الفعلي للخطط المرحلية من المقدمة الى النتائج حين ندرك انه تم تكليفهم بعد انشاء المخيمات و تواجد الاخوة اللاجئين في المجتمع المحلي والحرب على الارهاب وليس طارئاً جديدا احاط بمسئولياتهم, فالى اين وصولوا بعد اوكلت لهم المهمة وفرضياتها...
في خضم هذا كله فلا تحتاج جميع خططنا الى تخصيص مبالغ مالية كبيرة بقدر ما تستدعي جانبا التخصص والرجل المناسب, فعلى سبيل المثال تعاني الامة العربية والإسلامية من تبعات الفكر التكفيري والتطرف منذ سنين طويلة ومع ذلك لم توضع مادة تعليمية منهجية لأبنائنا في مدارسهم توضح لهم هذا المفهوم , لم يخصص اليوم العالمي لمكافحة المخدرات كيوم نشاطٍ مدرسي تنظم فيه المسيرات والندوات المدرسية تبين فيه مخاطر وعواقب هذه الآفة وتخلق جيلا يحاربها بالفكر الديني الثقافي الاجتماعي...واذا ما اردنا ان نعرج على موضوع اخر كالزراعة فان استغلال المساحات الشاسعة في الاردن من خلال نظام رقابي يمكّن المواطنون بمرونة عالية من استملاك اراضي مقابل الناتج الزراعي وفق خطط هندسية زراعية ودراسة علمية قد يبدو طرحا قابلا للنقاش... من ناحية أخرى نرى ان من مصادر العجز المالي و التي يتجنب المقرر الحديث عنها هو فرع الهيئات المستقلة والتي ما هي الا عبء على الموازنة والوطن والمواطن ,هيئات بموازنات فلكية ,و انجازات تافهة , ومحطات اعلام وغيرها وكأنها تستحدث حسب ما ارى لغايات التعيين الجانبي والمحسوبية وإرضاء للخواطر والمصالح الخاصة...
لقد بدأ الناس منذ فترة بالسؤال المباشر : من هو تاجر المخدرات الحقيقي, ومن هم حيتان الزراعة والتجارة والصناعة والاستيراد والتصدير, انّ الامان الذي يبحث عنه المواطن في لقمة عيشه هو الامان الحقيقي للدولة ولم تعد الذاكرة العشوائية التقليدية له قادرة على استيعاب حجم الفساد الذي يتم تحميله تلقائيا من جيوبهم النبيلة و ندائي الى صاحب السلطة متى تصدر الارادة وتحرر وزاراتنا المتخصصة في التنمية من عبودية التعيين الخاضع للسياسيات الأمنية والجغرافية والخاصة ....



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات