الأردنُ والإسْراعُ نحو العافية


بإذن الله ...
نقولها تعلّقاً برحمة الله - تعالى - ورأفته بالعباد ، ونقولها تعقّلاً في إزاء ما يحيق بالأمّة ويُحيط بالبلاد .. ! .

نقولها فِقْهاً لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قال الرجلُ : هلكَ الناسُ، فهو أهلكهم " رواه مسلم

قال ابن الأثير في النهاية : " يروى بفتح الكاف وضمّها، فمن فتحها كان فعلاً ماضياً، ومعناه: إنّ الغالين الذين يؤيسون الناس من رحمة الله يقولون هلك الناسُ، أي: استوجبوا النار بسوء أعمالهم، فإذا قال الرجل ذلك فهو الذي أوجبه لهم لا الله تعالى، وأما على رواية الضم فمعناه: فهو أهلكُهم أي: أكثرهم هلاكاً، وهو الرجل يولع بعيب الناس ويذهب بنفسه عُجْبا ويرى له عليهم فضلاً " .

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 16 /175 ) : " وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة ؛ واتفق العلماء على أنّ هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم! لأنّه لا يعلم سرّ الله في خلقه ، قالوا فأما من قال ذلك تحزناً لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه " .

والمُسلم ينبغي له حُسْن الظنّ بأخيه ؛ فنرجو لمن كَثُر منه إشهارُ قبائح النّاس وذنوبهم ، وإظهارُ فسادهم وعيوبهم ؛ أنْ يكون من قبيل التحزّن والشفقة أنْ يقع غضبُ الله - تعالى - عليهم ...
لكنّ الإيغال والمبالغة أو الغلو في هذا يُفضي إلى شرّعريض وفساد ؛ قد يفوق المُنكر الأصلي ، ويعْظُم هذا إذا تضمن ّقدْحاً وتعييباً للحاكم والحكومات على المنابر وفي وسائل الإعلام ! ؛ فإنّ الفتن - اليوم - قد استشرتْ ، ومذاهب أهل الباطل تطاولت و انتشرت ، والناس قلوبهم - فضلاً عن تديّنهم - ضعيفة والأمور اختلطت عليهم واشتبهت ! ، وبلادهم تسير على خيطٍ رفيع تتأرجح أو تترنّح! ؛ فليس من الفقه - في شيء! - التركيز على الذنوب وتفخيم العيوب ! ؛ بل الفقه عكْسُه فانظروا .

في الصحيحين أن أبا هريرة كره التحديث بحديث الجِرابَين الذي فيه تنقص بعض الحكام لظهور بوادر الخروج عليهم في وقته مع تفشي ( الجهل ) وكان يقول : " لو شئتم لسمّيتهم ".

قال الحافظ : " ولهذا كره أحمد التحديث ببعض دون بعض الأحاديث التي ظاهرها ( الخروج ) على السلطان ". 

ولمّا طلب الناس أيام الفتنة من أسامة بن زيد أن يدخل على عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فيكلمه في بعض الأمور ؛ قال : ألا ترون أني لا أكلمه إلا أُسمِعُكم ؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا لا أحب أن أكون أنا أول من فتحه .. ! والقصة في الصحيحين. 

وهذا أثرٌ له دلالات عظيمة منها : أن الناس طلبوا إلى من هو أهل للنصيحة ، وصاحب سبقٍ في الصحبة و العلم ، ومن ذوي المكانة عند الناس ؛ فيكلم الحاكم وينصح له ، ولم يتصدر لهذا الأمر أيُّ أحدٍ ومن تلقاء نفسه! .

ثم إن أسامة بن زيد بيَّن للأمة منهج السلف الصالح في نصحهم للحكام بقوله ( ألا ترون أني لا أكلِّمُه إلا أسمعُكم ؟ والله لقد كلَّمته فيما بيني وبينه ). 

قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - : " الطريقة المتبعة عند السلف النصيحةُ فيما بينهم وبين السلطان ، والكتابةُ إليه "
فإذا قالوا : الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ..
فيُقال لهم : إنّ الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم الشأن من أصول ديننا الحنيف ؛ وبه بعث الله - تعالى - الرسل والأنبياء ؛ حاصلُ القيام به صلاحُ أهل الإسلام في دينهم ودنياهم ، وصالحُ ما به يستقيمُ حالُهم ، ويَصْدُقُ إيمانُهم وهي الأعمال ؛ ولو تعطّل هذا الركن في حياة الأمة لعمّ فيها فساد البلاد والعباد ، ولكان سوء المآل لها بالمرصاد .

وهو واجبٌ على الأمّة لقول الله - جلّ ثناؤه - : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ، وقد وردت نصوصٌ كثيرة - ليس هذا محلّ تحريرها - تدلّ على عوائد القيام بهذا الأصل العظيم ، وتحذّر من عواقب تعطيله أو تأخيره ؛ لا خلاف في هذا ..

لكنّ أمراً في الآية الكريمة السابقة يغفلُ عنه كثيرٌ من النّاس ألا وهو الدعوة إلى الخير ؛ وقد قدّمه الله - تعالى - على الأصل المشار إليه لحكمة بالغة ؛ وتجتمع أقوال المفسّرين على أنّ الخير هو كتاب الله - تعالى - وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلّم - حفظاً وتعلّماً وتعليماً ونشْراً ؛ وكونه مقدّماً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا على وجهين :

الأول : أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في الدعوة إلى الخير ومنه ؛ تيمية - رحمه الله - : " الأمرُ بالسّنّة والنهيُ عن البدعة ؛ أمرٌ بمعروف ونهيٌ عن منكر "
وهذا ظاهر ؛ فدعوة الناس إلى القيام بما أوجبه الله عليهم وتعليمهم تلك الواجبات هو أمر بالمعروف ، ودعوتهم إلى اجتناب معصية الله تعالى وبيان ذلك لهم هو نهي عن المنكر .

الثاني : أنّ الدعوة إلى الخير أو الكتاب والسّنّة تؤدي إلى فشوِّ وانتشار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين عموم المسلمين ؛ فإنهم إذا تعلموا ذلك الخير تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، وكانوا أطوع لهذا و قابليتهم له أفضل ؛ ناهيك عن أن حاجتهم له ستكون أقلَّ بكثير جداً ؛ وهذا ظاهر أيضاً والحمد لله.

ثمّ إنّ لهذا الأصل مسائل كثيرة حرّرها أهل العلم في كتبهم ومصنفاتهم ؛ وهذا لئلا يخرج الأصل المذكور من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة ؛ إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والمناكفة والمناطحة ! .

وتلك المسائل تتعلّق - أساساً - بمن يباشر الأمر والنهي والنُصح ؟ وكيفية ذلك ؟ وما هي وسائله وأدواته ؟ ومتى يُقْدمُ عليه ومتى يُحْجمُ عنه ؟ وغير ذلك من المتعلقات ؛ والتي يسميها أهل العلم : ( الضوابط والشروط الشرعيّة والفقهيّة للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ؛ وهو ما يكاد أن يكون علماً قائماً بذاته لكثرة من تكلّم فيه من أهل العلم والدراية ؛ ولا يتسع المقام للخوض فيها مع كثرة المراجع والمصنّفات التي قرّرتها .

ولنا سؤال أولئك الذين استفاضوا بتعداد الذنوب ووصف الفساد في بلدنا الأردن - حماه الله - ويعِدون الأردنيين الهلاك القريب أو ( الإسراع نحو الهاوية )!، ويدعون النّاس للنهوض إلى إنكار المنكر :
بأيّ شيءٍ يكون النهوض ؟ بالكلام على المنابر وفي وسائل الإعلام ؟

إذا كان تحذيراً للناس من عواقب المعاصي وبياناً لشؤمها على الفرد والجماعة ؛ فلا خلاف بل هو من اوجب الواجبات ؛ على أنْ يكون بعلم ورفق وحِلم ، دون تعصّب لمنهج أو مذهب ، ومع حُسن توضيحٍ لطريق النجاة والسلامة .

فأمّا ما كان على وجه الإبهام والإيهام فليس هذا من الإنكار الشرعيّ في شيء ؛ إذ العقول - اليوم - مائلة في فهم الإنكار إلى الوسائل البدعيّة كالمظاهرات والإضرابات وما أشبه ! ؛ فإذا تقوّى هذا الوجه بلغة الخطاب والمقال وطريقته كان عودةً بالأمة إلى الدائرة الأخطر ، والمُنكر الأكبر ؛ مِن حدوث الفتن وحلول المحن ..!

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - : " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي أمرنا به، ولهذا قيل ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر،وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبات فالواجبات والمستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، إذ بهذا بُعثت الرسل ونزلت الكتب ، والله لا يحب الفساد بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذم المفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر اللهُ "
( مجموع الفتاوى : 28/126)

وقد سأل الحكمُ بن عبدالله أبا حنيفة فقال له : ما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك أناسٌ فيخرج على الجماعة هل ترى ذلك؟ قال: لا، قلت: ولم وقد أمر اللهُ ورسولُه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ قال: هو كذلك لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون ؛ مِن سفك الدّماء واستحلال الحرام .

نعم .. والفرق دقيقٌ بين الإنكار الشرعيّ والإنكار بمنكر ، لا يهتدي إليه إلا ذوو البصائر والنُّهى وأهل النّظر في العواقب ؛ فإنّه كما قيل : مَن نظر في العواقب سَلِمَ من النوائب .

نقول هذا ونحن نرى خيراً كثيراً في بلدنا الأردنّ - على الأقلّ مقارنة له بما عليه كثير من البلدان - وهذا من فضل الله علينا وكرمه ؛ وأكبر ذلك الخير أمننا ، وأنّ الدعوة إلى الكتاب والسّنة ونشر العلم لا ضيم واقعٌ بها ولا تضييق ؛ ولا نفرّ من الإقرار بوجود الفساد الذي لا تخلو منه بلدٌ على وجه الأرض ؛ لكنّ أهله والسائرين فيه منّا .. فيقلّ بعلم الكتاب والسّنة وإظهاره بين المسلمين ؛ ولئن كانت الطريق طويلة ومحفوفة بالمشقة فإنّ منتهاها النّصر والتمكين والغلبة لدين الله .

الذنوب والخطايات من موجبات سخط الله وعقابه ؛ لكنّ هذا يُستدفع ويُتّقى بالسنن الشرعيّة عقيدةً وعبادة ومعاملةً ؛ ومن تأمّل أسباب الفساد والعقوبات في الأحاديث النبويّة وجد أكثرها مُرتبطاً بمدى إعراض النّاس عن دين الله - تعالى - وتقصيرهم فيما أوجبه عليهم ، واتّباعهم الشهوات والمعاصي كالزنا وأكل الربا ومنع زكاة اموالهم والغش في التجارة ؛ والله - عز وجل - يقول : { ظَهَرَ الفسادُ في البرّ والبحرِ بما كسبتْ أيدي النّاسِ ليذيقهم بعض الذي عَمِلوا لعلّهم يرجعون } ؛ يرجعون عن المعاصي إلى دين الله ؛ وهذا يلزمه دعوةٌ تأخذهم إلى خير الكتاب والسّنّة على بصيرة من العلم والرّفق واللين، واعتبارٍ للواقع المُعاش بما فيه من اختلاط وفتن وشُبَهٍ كثيرة .

هذا الخير الذي نرجو الله - تعالى - أنْ يكون بالأردنيين إلى السلامة والعافية أسرعَ من الذنوب والخطايا إلى الهاوية !

حُسنُ ظنٍّ بخالق السموات والأرض وهو على كلّ شيء قدير ،وبعباده رؤوف رحيم ..



تعليقات القراء

احمد سعيد
والله يا ابي اني افتخر فيك فخرا لو وزع على سكان الكرة لكفاهم .. صح لسانك يا تاج على الراس
06-06-2017 12:54 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات