الأردنيون في الخارج ليسوا بحاجة إلى مؤتمرات


الذي استمع إلى كلمة وزير الخارجية وشؤون المغتربين ناصر جودة في افتتاح "مؤتمر الأردنيين في الخارج" الذي عقد مؤخراً في البحر الميت لا شك لاحظ البلاغة التي اتسمت بها المقدمة المطولة لخطابه والتي رحب خلالها بجلالة الملك وشكره فيها على رعايته للمؤتمر، فالمقدمة كتبت بعناية فائقة ومستوى رفيع يـُظهر أن من كتبها له هو أحد أولئك الذين نشأوا على بديع الزمان ومقاماته، وقس بن ساعدة وخـُطبه، وتشربوا "محاسن" الجاحظ و "أضداده" و "إيقاع" الفراهيدي و "شواهده"، وهو أمر جميل إلا أنه غير معهود في كلمات جودة الذي طغت كلمته هذه على اللغة الرفيعة التي عادة ما تتسم بها خـُطب رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور.

يقال أنه بعدما خطف باسم عوض الله الأضواء خلال مشاركته في الجلسة الرئيسية لمنتدى دافوس الأخير في البحر الميت، شعر ناصر جودة بالغيرة من الإعجاب الكبير الذي ناله عوض الله خلال تلك الجلسة حتى بات حديث المنتدى كله، الأمر الذي دفع جودة – بحسب مصادر في الخارجية – للتفكير بعمل مشابه يسلط عليه الأضواء كما حدث مع عوض الله.

ومما يدعم هذه الكلام أن فكرة المؤتمر لم تكن موجودة قبل الدورة الأخيرة لدافوس (على الأقل لم يسمع أحد بها)، إذ تم الإعلان أواسط حزيران الماضي عن مؤتمر للأردنيين في الخارج سيعقد نهاية تموز، وهي مدة غير كافية للتحضير له، وهو الأمر الذي أثبته سوء التنظيم الذي شهده المؤتمر، فالصحفيون على سبيل المثال لا الحصر، تمت دعوة الراغبين منهم بتغطية فعاليات المؤتمر قبل موعد انعقاده بأسبوع، ثم طـُلب منهم تأكيد حضورهم عبر الموقع الالكتروني لغاية تجهيز بطاقات الدخول ليلة افتتاح المؤتمر ليجد الصحفيون أنفسهم في اليوم التالي ضمن طابور طويل مع المشاركين وبعض المتحدثين ينتظرون طباعة بطاقة الدخول التي لم تكن جاهزة، حيث عمت الفوضى ركن التسجيل لنحو ثلاث ساعات استغرقها تجهيز البطاقات، بل إن المؤتمر افتتح ولم يكن بعض المشاركين قد حصل على بطاقته بعد، إما بسبب تعطل الطابعة أو لأن بياناته غير موجودة على نظام التسجيل الإلكتروني، عدا عن أن بعض المشاركين طـُلب منهم ان يكونوا متحدثين في المؤتمر قبل انعقاده بيومين فقط، ناهيك عن الارباك الذي شهدته قاعة الطعام التي لم تتسمع لجميع المشاركين الذين اضطر بعضهم للانتظار جولة ثانية لحين فراغ بعض الطاولات.

الملاحظات التنظيمية في "مؤتمر الأردنيين في الخارج" كثيرة وتحتاج وحدها مقالة مطولة، وقد لا يبدو الأمر مفهوماً حين تكون الجهة المنظمة هي وزارة الخارجية حتى مع قصر فترة الإعداد، لكنك حين تعرف أن مهمة التنظيم أوكلت إلى شركة ليست لديها الخبرة في تنظيم مؤتمرات بهذا الحجم يصبح الأمر مفهوماً، ولعل أبرز الملاحظات – والتي لا تتحمل هذه الشركة مسؤوليتها – التنويه الذي كان موجوداً على الموقع الالكتروني بأن البرنامج قابل للتعديل وهو ما حدث فعلاً، فالجلسة العامة الثانية تغير المتحدثون فيها لصبح بدلاً منهم كلاً من السيد عمرو موسى (الذي تساءل معظم الحاضرين عن علاقته بمؤتمر للأردنيين في الخارج) والسيد ناصر جودة وزير الخارجية الذي كان أيضاً متحدثاً في الجلسة العامة الأولى، فإذا ما أضفنا إلى كونه متحدثاً في الجلستين العامتين الأولى والثانية كلمته التي افتتح بها المؤتمر ستكون المحصلة أن السيد ناصر جودة كان المتحدث الرئيسي طوال اليوم الأول من المؤتمر (اليوم الأول في كل المؤتمرات هو الذي يشهد زخماً في الحضور) وهو ما يعزز الفرضية التي تتحدث عن غايات شخصية وراء تنظيمه.

وإذا ما تركنا النوايا والشكليات وتحدثنا في المحتوى والمضمون، فإن أول ما لفت الانتباه هو الفيديو الذي تم عرضه خلال الافتتاح، والذي كان عبارة عن فيلم فارغ المحتوى، فباستثناء موضوع انقاذ السفير العيطان – والذي لم يكن جهداً خالصاُ للخارجية – لم يتضمن الفيديو أي إنجازات للوزارة، ولا أفكاراً أو مشاريع لخدمة الأردنيين في الخارج وتحسين أوضاعهم، ولم يذكر أيضاً أي إنجازات حققها المغتربون الأردنيون في بلاد الاغتراب وهي كثيرة جداً، بل اقتصر الفيديو على كلمات تعبر عن حنين أولئك المغتربين لوطنهم وشوقهم له.!

الأمر الأهم فيما يتعلق بالمضمون هو أن المؤتمر تحدث في كل شيء إلا في شؤون الأردنيين في الخارج، فحديث الاقتصاد كان حاضراً، وحديث السياسة ومناكفاتها كان طاغياً، وحدهم الأردنيون في الخارج وأحوالهم خارج معادلة المؤتمر الذي يفترض أنه عقد من أجلهم، فأحوالهم والمعاناة التي يجدونها في بلدان الاغتراب كانت مجرد أحاديث في الأروقة ولم تجد إلى منصات المؤتمر سبيلاً، لأن لا مصلحة للوزير ولا لسفرائه في أن ينقل الإعلام أوضاعاً مزرية يعيشونها في الخارج في ظل سفارات قد تقضي فترة اغترابك كاملة وأنت تحاول الاتصال بها دون أن يجيبك أحد فيها.
الأردنيون في الخارج ليسوا بحاجة إلى مؤتمر يا معالي الوزير.. الأردنيون في الخارج بحاجة إلى سفراء ينزلون من أبراجهم العاجية ليتفقدوا أحوال أبناء وطنهم، قدوتهم في ذلك جلالة الملك عبدالله الثاني الذي يفرد من وقته مساحة للشعب يسمع من أفواههم ما يعانون ويطلبون.



تعليقات القراء

الى طارق الحايك من مغترب
صح لسانك ايها النشمي لقد كتب قلمك باسمنا جميعا سلمت يمناك
03-08-2015 10:12 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات