هل فقدت الانظمة مبررات وجودها ؟


(" من وحي إعترافات جلاد عراقي عذب واغتصب السجناء". بئس امة يقود دفتها جلادوها،و يكون مدارء امنها ومخابراتها اعلى مكانة من علمائها و مفكريها،وسجونها اكثر شهرة من جامعاتها. يا الله متى تكون النهاية السعيدة،ونهاية النهاية لكنس الطُغمة وزوال المظلمة ) .


إستمرار أي حكم واستقراره يعتمد على شرعيته المستمدة من شعبه،نقيضه النظام اللا شرعي إما ان يقاومه الشعب علناً بانواع الاسلحة كافة او سلباً بادارة الظهر له حيث تكون الجسور بين القاعدة والقمة مقطوعة ،او علاقتهما محكومة بالتوتر و اللا ثقة، فيما المرجل الشعبي يغلي من دون الاعلان عن ثورة او عصيان مدني.بمعنى ادق ان الشعب في وادٍ والدولة في وادٍ آخر.ولكي يكون النظام شرعياً يجب ان يبسط العدالة ،ينشر الحرية، يرسخ الديمقراطية،يفرد اجنحة المساواةعلى الكل،يمنح تكافؤ الفرص للجميع .فوق ما سلف ان يطبق القانون ـ كالموت ـ على الجميع لا يتملص منه احد من اعلى سنام الجمل حتى خفه.

من رحم الانظمة الشرعية تولد المعارضة الوطنية،ضمن اطر قانونية،فتكون موضع ترحيب واحترام،لا معارضة شكلية مفبركة تتلقى اوامرها من تحت الطاولة او بـ " الآلو" التكنولوجية المعاصرة .فالانظمة الشرعية مهماتها الاولى خدمة "مواطنيها " بينما الانظمة اللا شرعية تعاملهم كبهائم للركوب،حصالات ضرائب،و كمبارس لتمثيل ادوار ثانوية كالتصفيق للقادة في المناسبات الوطنية،والذهاب الى صناديق اقتراع مزورة،وممارسة حريات ملغومة هي اقرب للعبودية.

سؤال معلق في فضاء الامة العربية هل انظمتها شرعية،وشعوبها تؤمن بحُكامها ؟. بصراحة صريحة وثقة واثقة نقولها : بـ "اللا الكبيرة" ( لا،لا،لا) ولتأكيد المؤكد نصرخ بـ "الصوت العالي"،نكتبها بـ "البنط العريض" ( لا ) و الف " لا ". و الا ما الداعي وجود جلاد يضرب ويغتصب مواطنيها ؟! ما معنى تزايد السجون ذوات الزنازين القذرة بمتواليات هندسية فيما المدارس مستأجرة او آيلة للسقوط ؟!. ما هي مبررات قوانين الطواريء، الاحكام العرفية،القوانين الاستثنائية، قوانين مطبوعات قاتلة لحرية الكلمة....؟!. لماذا اصبحت السجون العربية ذات شهرة عالمية بينما جامعات الامة في ذيل قائمة الجامعات العالمية على مقياس شنغهاي ؟! ناهيك عن النكتة الصفعة ان مدراء الامن والمخابرات اشهر من علمائها ومبدعيها ؟!.

وصية الاسكندر لقواده وجنوده عندما اراد ان يغزو العالم : اذا دخلتم مدينة اياكم ايذاء مغنيها و اهل الفن فيها فهم روح الامة . تصوروا عندما يكون عمر سليمان،علي مملوك،عبدالله السنوسي هم روح الامة. اللواء حبيب العادلي وزير داخلية حسني مبارك عين ضابطاً برتبة رائد للعناية بكلبه،وكان له جناح خاص لقضاء لياليه الحمراء داخل مبنى وزارة الداخلية .يا للعار ـ رجل لا يسوى بريزة ـ نكّل بثمانين مليون مواطن،و اذلهم لكن الظالم لا يفلت من شر ظلمه.يروي سجناء في سجن "طره" ممن زاملوا حبيب العادلي انه تعرض لتحرشات جنسية من بعض السجناء انتقاماً لافعاله المشينة ايام سطوته،ما استدعى تدخل ادارة السجن لانقاذه و اعادته الى زنزانة منفردة على الفور وسط ضحكات السجناء ونكاتهم .الحادثة سمع بها اقارب العادلي فهرعوا الى السجن للسؤال عن ابنهم. ادارة السجن لم تنفِ الواقعة ولم تؤكدها ولم تزل معلقة في ذمة الرواة .اما تعاونه مع "النخنوخ" اشهر بلطجي في مصر وعصابته، فتلك حكاية اخرى يعرفها المصريون كافة ؟!.

في غياب الحرية،الديمقراطية،الصحافة الحرة،تدوال السلطة،المعارضة الوطنية،سيادة القانون،العدالة الاجتماعية يبرز دور " الجــــــلاد " و يتضخم لان ـ الحاكم بامره ـ يريد عبيداً لا مواطنيين،قطيع اغنام يهش عليهم جلاده بعصاه لا اوادم ينتمون الى البشر حتى لا ينطق احدهم بكلمة " لا " على طريقة شاعرنا الفرزدق في المدح : ـ ( ما قال لا قط الا في تشهده // لو التشهد كانت لاؤه نعم ) ـ . يوميات الامة قمع مستديم انعكس على المواطنيين امراضاً جسدية،وعللاً نفسية،سوءَ علاقات اجتماعية،ميولاً عدوانية،جرائم بشعة شبه يومية. رغم كل هذا لم تسأل الانظمة العربية نفسها لو مرة واحدة : ما هي اسباب الامراض المنتشرة التي لامست شارة "الجائحة" الخطرة : قرحة المعدة،انتفاخ القولون،السكري، الضغط،اوجاع الظهر المزمنة،ابيضاض الشعر المبكر وسقوطه،الافراط في التدخين،المسكرات،تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة،الارق،الكآبة،القلق،الكشرة الدائمة،المشاجرات المسلحة....!.

الانظمة العربية قتلت الانسان داخل الانسان، دمرت روحه،شوهت تركيبته النفسية.هنا تألق دور الجلاد المتوحش،ما ادى الى ما يُعرف بـ "رهاب السلطة "فصار المواطن، يشك بما حوله،يخاف مما يحاك ضده،سيان ما يعتلج في صدره حقيقة او وهماً.فلجأ الى الاحتماء بـ "التقية" مع اقرب المقربين له،وانقسم على ذاته فما يعلنه غير ما يبطنه. لذلك سلك طريقين لا غيرهما اما الهرب المسلح للامام لمواجهة السلطة كما يحدث في سوريا،اليمن،ليبيا وهاهو العراق على الطريق ينتفض على سُراقه ،ولبنان يثور على من اغرقوه بالزبالة المذهبية والنفايات الطائفية.اما الطريق الثاني المقامرة بالحياة بالهرب على قوارب الموت الى أي شاطيء آمن.تقارير الصليب الاحمر،منظمة العفو الدولية،هيومن رايتس واتش تشير كلها الى ان غالبية الدول العربية اصبحت دولا منكوبة.والسبب يعود الى غياب ابسط انواع العدالة،فيما التعذيب الممنهج صار وجبة يومية في سجونها للحفاظ على الانظمة وحكامها.

الجلاد العراقي الذي يُعذب ويغتصب ويقتل،ما هو الا نسخة منسوخة عن الجلاد العربي في كل مكان . نعم هو مسؤول لانه قَبِلَ بهذا الدور الوضيع لكن المسؤولية اولاً و اخيراً تقع على عاتق المسؤول الرفيع الذي اطلق يديه و تغاضى عن فلتان غرائزه السفلية لإنتهاك اعراض الناس. فشخصية الجلاد شخصية مفككة،مأزومة،سيكوباتية،لان الشخص السوي يرفض هذه اللعبة القذرة بطبعه،وينأى عنها بفطرته الانسانية السليمة. الجلاد جاهل مهما علت رتبته وعلت شهاداته،لانه عدو نفسه. لم يدرٍ المُعَذِبُ "الجلاد" انه لا يقل معاناة و عذاباً عن المُعَذَبِ " الضحية" .فالمجرم / الجلاد تطارده افعاله،يلسعه ضميرة كلسعة عقرب مميتة ،يلازمه الشعور بالذنب على مدى حياته.هو غير قابل للشفاء لانه قاتل مع سبق الاصرار ولو لم تمت الضحية بين يديه.مارس جريمة التعذيب والاغتصاب بكامل وعيه للحصول على ترقية او ترضيه من الذي يوجهه. عكس الضحية / المتلقي الذي لا ذنب له وقد يكون بريئاً.وفي اسوأ الاحوال وقع فريسة بيد الوحش الجلاد للدفاع عن مبادئه ومعتقداته وهذه ليست جريمة بل مفخرة.لكن قدره جره للوقوع بايدي ـ ابن حرام لا يعرف ربه ـ .

في كتاب " السجينة " لمليكة اوفقير ابنة وزير الداخلية / الدفاع المغربي الاسبق، المتهم بمحاولة الانقلاب على الملك الحسن الثاني،دخلت هي و امها و اخوانها السجن بجريرة والدها . كانت آنذاك مراهقة ولم تخرج من السجن الا حين ابيًض شعرها حتى يقال ان السلطة المغربية نسيتهم في السجن.كتاب اكتسب شهرة عالمية وصفت فيه احوالها وعائلتها في السجن الصحراوي على الحدود السنغالية وكم الاذى الجسدي والنفسي والمعنوي الذي تعرضوا له من الجلادين وظروف السجن.مقارنة كتاب "السجينة" بكتاب "معذبو الارض" الذي انتشر في فرنسا،وقدم له حينذاك الفيلسوف الفرنسي سارتر،لمؤلفه الدكتور الثائر فرانز فانون الذي شارك في حرب تحرير الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي،تكتشف ان الجلاد واحد وان اختلف الزمان والمكان سواء كان عربياً ام فرنسياً ام صهيونياً.كلهم وحوش آدمية لكنهم في المحصلة يقعون في شر اعمالهم من امراض نفسية وجسدية.

الجلاد العراقي يشتكي من انه لا ياكل،لا ينام. ويعاني من هزال،ويقظة ضمير متأخره مرفوقة باحساس قاتل بالذنب. كذلك هو الجلاد الفرنسي كما يصفه الدكتور "فانون" دكتور الامراض العقلية حيث يقول : وصل الى عيادتي بمدينة " بليدة " في الجزائر محقق فرنسي اشرف على تعذيب الثوار الجزائريين. تتلخص مشكلته انه مفرط في التدخين،فاقد للشهية،عصبي المزاج،نومه جله كوابيس مزعجة. اكثر ما يضايق ـ حضرته ـ انه لا يحب ان يرى احداً يعترضه او يعارضه.عند شعوره بادني معارضة في الشارع،في العمل،في البيت يتحفز للضرب والشتم ورغبة في لطم المعترض.اعترف بضرب اولاده بقسوة حتى الصغير لم يسلم من ركلاته، وحين اعترضت الزوجة على افعاله انهال عليها ضرباً وقيدها بكرسي وقال لها : "ساعلمك من السيد في البيت". بعد إعترافاته السادية انهار باكياً مستجدياً: دكتور ارجوك ان تشفيني... اكاد ان اجن.

جلاد قبيح يستبيح المحرمات،يخترق الخطوط الانسانية كلها لارضاء اسياده الكبار ومباركتهم على افعاله المنحطة. ومحقق عفن يجن جنونه إن إعترضة احد .هنا مربط الحمار لا الفرس،و هنا ايضاً يبزغ السؤال الفيصل.هل تستغني الدول العربية اللا شرعية عن جلاديها،وهل تقبل بمعارضة وطنية ومجالس نيابية نزيهة،وتداول للسلطة،وشفافية في ممارسة الحكم...لا تتمتموا بالجواب بخوف او وجل بل اطلقوها صارخة في العلن.....انها اللا الكبيرة،فالجلاد هو العمود الفقري في منظومة الحكم العربي لاذلال الناس وليس الدفاع عن حقوقهم او حمايتهم.
مدونة بسام الياسين



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات