الحاج "عادل " .. سبعيني يعود الى مقاعد الدراسة (صور)


جراسا -

قبل سبعة عقود ويزيد كان السيد عادل الحوراني (الحاج أبو كمال) طالباً في الصف الثالث الأساسي في مدرسة ذيبان الثانوية الشاملة للبنين، كان محباً للمدرسة، تواقاً للعلم، صديقاً للقلم.

إلا أن ما درجت عليه العادة في ذلك الوقت، هو أن يبدأ الطفل مبكراً بمساعدة ذويه في كسب قوت يومهم، فيترك الطالب مدرسته ويبدأ بمعاونة أهله بالزراعة وقطف الزيتون وتعلم بعض الأعمال والحرف البسيطة التي يعتاش عليها السكان آنذاك. هذا ما حدث تماماً مع الحاج أبي كمال، فقد غادر مدرسته تاركاً فيها أحلام الطفولة وأمنيات المستقبل ومشاعر حب دفنها تحت أدراج الصف وبين جنبات المدرسة.

أبو كمال تزوج وأصبح لديه من الأبناء والأحفاد الكثير، وجلّهم يحبون العلم أيضاً، تماماً كما هو، فأصبح منهم الطبيب والمهندس والمعلم، مما ضاعف من فخر واعتزاز أبي كمال بنفسه ونسله، وكأنه يقف في أرض ملؤها الأمل يحصد منها ما زرع. وفقا لبيان نقابة المعلمين.

وبين الماضي والحاضر لم تمت بذرة الأمل بعد، ولم تُكسر إرادة الحياة ولم تنثنِ العزيمة لدى أبي كمال، فبعد أن انقضى من عمره خمس وسبعون سنة ويزيد، راح يفكر بشيء لم يكن من المتوقع أن يخطر على بال مسنّ، أكل عليه الدهر وشرب، وكبر أبناؤه وأحفاده، فكان ما فكر به أبو كمال، هو العودة إلى مقاعد الدراسة.

الاستغراب كان سيد الموقف، فلم يتوقع أحد أن يعود هذا الحاج الكبير سنّاً وقدراً إلى الدراسة، ولكن الحاج أبا كمال فكّر ثم قرر ثم نفّذ، فعندما طلع صبح ذلك يوم الخميس 8/10/2015، وأشرقت شمسه الجميلة بخيوطها الذهبية المشعة، استيقظ أبو كمال وارتدى عباءته البيضاء المهيبة وكوفيته الحمراء وعقاله الأسود ونضاراته القديمة، ونهض حاملاً عصاه البنية المتينة متوكلاً على الله متوجهاً إلى مسقط رأسه قرية ذيبان/مأدبا التي غادرها قبل عقود عديدة ليسكن في منطقة خلدا/عمان.

وصل أبو كمال مدرسته، وفتح بابها بيديه التي تملؤها تجاعيد الزمن، مستذكراً حين كان طفلاً يانعاً يافعاً، وكان يفتح ذلك الباب بذات اليدين اللاتي لم يكن يخطها سوى الطفولة والبراءة.

تقدم أبو كمال بخطى ثابتة تجوب ساحة المدرسة، ثم وصل لغرفة المدير، سلم عليه وعلى المعلمين هناك، صمت الحاج قليلاً، وعم الهدوء المكان، وراحت الأفكار تتطارد في أذهان المعلمين، يتساءلون بصوت منخفض "يا ترى ماذا يريد هذا الحاج، من هو الطالب الذي جعل هذا الحاج بفخامة قدره يزور المدرسة ليسأل عنه.

لحظات قليلة ثم فجر الرجل المفاجأة، قال لهم "إنني جئت لأكمل دراستي"، ذهل الجميع!! أكمل الحاج: لقد طُلب مني أن أحصل على كتاب من مدرستي التي درست فيها الصف الأول والثاني والثالث، حتى يتسنى لي إكمال دراستي.

ترسمت على وجوه المعلمين ضحكات أمل وفخر، وراحوا يبحثون معه في سجلات عمرها سبعين عاماًعن اسمه فيها، وجد الحاج ضالته، وكانت الأوراق بلونها المصفر تتحدث عن سنين طوال طوت تلك السجلات، ولم يكن بالحسبان الرجوع لها بعد كل هذه الفترة.

نهض الرجل وبيده ما جاء لأجله، وأمسك بعصاه متجهزاً لمغادرة المكان قائلاً، "هناك أمل يتجدد كل ساعة وكل يوم، ويستطيع الإنسان بلوغه إن أراد، فأنا أردت أن أزرع بأبنائي حب العلم فزرعوه بأبنائهم فوجدتهم أطباء، فقلت لنفسي ما الذي يمنعني أن أكون مثلهم طبيباً أو معلماً، وإن أعطاني الله عمرا مديداً فسأكمل الدكتوراه إن شاء الله"، مكملاً: " بل إني أوصيت أولادي بأن يدفنوا أوراقاً وقلماً معي في قبري حين يتوفني ربي".

كانت هذه الكلمات أروع ما سمعه أولئك المعلمون عبر سنوات عملهم، مؤدّين التحية لعظمة هذا الرجل الذي يختصر وصفه "بأنه رجل". هو الرجل الذي آمن بهم وبرسالتهم وعطائهم، وعاد لينهل علماً من بين أيادي معلمين بعمر أحفاده، حباً وكرامة لهم.






تعليقات القراء

امر عجيب
الشيء اذا زادعن حده نقص يقول اذا مد الله بعمره سيكمل للدكتوراه ويكون قد جاوز التسعين بسنوات فاين هي الذاكرة التي يمكنها الحفظ واذا حصل ذلك فسوف يدخل مجموعة دنس
رد بواسطة المثنى
طلب العلم في الإسلام لا يقف عند حد معين و لا سن معينة :اطلب العلم من المهد إلى اللحد
فالمسلم لا يستحي من شيخوخته و لا يستحي من مكانته ليحقق الحديث الشريف : منهومان لا يشبعان ؛طالب علم و طالب دنيا
11-10-2015 03:17 PM
خالد التميمي
يا حجي .... دير بالك على صلاتك احسنلك واطلب من العلي القدير ان يحسن خاتمتك
رد بواسطة المثنى
طلب العلم لا يؤثر على أداء الصلاة
و لا يؤثر في حسن الخاتمـــــــــــــة بل هو في صالح كل منهما !!!!!!
رد بواسطة خالد التميمي
كلامك صحيح 100% ولكن اخي العزيز بما انه يقرأ ويكتب فيكفيه ذلك لان العقل في مثل هذا العمر لا يقدر على مجارة الدراسة ولا تنسى العلم في الصغر كالنقش في الحجر اما بعد ما شاب راح الكتاب
11-10-2015 03:33 PM
رائع
شيء جميل
الله يقويه ويحقق له ما يتمنى
11-10-2015 04:46 PM
ابو ثائر
العلم في الصغر كالنقش على الحجر
العلم في الكبر كاالمشي على الكدر
11-10-2015 04:49 PM
علي الصانع
يقول الشافعي مع المحبرة الى المقبرة, والعلم نور يأتيه الله من يشاء من عباده ,وهذا تيسير من الله وحده
12-10-2015 09:01 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات