السلسلة الثانية من رواية رغبة الإنتقام،


الجزء الأول

(هذه الرواية بكافة اجزائها هي من وحي خيال كاتبها، فأي تشابه بين شخصياتها و أحداثها و بين شخصيات و أحداث واقعية هو من نتاج الصدفة و غير مقصود)

دخلت كارمن محمود السيد الى القاهرة يوم 30 من يناير من عام 2011 عن طريق الميناء الجوي قادمة من ليماسول قبرص، حيث وصلت رحلتها الى القاهرة في السادسة مساءا من هذا اليوم عبر الخطوط المصرية، و كانت القاهرة حينها تشتعل بالمشاكل و المظاهرات التي تطالب بسقوط الدولة و النظام الحاكم مما ساهم بإنشغال وزارة الداخلية و الأمن حينها عنها وعن جواز سفرها المزور، فكان اسمها الحقيقي ساره بنيامين شمعون و كانت من يهود روسيا و تقيم في قبرص منذ عشرة أعوام، كانت مهنتها المسجلة على جواز السفر و التي كانت تباشرها في القاهرة منذ شهر بعد وصولها ادارة العلاقات العامة في الفنادق مما يَسًرَ لها شبكة علاقات ضخمة في قبرص و القاهرة، و لكنها في حقيقتها جاسوسة متمرسة في مهنتها تجيد إغواء الرجال و إنتحال شخصيات وهمية لإغراضها المهنية و تتكلم اربعة لغات بطلاقة تامة، فكانت تنفذ ما يصلها من تعليمات بإتقان كبير حيث وفرت لأكثر من جاسوس في القاهرة الشقق المفروشة و سيارات سياحية لِلْتَنَقُلْ و معلومات عن القاهرة و ضواحيها و احياءها، بل وَفًرَتْ بأكثر من مناسبة السلاح من السوق السوداء لشخصيات إجرامية لتحمي انفسها و لتنفيذ مخططات الإغتيال لعدد من الشخصيات داخل العاصمة المصرية التي كانت ترفض التعاون مع الأحزاب الصاعدة للحكم حينها، حتى سَرِقَتْ المتاحف كان لها ضلع بها و تهريب الأثار و القطع النادرة،

لم تلاقي كارمن متاعب بالتودد لعدد من الشخصيات السياسية الهامة و العامة بالقاهرة فكانت جميلة جدا في الثانية و الثلاثين من العمر هيفاء القوام و ذات عيون ساحرة، و كان شعرها الطويل و غنجها الجذاب و روعة اناقة لبسها عوامل تضفي على إطلالتها الشابة أنوثة خلابة، فساعدها هذا كثيرا بترك التأثير العاطفي على من كانت تشاء إغوائه من معارفها، فحينما اراد زائر للقاهرة معرفة معلومات تخص أجهزة الإنذار بمتحف من المتاحف العامة لسرقتها قامت كارمن بكل سهولة بطلب مقابلة مدير عام المتحف في اليوم التالي، بل اختارت أن تكون بأرقى إطلالتها فلذلك ارتدت لهذا الموعد الثياب العصرية المغرية و التنورة القصيرة لتحقق مرادها، كالعادة ابتدأت المقابلة بنظرات اعجاب من المدير للسيدة الجذابة التي طلبت زيارته، و تبع هذا الترحاب نظرات جرئية منها اثناء الجلسة حيث قامت بإبلاغه بأنها تعمل مديرة بشركة إقليمية لتسويق أجهزة الإنذار و أنها تسعى لبيعه منتوجات شركتهم العصرية، و بأسلوب مهني جريئ عرضت عليه منتوجات شركتها مع خصائصها المتطورة و طلبت منه بعض من مزايا اجهزة الإنذار الذي لديه لتصنع مقارنة تسويقيه، فقام بإبلاغها بخصائص هذه الأجهزة بكل سهولة، و مع نهاية المقابلة كانت قد أخذت كل ما تحتاجه من معلومات هامة، و لكي لا يَشُكْ بشيئ قبلت منه عزومة لشرب فنجان قهوة معه بأحدا مقاهي القاهرة الراقية في اليوم التالي،

و لكن في ضحى اليوم التالي تفاجئ المدير بهاتف من الشرطة يفيد بسرقة المتحف، و ضجت وسائل الإعلام بالقاهرة بهذه الأخبار المزعجة حيث تَبَيًنَ من تقارير الشرطة أن مجموعة من المعروضات يصل قيمتها الى مائة مليون جنيه تمت سرقتها على ايدي لصوص؟! سُرًتْ كارمن بقدرة الزائر القيام بهذه العملية بكل يُسْر فلم يواجه مشكلة بتعطيل أجهزة الإنذار في المتحف إطلاقا في هذه اللية المشؤمة، و استلمت مكافئتها بالعملة الصعبة و هَمً الزائر عن طريق البر بنقل التحف المسروقة الى السودان حيث انتظره معاوينوه في تلك البلاد، أما المدير فتمت إقالته من منصبه على الفور بعد أن أبلغ الأمن عن الزائرة المثيرة في اليوم السالف لعملية السرقة،
هذه كانت كارمن في القاهرة و هذا كان عملها المهني الأسود، سرقات و إغتيالات و ليالي حمراء مع

من تريد معلومات منهم و فساد تقشعر له الأبدان، نظر ممدوح سالم بصدمة الى التقرير الذي كان على مكتبه و الذي افاده به زملائه في قسم البحث المعلوماتي في المخابرات المصرية، لم يصدق في بادئ الأمر حجم فساد هذه الفتاة الذي ذكره التقرير إطلاقا فقد كانت كالشيطان في القاهرة تعبث بسلام و أمن العاصمة و الممتلكات الوطنية، كانت شهادة الشهود في التقرير تخبر بظهور فتاة تحمل مواصفات عامة و لكن تتكرر بكل حوادث الإغتيالات التي شهدتها العاصمة و في حوادث السرقات، و المذهل بالموضوع بأن مواصفات هذه الفتاة تكررت بهذه الحوادث قبل ثورة 30 من يونيو تحديدا؟! الجميع استعمل عبارات جملية و ذات بشرة بيضاء و هيفاء القوام و ساحرة، و لكن لون الشعر كان يتغير، فبواقعة أبلغوا بأن لون شعرها أشقر و شهود عيان آخرين بواقعة أخرى أخبروا بأن لون شعرها بني...بل آخرون رأوا بأن شعرها لونه أسود، و يا لدهاء الشياطين فكانت تغير لون عينيها ايضا، فتضاربت روايات الشهود ايضا حيث أخبر البعض بأن لون عينيها أزرق و آخرون أخبروا بأنها أخضر...و بعضهم عسلي،

أخرج سيجارة من علبة الدخان التي كانت على المكتب و أشعلها، نظر الى التقرير الذي شعر لبرهة من الزمن بأنه قد أتاه من جهنم نفسها، لم يذكر التقرير بأن هذه الشخصية الماكرة كانت كارمن و لكن الهاتف الذي تلقاه سامح قد شرح له الكثير، يا لها من جاسوسة محترفة و كاسرة...تفعل ما تريد بكل يُسْر من دون ان تواجه المتاعب، أخذ رشفة من فنجان القهوة الذي على مكتبه و أكمل قراءة ما تبقى من التقرير و الدماء تتجمد بعروقه من حجم الدمار الذي اقترفته هذه الفتاة في بلاده،

بعد برهة من الزمن أغلق الملف و الغضب يغلي بعروقه، فنهايته لم تعجبه كثيرا، فقد ورد ذكر ملامحها بحادثة زلزلت كيان الإعلام المصري اثناء حركة تمرد، في رواية شهود عيان تم التحقيق معهم بعد إغتيال نائب لوزير الخارجية المصري تَبَيًنَ أنها كانت برفقته بأكثر من مناسبة و في سهرات و أمسيات كثيرة، فمن الواضح بأنهم كانا على علاقة شخصية مع بعض لسوء حظ هذا الإنسان الذي كان من أكفئ السياسيين بوزارة الخارجية المصرية، فتوضحت بسرعة مقصدها من هذه العلاقة حيث بعد شهر منها وُضِعَ في درب موكبه مائة كيلوغرامات من المواد المتفجرة، توفي هذا السياسي الكبير فور حدوث الإنفجار و اختفت كارمن كليا بعد ثورة 30 من يونيو...فلم يتم الإبلاغ عنها إطلقا بعد هذه الثورة الكبيرة...فيبدو أن مهمتها قد انتهت و لم يعد الذي وظفها بجاجة لها، و لكن السؤال هو لماذا مازالت تقيم بالقاهرة؟ و ما الفائدة من بقائها في القاهرة و في سجلها المهني هذه الجرائم الكبيرة،؟

نظر الى ساعته، كانت عقاربها تشير الى الواحدة ظهرا، أخذ رشفة أخرى من فنجان القهوة و تبعها برشفة من سيجارته و هو يفكر بالخطوة التالي التي يجب إتخاذها مع هذه الشيطانة، و فجأة تذكر ندى الأسيوطي...هذه الطبيبة المسكينة التي تطاردها الجماعات المتطرفة، كان يعلم في حقيقة الأمر أن حماية ندى لن تكون صعبة، و لكن الإمساك بكارمن سيكون صعب للغاية، فلم يكن لديهم اية إدلة مادية ضدها إطلاقا، فحتى لو ارادوا ادانتها بواسطة إفادات شهود العيان لن ينجحوا بذلك، فكانت ماكرة بالتنكر بأزياء و إطلالات مختلفة في كل جرائمها التي اقترفتها...

و لكن فكر في ذاته و قال "مهما كانت درجة ذكائك فنحن هنا يا كارمن،" عاجلاً أم أجلاً سأكون سجانكِ في المخابرات المصرية، ستكونين في قبضتي و ستعترفي بما ارتكبتيه يا لعينة،"

آخذ رشفة عميقة من سيجارته و تبعها برشفة من فنجان القهوة، أطفئ السيجارة في المرمدة أمامه مقررا في ذاته أن يزور البناية التي ابلغه سامح عنها، لم تكن بعيدة عن مبنى دائرتهم، كانت بناية قديمة تطل على النيل و صاحبت تاريخ عريق حيث سكنتها ارقى شخصيات القاهرة منذ نشأتها الى يومنا هذا، فقام ببنائها دسوقي باشا السلحدار كنوع من الإستثمار له و لعائلاته في عام 1940، كان دسوقي باشا من أكبر أغنياء القاهرة فأختار أن يقيم هذا العقار المعماري الضحم ليسكن به مع عائلته و أهله، و لكن توفي اثناء تشيدها على ضفاف النيل بعد تعرضه لأزمة صحية كبيرة، و ورثت زوجته و أولاده الإثنين جميع أملاكه و عمارة الحوريات، فما كان بزوجته إلا و أن قامت بتأجير شققها العديدة الى الشخصيات النبيلة بالمجتمع المصري، فلم تريد حينها أن يدخلها إلا طبقات محترمة لكي تحافظ على سمعة هذه البناية و سمعة زوجها بعد رحيله، و مَرًتْ الأيام بهذه العائلة و بهذه البناية بكل سلام و يُسْر الى أن تُوُفِيَتْ زوجة دسوقي باشا فقام أولاده بالسفر الى الخارج و بيعها الى مستثمر قام بترميمها و بيع شققها الى عدة ملاكين من أغنياء القاهرة، و استمر حالها الى يومنا هذا حيث مازال يسكن بشققها الكبيرة و الفاخرة أولاد العديد من العائلات الثرية و أصحاب السلالات النبيلة...فَفَهِمَ أمراً هاماً جدا و هو يقود سيارته للذهاب اليها...فما أحسن من عمارة تتمتع بالسمعة الطيبة لإخفاء عميلة قوية بوسط عائلاتها المحترمة، و ما أحسن كارمن بالتمثيل بأنها ابنة ذوات على أهل هذه العمارة...

قال في ذاته و هو يتوعدها بغضب كبير "حتما ستقعين يا لئيمة و سأعلم من يقف ورائك..."

يتبع



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات