مدارس لم ينجح منها أحد وحاطبو الليل!!


جميل أن تعترف وزارة التربية بعدد المدارس التي لم ينجح منها أحد، والأجمل أن تُجرى دراسات ميدانية موضوعية للبحث عن الأسباب، ووضع خطط عملية لتجاوز المشكلة والتقليل من آثارها ما أمكن.

ولكن المؤسف في الأمر أن يتنطع كثير من الكتاب والمسؤولين لتحميل المعلمين المسؤولية، دون النظر إلى بقية الأسباب والعوامل والمؤثرات، وكأن المعلم يحمل عصا سحرية لصنع المعجزات، أو هو صاحب كرامات لتغيير واقع من سابع المستحيلات!

كل بعيد عن الميدان التربوي، لا يستطيع أن يشخص المشكلة أو الحديث عن أسبابها، وإن فعل فسيكون كحاطب ليل، لا يدري ما يفعل، بعيداً عن الموضوعية والمهنية والإنصاف، وسيظلم مظلوماً، ويُبرئ ظالماً لا محالة!!

اقرأوا شهادة شاهد من أهلها: فقد أكد الدكتور محمد أبو غزله مدير إدارة التخطيط التربوي في وزارة التربية والتعليم "أن عدد الطلبة في المدارس التي لم ينجح فيها أحد للعام الحالي بلغ 1137 طالبا وطالبة، بما نسبته 5ر1 بالمائة من عدد الطلبة المتقدمين للامتحان"، وهي نسبة ضئيلة جداً، ولا يجوز أن نعتبرها كارثة تربوية، ويجب التعامل معها بقدرها وحدودها دون تهويل أو تضليل!!

"عرض الدكتور ابو غزله لخصائص المدارس التي لم ينجح فيها احد ومن ابرزها قلة عدد الطلبة في معظم هذه المدارس التي تم استحداثها تحت ضغوط مجتمعية في احياء صغيرة ويتراوح عدد الطلبة فيها ما بين 4-50 طالبا، وضعف التأسيس لدى طلبتها، ونقص الكوادر التعليمية المتخصصة فيها، واللجوء إلى معلمي التعليم الإضافي الذين يفتقرون إلى الخبرات المطلوبة وعدم الاستقرار الوظيفي للمعلمين في هذه المدارس والتسرب المدرسي لدى طلبتها بسبب ارتحالهم مع ذويهم.

كما أشار الى أسباب رسوب الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة التي لم ينجح فيها أحد في الثانوية العامة والمتمثلة في ضعف الكفايات الأكاديمية التخصصية لدى معلميها وطبيعة الأسئلة من حيث إلغاء أسئلة الاختيار من متعدد وضعف التأسيس لدى طلبتها وقلة الوعي وعدم الاهتمام واللامبالاة لديهم في الحصة الصفية وبالامتحانات المدرسية وقلة اهتمام بعض أولياء أمور الطلبة ومتابعتهم لأبنائهم في هذه المدارس.

وعزا الدكتور ابو غزلة اسباب الرسوب ايضا الى أسس الإكمال والرسوب ونسب الغياب في تلك المدارس، والترفيع التلقائي للطلبة ورغبة الطلبة وأولياء أمورهم في الحصول على الثانوية العامة بنتيجة راسب للالتحاق ببعض الوظائف، بالاضافة الى غياب العديد من الطلبة عن التقدم للامتحان وقلة الدافعية والرغبة لديهم بالتعلم وانعدام التنافسية بينهم، وضعف الاعتماد على الكتاب المدرسي."

إن ما ذكره الدكتور أبو غزله تشخيص موضوعي للمشكلة، وتوضيح للأسباب، وكما يُلاحظ فإن ما يتعلق منها بالمعلم محدود جداً، وبنسبة لا تذكر قياساً إلى الأسباب الأخرى.

وهناك أسباب بالإضافة إلى ما ذكره الدكتور أبو غزلة منها:

- الضعف التراكمي عند الطلبة، فضعف القراءة والكتابة عند الطلبة منذ الصغر، يرافق الطالب حتى النهاية، وينعكس سلباً على جميع المواد الدراسية، وبالتالي لا يتحمل معلمه في الثانوية العامة مسؤولية هذا الضعف المزمن، الناتج حتماً عن الترفيع التلقائي ونسب الترسيب المحدودة.

- معظم هؤلاء الطلبة من الفرع الأدبي، ومن مدارس الذكور، وهؤلاء أضعف الطلبة تحصيلاً، باتفاق معظم التربويين، والاصل في هؤلاء أن لا يتقدموا للامتحان ابتداءً، ولكن كثير من المعلمين يفضلون أن يتركوهم ليجربوا حظهم. فلم يتحمل المعلمون مسؤولية هؤلاء؟؟

- نسبة كبيرة من هؤلاء الطلبة تم تحويلهم للفرع الأدبي من المراكز المهنية أو المدارس المهنية، بسبب الوساطات، أو لعدم وجود مراكز أو مدارس مهنية في مناطقهم، ويشكل هؤلاء عبئاً كبيراً على المعلمين، لعدم قدرتهم على متابعة المعلمين، لمحدودية قدراتهم، أي أن هؤلاء الطلبة هم راسبون مسبقاً، لأن معدلاتهم التصنيفية في الصف العاشر لم تتجاوز ال50، وبعضهم دون ال40. فما ذنب المعلم إن رسب هؤلاء؟؟

- صدمة الطلبة بامتحان اللغة الإنجليزية كأول امتحان، مما أحبط كثيراً منهم، وأدى إلى تغيب وانسحاب عدد منهم. فهل يتحمل المعلم مسؤولية غياب أو انسحاب الطلبة؟؟

- الخلل في الكتب المدرسية، والحشو الذي تعاني منه، وبعدها عن الحاجات الحقيقية للطلبة، وعدم اهتمامها بالمهارات الحياتية الضرورية، مما يُحدث فجوة عميقة بين الطالب والكتاب المدرسي. فهل يملك المعلم صلاحية التغيير؟؟

- المرحلة الثانوية غير إلزامية، ويفترض أن يتحمل طلبتها مسؤولية تعلمهم، فدور المعلم في هذه المرحلة محدود، ومهما بذل المعلم من جهد دون مستقبل جيد وواع فلا طائل منه، فأنت تستطيع أن تجلب الحصان إلى النهر، ولكن لا تستطيع أن تجبره على الشرب!!

- الحد من عملية الغش، وضبط تسرب الأسئلة أدى إلى الكشف عن المستوى الحقيقي لكثير من الطلبة. وهذه إيجابية تُحسب لا سبة يحاسب عليها المعلم.

- كثير من القيادات التربوية بمختلف مستوياتها لا تستطيع تحمل المسؤولية، ولا تحمل فكراً تربوياً أو بعداً رسالياً، أو خبرة تربوية حقيقية، وجل همها منصب كاذب، وجاه مصطنع، وسلطة وهمية، ورغبة في الوصول على أكتاف الغير؛ تزلفاً للمسؤولين.

- المشاريع والمبادرات والبرامج التربوية المختلفة والمتضاربة أحياناً، التي ابتعدت عن المشكلات الحقيقية، وركزت على القشور والشكليات، وحولت الميدان إلى حقل تجارب فأشغلت المعلمين والمديرين والمشرفين وشتت جهودهم وعطلت برامجهم.

- عدم قيام الوزارة بمسؤولياتها، من إعداد الخطط العلاجية، والإجراءات اللازمة لهذه المدارس، وإعلان حالة الطوارئ التربوية فيها، تاركة الأمر على الغارب، منتظرة من كل معلم أن يجترح حلولاً سحرية دون أن تمده بما يلزم.

وهناك أسباب أخرى بالتأكيد، تحتاج إلى دراسات وأبحاث تربوية ميدانية للوصول إلى لب المشكلة، والبحث عن سبل العلاج، وهي ممكنة وسهلة إن توفرت النية والرغبة الصادقة للمسؤولين.
والخطوة الأهم تكمن في غربلة الطلبة، وعدم السماح لغير المؤهلين فعلياً للتقدم للامتحان، بعيداً عن العواطف، والتخوف من الظلم، أو الخضوع للضغوط الاجتماعية. وإلغاء المدارس الوهمية أو على الأقل الصفوف الميكروسكوبية.

وأخيراً، فليكف البعض أن يهرف بما لا يعرف، ولا يتباكى على طلبة لا يجدر بهم أن يتقدموا للامتحان ابتداءً، ولا يجعلوا من الحبة قبة. وبدلاً من دب الصوت وتجييش المجتمع على المعلم، فليحثوا أهل الخبرة والاختصاص أن ينهضوا بمسؤولياتهم للبحث والدراسة، وليمسكوا بتلابيب المسؤوليبن وليقولوا لهم: اتقوا الله في وطن استأمنكم فخنتموه، ومسؤولية ما رعيتموها حق رعايتها، وجيل أسلمتوه للتيه والضياع!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات