مجموعة الحوار الوطني .. لماذا الحوار ؟


منذ عدة اشهر ، تنادى جمع من ابناء الاردن ، من مختلف انحاء الوطن ، ومن الغيورين عليه ، الحريصون على وحدته ومستقبله ، وعلى رأسهم معالي الاستاذ محمد داودية ، لانشاء تجمع باسم "مجموعة الحوار الوطني" ، وهي الان قيد التأسيس ، كجمعية سياسية غير حزبية ، اي انها ليست نواة لحزب سياسي ، بل تضم خليطا متجانسا من الاردنيين ، متعددو الانتماءات السياسية قوميين ويساريين وووطنيين مستقلين ، يلتقون على قواسم مشتركة ، ابرزها العمل على تعزيز الوحدة الوطنية ، وحماية الاردن من التطرف والغلو المؤديان للارهاب ، الذي اجتاح اقطارا شقيقة حولنا ، ومساندة مسيرة الاصلاح التي تتبناها قيادتنا ، وفضح ومحاربة كل اشكال الفساد ، من خلال الحوار الهادف البناء ، وهذا هو اساس تشكيل مجموعة الحوار الوطني ، اعتماد الحوار كوسيلة لتحقيق اهدافها .

نحن في الاردن ، نعيش حرية الكلمة والتعبير عن الراي ، منذ بداية عهد الديمقراطية عام 1989 ، لكننا نفتقد الحوار ، ان يدنو كل طرف من الاخر ، يقول كل طرف ما لديه ، ويستمع لرد الاخر وتوضيحاته ، وما لديه من معطيات ، تؤثر على القرار .

لو نظرنا الى حالنا في الاردن اليوم ، نجد اننا نعيش حالات من التشنج والتخبط والتمترس ، حول مطالب وشعارات ، قد لا تكون قابلة للتطبيق العملي ، فالمعلومة والارقام والتجارب ونتائجها ، عناصر مهمة في الحوار ، انها المعطيات الحقيقية لاتخاذ الموقف السليم ، تهيئنا للولوج الى الطريق الصحيح ، الذي به نحقق نتائج جزئية او كاملة ، سريعة او متانية ، حسب ما يمكن الاتفاق عليه ، وحسب ما تسمح به المعطيات ، وما يخلص اليه فهمنا المشترك ، لابعاد اي قضية وطنية .

اننا في الاردن نفتقد الحوار بين مختلف فئات شعبنا ، وبين مختلف احزابنا ، وبين الاحزاب والشعب ، وفي داخل احزابنا نفسها ، وبين نوابنا وناخبيهم بعد الفوز ، وبين كل هولاء والحكومة ، فالحراكات الشعبية ، التي انطلقت قبل ما يسمى بالربيع ، اختارت الشارع ، وتمترست فيه ، ورفعت شعارات جامدة ، ولم تنطلق اي مبادرة حوار بينها وبين الحكومات المتعاقبة ، لا بل ان هذه الحراكات الشعبية ، افتقدت الحوار بين اطرافها العديدين ، وعاشت الانقسمات والتشرذم ، ولم تستطع توحيد مطالبها ، كما افتقدت الحوار مع الاحزاب ، فاصبحت الحراكات في واد والاحزاب في واد اخر ، ولم يستطيعوا الالتقاء معا حتى في الشارع اثناء الحراك .

الاحزاب نفسها لم تستطع الاقتراب من الشعب ، والذي يفترض انه يشكل قوتها الدافعة ، وتعيش عزلة كبيرة عنه ، فلقد افتقدت الى لغة الحوار مع جماهيرها ، وهي اساس وجودها ، وعماد تطلعاتها المستقبلية ، اضافة الى ان بعضها ، يمارس فسادا وديكتاتورية ، تحتضن ما يمكن تسميتهم بالسحيجة لشخص راس الحزب ، والذي استغل هذا التسحيج ، كي يبقى زعيما للحزب ، ويلجأ للتخلص من العناصر الحزبية المعارضة ، تحت مسميات كاذبة ، كمسمى تطهير الحزب من العناصر الدخيلة ، او غيرها من المسميات ، التي يصفق لها سحيجة الحزب ، فمثل هذه الاحزاب ، تفتقد الى الحوار الديمقراطي الحقيقي بين اعضائها ، بل ان زعامتها تعادي الحوار ، الذي يعريها ويكشف عيوبها ، فكيف لها ان تمارس حوارا حقيقيا مع بعضها ومع الشعب والحكومات ؟

حتى نواب الشعب ، افتقدوا للحوار مع ناخبيهم بعد الفوز ، واقتصر الحوار المصلحي ، على فترة الدعاية الانتخابية ، حيث يتنافس المرشحون على التودد من الشعب ، وتشفيط الخدود بالتقبيل ، ووعود بانهار لبن وعسل سيجلبونها ، ثم يغيبون عن ناخبيهم ، لا بل يختبئون عنهم ، لحين موعد الانتخابات القادمة .
كل هولاء ، ما عدا النواب ، افتقدوا الحوار الحقيقي مع المسؤول الحكومي ، وهو الطرف الاهم في اي حوار ، لانه من يمتلك سلطة التنفيذ ، ومن يمتلك المعطيات ، حقائق وارقام وتجارب ونتائج التجارب ، فهذه المعطيات هي المؤثر الاكبر على اتخاذ القرار ، خاصة ان كانت الاطراف الاخرى ، حراكات واحزاب ، لا تمتلك البرامج البديلة الواقعية ، القابلة للتنفيذ العملي ، وتندرج معارضتها تحت بند المناكفة والاتهام فقط .
خلال عملي في شركة البوتاس العربية ، عقد المدير العام للشركة ، اجتماعا مع مدراء الدوائر ، لمناقشة شكوى احد المدراء ، من تقصير دائرة اخرى ، وبعد ان استمع المدير العام لوجهات نظر الطرفين ، قال للطرف المشتكي ، ما رايك ان اعينك مديرا لتلك الدائرة التي تشكو تقصيرها ، حتى تساهم في سد ثغرات التقصير في عملها ، فكان اقتراحا منطقيا ، خاصة ان مدير كل من تلك الدوائر ، قادر على ان يقوم بمهام الدائرة الاخرى ، طبعا رفض الطرف المشتكي ذلك الاقتراح ، بحجة انه غير ملم بظروف الدائرة الاخرى ، ولا يجد في نفسه الكفاءة للقيام بمهامها .

هذا هو حالنا في الاردن مع طرفي المعادلة الرئيسيين ، المسؤول الحكومي ، والمعارضون للسياسة الحكومية بشتى فصائلهم ، من هنا اقول ، ان تجربة مشاركة اطراف المعارضة في الحكم ، التي عشناها في الاردن في العقود الماضية ، كانت تجربة وطنية ناجحة الى حد كبير ، وبرأيي الشخصي انها لا يجب ان تنسحب على جميع اطراف المعارضة ، فهناك منهم من يسعى بمعارضته للوصول الى هذا الهدف ، لمنافع شخصية ، فالمسؤول الحزبي الذي يمارس الفساد الان ، وهو راس حزبه ، لا يمكن ان يؤتمن على منصب حكومي رفيع ، دون ان يمارس فساده فيه ، لكنني استطيع ان اقول ، انها في معظمها كانت ناجحة ، من خلال استعراض اسماء بعض الحزبيين ، الذين كانت مسيرتهم الحزبية عطرة ، والذين خاضوا تحربة العمل تحت الارض ، وتعرض بعضهم للسجن والملاحقة سابقا ، وها هم قد شاركوا في الحكم كوزراء ، لم يتخلوا عن مبادئهم التي من اجلها ناضلوا ، لكنها صقلت بالعقلانية .

اذكر من هذه الاسماء مع الاعتذار لمن فاتني ذكر اسمائهم ، ومع حفظ الالقاب ، مازن الساكت ، محمد داودية ، سمير الحباشنة ، ممدوح العبادي ، واعتبر من الظلم والتجني ، ان يتعرضوا لاتهامات البعض ، بانهم باعوا مبادئهم من اجل الحكم ، وهي تهمة جاهزة معلبة ، تطلق في وجه كل من اعمل العقل والمنطق في مبادئه ، فها هم اليوم ، ما زالوا قابضين على جمر مبادئهم واحلامهم ، واود هنا ان اذكر منهم ثلاثة تقربنا منهم بالالتقاء معهم ، اولهم الاستاذ مازن الساكت ، الذي كان لنا معه حوار في مجموعة الحوار الوطني قبل اسابيع ، بدا فيه كانه امين عام حزب قومي ، يفيض قومية وغيرة وطنية وقومية ، ويجاهر بافكار تقدمية ، جعلتنا نحن المتمترسين منذ عشرات السنين ، حول افكار متجمدة متعفنة ، نسيء الى كل مسؤول حكومي ، ونضعه في قائمة المعادين لطموحات الشعب ، والساعين لمصالح شخصية ، تناقض المصلحة الشعبية ، اما الثاني ، فهو الدكتور ممدوح العبادي ، الذي ما زال على العهد ، وطنيا وقوميا كما كان دوما ، والذي كان لنا فرصة الالتقاء به في ندوة حوارية ، مع مجموعة العمل الوطني ، اما الثالث ، الذي عرفته شخصيا منذ اشهر فقط ، هو الاستاذ محمد داودية ، رئيس مجموعة الحوار الوطني ، والمبادر الى انشائها ، وهو الحزبي الذي مارس العمل تحت الارض ، والاعلامي والكاتب ، الذي حورب بلقمة عيشه وعيش عائلته ابان الاحكام العرفية ، والذي وصل الى منصب وزير لمرتين برافعة عضويته في مجلس النواب ، وسفير لثلاث مرات ، وما زال على العهد ، يجمع الوفاء لانتماءه الحزبي مع الانتماء الوطني ، اما المهندس سمير حباشنة ، فاني اعرفه منذ سنوات طويلة ، من خلال عدة مناسبات اجتماعية ، ومما يشهد به الكثيرون عنه ، ما زال ايضا على وفائه لانتمائه القومي ، وهو الحزبي الذي سجن اكثر من مرة ، داخل الاردن وخارجه ، بسبب انتمائه الحزبي .

قبل عام 1989 ، وهو بداية عهد الديمقراطية ، كانت الاحزاب تعمل تحت الارض ، وكانت برامجها ، وخاصة في الخمسينات والستينات ، برامج انقلابية ، تهدف الى ازاحة نظام الحكم في الاردن ، واستبداله بنظام حكم ثوري جديد ، وبعد الديمقراطية ، اعترفت الاحزاب بالنظام في الاردن ، وبدأت العمل تحت رايته ، واصبحت معارضتها موجهة للحكومات وليس للنظام ، وبالتالي اصبحت الاحزاب جزء من الدولة الاردنية ، واصبحت مشاركة افراد منها في الحكم امرا طبيعيا ، ونتمنى على احزابنا ، ان تنسجم مع مبادئها واهدافها ، وان تصل ببرامجها والتفاف الجماهير حولها ، الى مرحلة تشكيل الحكومات ، وليس المشاركة بالحكم فقط .
من هنا نحن مدعون جميعا الى تعزيز ثقافة الحوار والالتقاء ، ومن هنا كانت مجموعة الحوار الوطني ، ففي الحوار ونتائجه الايجابية ، تعزيز لوحدتنا الوطنية ، ومنعة لبلدنا .

مالك نصراوين
عضو مؤسس في مجموعة الحوار الوطني
1\9\2015



تعليقات القراء

ابو سالم علي
بلا حوار وطني بلا بطيخ امسمر. اصلا هذه الحوارات كها مضيعة للوقت من اجل التفرد بالسلطة. الطريق واضح وازفت الساعة.
01-09-2015 02:16 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات