تعليق على تصريحات الفنانة انتصار في برنامج نفسنة


هنالك علم يدرس بأكاديمية الفنون يُسَمَى بالإخراج السينمائي، و في هذا العلم يَدْرُسْ الطالب علوم كثيرة حيث سيكون هو في قلب عملية الإخراج و الحكم بالأمور الدرامية و الفنية و التقنية إنطلاقا من رؤيته بإخراج العمل، كما سيقود فريق العمل و الممثلين و كاتب السيناريو خلال فترة التصوير ليرى هذا العمل النور إنطلاقاً من رؤيته كمخرج في تحضير و تصوير العمل الدرامي، و المخرج مسؤول ايضا على عملية إختيار الممثيلين و التصميم الإنتاجي للعمل و الأمور التي تتعلق بالإبداع أثناء التحضير و التصوير...لكي يكون هذا العمل مميز و مصنوع بحرفية و عالية و بإتقان...فالإخراج في السينما علم يدخل بمهنة صناعة الافلام التي أصبحت تحدث بحرفية عالية في مصر و في الوطن العربي عموما و شتى بقاع العالم...(1)
أردت أن أشرح هذه الأمور بصورة اكاديمية أولا لكي لا يظن القارئ أن مهنة صناعة الأفلام تحدث عبثاً...و بأنها عملية قص و لزق عشوائية...بل هنالك سيناريو يُطالِعُه المخرج...ثم رؤية لإخراج العمل و اية تعديلات قد يراها المخرج ضرورية على السيناريو...ثم تحضير لكادر عمل كبير يضم إختيار الممثلين و المصورين و التصميم الإنتاجي و أختيار مواقع التصويرو من ثم عملية التصوير...فهنالك رواية يريد أن يرويها المخرج من خلال عدسة الكاميرا للناس التي ستشاهد العمل، و كل هذا يحتاج الى مجهود جبار و تمويل حيث تسمى الجهة المُمَوِلَة للمشروع بالجهة المنتجة...و هنالك منتجد منفذ ايضا...
و هذه الأمور التي شرحتها بصورة موجزة تتطلب مجهود كبير على أرض الواقع...و كلها تنطلق من رؤية المخرج للسيناريو...و هنا مرتكز المشروع، فالفئة الدرامية للسيناريو ستتحكم بأمور كثيرا أثناء عملية الإخراج...فهل هو عمل رومنسي؟ أكشن؟ رعب؟ مغارمات؟ خيال علمي؟ الخ...أم هو مزيج من أكثر فئة درامية...فيجب أن يكون هنالك مادة درامية دسمة و واضحة بين ايدي المخرج حتى يكون العالم واضح المعالم للمشاهد و مقنع كمادة سينمائية...فالفئة الدرامية تتعلق بذوق المتفرج بإختيار المادة الذي يريد مشاهدتها و تستاعد الشركة المنتجة بعملية تسويق المنتج و بيعه بالأسواق العالمية،
قد صُدِمْتُ من سعادة الفنانة إنتصار بتصريحاتها في برنامج نفسنة على قناة القاهرة و الناس في مصر التي تقدمه سعادة الإعلامية هايدي كرم، فالفنانة انتصار فنانة كبيرة في مصر و لها العديد من الأعمال الناجحة و من بينها فلم "واحد صفر" الذي نال على واحد و خمسين تكريم من مهرجانات في مصر و مهرجانات عالمية، فهذه الفنانة صاحبت موهبة رائعة و لعلها فنانة مقتدرة جدا، و تَعَلًقَ الموضوع بما صَنًفَهُ الإعلام في مصر و الوطن العربي بالمناظر الإباحية، فقد تمت معالجة الموضوع بصورة متسرعة جدا في البرنامج من دون الدخول بعمق الآليات التي تتحكم بعملية الإخراج السينمائي و الكتابة عموما، فنحن نتكلم عن علم موجود بكل بقاع العالم بلا استثناء...علم الإخراج السينمائي موجود بأكثر من ما 196 دولة حول العالم فليس هنالك دولة في العالم تخلو من حركة مسرحية أو درامية أو سينمائية، و على سبيل المثال لا الحصر المهرجانات مثل "كان" في فرنسا و "البافتا" و "الميوريكس ديور" في لبنان و "الجولدن جلوب"(2) و "الأوسكار" في أمريكا تدل على أهمية هذه الصناعة حيث يجتمع في هذه المهرجانات صناع للأفلام من عدد هائل من بلدان العالم لعرض أفلامهم بشتى تصنيفاتها من أفلام روائية قصيرة و طويلة و أفلام وثائيقية و غيرها من المواد الدرامية و حيث تتنوع الجوائز بها و على سبيل المثال لا الحصر لأحسن أخراج و سيناريو و أحسن أداء فني و جوائز للعمل المتكامل و التي بالعادة ما تكون ارقى جائزة بالمهرجان...
و يحمل كل فلم معه أبداعات الطاقم الذي عمل به...و يحمل ثقافة بلده...و هنا يجب التوقف قليلا عند هذه النقطة، فمما لا شك به أن ثقافات الشعوب يجب أن تُحْتَرَمْ، و قد عالَجْتُ هذا الموضوع بمقالات لي سالفة، فالاقلام التي تكتب السيناريوهات و الأعمال الأدبية أولا و أخيرا تنطق من بيئتها الثقافية لتكتب ما يخالج ذهنها من رواية مبدعة للترفيه و التسلية و لصناع المواد الدرامية، و كذا المخرج فيروي لنا هذا السيناريو من خلال عدسة الكاميرا إنطلاقا من تقنيات الفنون التي تعلمها و و إبداعاته المهنية لكن ايضا إنطلاقا من بيئته الثقافية التي غالبا ما تتحكم بما يقدم للمشاهدين...و لكن مع إنفتاح حضارات العالم على بعض مؤخرا بفضل القنوات الفضائية و التبادل الثقافي الذي يحدث بالمهرجانات العالمية و النشاطات الثقافية العالمية زاد مكنور الإنسان الثقافي و أصبحت أبداعات العالم كلها بين ايدينا...لنرى الدرجات الراقية التي وصلت اليها تقنيات صناعة الفلم في دول آخرى غير العربية ...لنرى ماذا تفعل باقي دول العالم في هذه الصناعة...لنتعرف على رواد الحركة الدرامية في الدول الآخرى و ما تقدمه أقلام باقي كتاب الدول لمهنة صناعة الأفلام...فهذا تبادل ثقافي هام جدا و يزيد من لُحْمَةْ البلدان الثقافية مع بعض، بل التبادل الثقافي الذي يحدث بهذه المهرجانات هو فيصل مهم بعملية احترام الشعوب لثقافة بعضها، فمثلما أحب كمواطن عربي لشعوب العالم أن تحترم ثقافتي المحافظة يجب علي أن أحترم ثقافة الدول الآخرى حتى و إن احتوت أفلامها على أمور قد يراها مجتمعي بأنها غير صائبة...فالغير طبيعي في مجتمعي قد يكون أمرا طبيعياً في مجتمعات ثانية...لذلك لا ضرر من احتواء بعض الافلام الغربية على مناظر جريئة أو جنسية لأن هذا أمر طبيعي بالحضارة الغربية...و كثيرا ما نرى هذه المناظر تحذف من الأفلام السينمائية التي تُعْرَضْ بمنطقة الشرق الأوسط...و لا غيار على أمر الحذف و لكن المهم أن لا نهاجمها و أن لا نهاجم روادها...فالبنهاية عملية وضع المناظر الجنسية بالغرب عند شركات الإنتاج له فنه و أصوله و يأتي ضمن رواية في فلم ليصبح جزءا من مادة روائية فليس المقصود به ايًة أمور لا أخلاقية لأن هذه هي طبيعة المجتمع الغربي أو الأوروبي...مجتمع يقبل الثقافة الجنسية و يعتبرها جزء من ثقافته الإنسانية...و أقول هذه الكلمات لأنني درست بمدارس أمريكية لمدة ثلاثة عشر سنة من الروضة الى صف التوجيهي بهذه المدارس، و أنا على دراية بأن هذا المجتمع يتمتع بِقِيَمْ ثقافية كبيرة و عميقة يجب أن تحترم و يجب أن تُقَدًرْ فالدراما بالنسبة اليه هي حركة ثقافية راقية و قد تعملقت السينما الأمريكية بها كثيرا و قد سافرت مع الفلم الأمريكي ثقافة امريكا الى كافة بقاع الأرض...فلا يجب أن تكون رؤيتنا للسينما محدودة الأفق إطلاقا، ثقافتنا كعرب تُحْتَرَمْ و لكن يجب أن لا نهاجم ثقافة المجتمعات الأوربية أو الأمريكية بأي صورة كانت، فأحترام الحضارات لبعضها البعض من بديهيات المجتمعات السليمة...
التبادل الثقافي بين الشعوب لا يعني أن تذوب ثقافتي وسط هذا التبادل الثقافي الذي يحدث...بل يعني أن أقدم الأدب في بلادي و الإبداعات الفنية و الثقافية المختلفة بكل ثقة و أدب و أخلاق عالية و أن أحترم ثقافة البلدان الآخرى...فكنت أريد من برنامج نفسنة و من سعادة الفنانة إنتصار و كادر العمل في البرنامج أن ينطلق الحوار استنادا لهذه المبادئ التي ذكرتها بهذه المقالة فالأمر ليس له علاقة بتعلم الثقافة الجنسية من الأفلام كما قالت سعادة الفنانة إنتصار...فهذا يعتني به مقالات طب النفس و عيادات الأطباء النفسية، فمصر سكنت بديارها الفنون لمائة و خمسة أعوام و تعملقت بها فن صناعة السينما و سافر الفلم المصري الى شتى بقاع الأرض و شارك بالعديد من المهرجانات في اليابان و أوروبا و أمريكا...لذلك قد يحتوي على مشاهد جريئة في بعض الأحيان إنطلاقا من تَأَثُرْ المخريجون بفنون صناعة الأفلام و طبيعة الرواية و ما يتضمنه نص السيناريو و عوامل كثيرة تتعلق بقدرة المخرج على تقديم مشاهد تُؤَثِرْ على عاطفة المُشَاهِدْ...ليساعد المُشَاهِدْ على الإندماج بصورة ناجحة بأجواء الفلم...فالمادة المصورة غالبا ما تكون لها تأثير على المشاهد...
لا شك أن ما قالته الفنانة إنتصار شيئ يُحْتَرَمْ...و هذا رأيها و لها كل الإحرم و التقيدر، و لكنه غير مكتمل الأبعاد و لا يتمتع بنظرة شمولية لفن صناعة الأفلام...، بالنهاية "الحياة هي الدرامة و الدرامة هي الحياة، هما توأم و الفرق الوحيد بينهما أن الحياة حقيقة أما الدرامة فهي مرآة للحياة"...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات