مقاربة نصية في الميثولوجيا الإغريقية بعنوان " كعب أخيل (اخيليوس)"


في الأسطورة الإغريقية, ثمّة ثيمة تقفز إلى المِخيال الأدبيّ متوكئة على أكتاف المقاربة النصية للأسطورة لتفسير ووصف ما يجابه المرء في حياته اليومية أحيانا.

عودة إلى موضوع الأسطورة بشيء من العجلة - غير المفضية للندامة - حيث تخبرنا الحكاية أن أخيل كان فارسا مقداما قويا عصيّا على النوال من ضربات الأعداء, وهذا – لعمري - هو حال وطني, فلعله في طهره وعفّته كجسد أُخيّل الذي أكسبته أمه الطهارة والمنعة لحظة عمّدَته (غطّسته) في الماء المقدّس كتعويذة وحصانة له ضد السحر والسحرة, صار(عُمّادُه) حِصنا ودرعا ضد الأنواء والخطوب ساعة مقارعته الأعداء المتربصين.

ها هو وطني بوحدته الجامعة المانعة, أخيليّ في عزمه وقوته, في رقيته وتحويته ضد كيد الحاسدين, لكنْ, وفي اللا كن كما يقول اللغويّون استدراك لشيء ربما يفوت المرء رغما عنه, أقول لكنْ ضعفه كان قد انحسر في كعب قدمه الذي لم يصله ماء النهر المقدس حين حجبته أمه بقبضتها من حيث لا تقصد وهي (تغمسه) بالمقلوب في جوف الماء ثم تخرجه مكررة ذلك مرات ومرات, صار كعب قدمه نقطة ضعفه وقد صار من بعدُ مقتله إذ الكمال لله الواحد القهار.

خاض أخيل "اخيليوس" المعارك الدامية فنجا منها, قارع الخطوب والأعداء العلنيين والمتخندقين المستوفزين, أطاح بالفرسان والغزاة, لكن ضعفه المتوطن فيه كان له بالمرصاد , رشقته السهام من كل حدب وصوب, ظل صامدا إلا من ذلك السهم الذي أصاب كعبه فسقط قتيلا.

في الحكاية مغزى يشفّ عن عِبرة وملمح يفضيان إلى أننا في وطن أخيليّ الحظ والطالع, أخيليّ في قوة قيادته ومنعتها, أخيلي في حصانته وقداسته وبنيان أهله المرصوص شمالا جنوبا شرقا غربا حاضرة أو بادية مخيما, لكنه وللأسف بقي أيضا أخيليّ القدر في مكمن ضعفه وهو اعتراف لا مناص من الإفصاح عنه, فالوطن قد يتجرع الم الطعن من شقاوة ثلة من منسوبيه وهم يجوسون بين الديار, فئة لم يستطب عديدها التعمد في عين راحوب والجادور وعين سارة ولحظة وعين النبي موسى ففاتهم الفأل الطيب وتسربلوا بأدران الشقاوة, ها هم يغمضون عيونهم تنكرا لخير الوطن (كالقطط الجشعة السائبة المتعبة من فرط موائها تغمض أجفانها حين تلتهم ما يُلقى لها من فتات اللحم لتُقسم أغلظ الإيمان أنها ما رأت محسنا ولا أكلت من يمينه شيئا), ينكرون كل جميل وهم يتجاهلون بسخطهم ولمزهم الممجوج فيؤلبون عليه كل حاسد وحاقد, كل ذلك لأنهم قلة قليلة ممن يمثلون تماما نقطة الضعف في جسد الفارس الصنديد, ومن قِبلهم يُخشى على الجسد الطاهر والحصن المحصن من سهم مسموم ينبغي التحوّط له, والحكمة تقول: من استبصر العاقبة أمِن الندامة, يا رعاكم الله.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات