جراسا -

كتب محمد خالد حسين - في خضم ما تشهده الشاشة الفضية من تدفق بذيء لروايات وقصص تدعو للتقيؤ من شدة مقتها واستخفافها بعقول الجمهور الذي أصبح إرضائه يصعب يوما تلو الآخر، وانطلاء الحيل عليه أصبح أكثر تعقيدا في ظل عالم مفتوح وتكنولوجيا اصبحت تضع المعلومة بين يدي المتلقي في كبسة زر.



في خضم هذا الكم الكبير من المسلسلات والدراما الرخيصة التي تعرض خلال شهر رمضان أصبحت متابعة التلفزيون والبحث عن عمل فني مفيد على كل المستويات كالبحث عن إبرة في كومة قش.

من دراسة نظريات الإعلام أتذكر مقولة لا زالت راسخة في ذهني حول استغفال الجمهور تقول "الإعلامي او المرسل الذي يظن أن الجمهور غبي ،،، فهو قد أصدر شهادة الغباء لنفسه".

لو بدأنا بالحديث عن المسلسلات الدرامية التي تعرض خلال هذا الشهر لوجدنا ان الغالبية العظمى منها توجهت نحو سوق اللحوم البيضاء بعرض أجساد حسناوات تحسنوا بفعل عمليات التجميل من خلال قصص تفتقد للحبكة والمرجعية التاريخية كحارة اليهود والف ليلة وليلة وجواري بوخارست والعراب والعهد وغيرها من تلك المسلسلات.



لم نجد هذا العام اي عمل حقيقي ينقل هموم المواطن العربي او مشاكله اليومية التي تملئها الدماء والسواد يغلف مستقبلها الذي يشتد قتومه يوما تلو الاخر.



لم نجد ايضا عملا يعترف بالتاريخ الطويل لهذه الامة او يهدف الى تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية السامية في حياة العرب والمسلمين.



ظلت الاعمال ترواح في مكانها بين العري وقصص الغرام التي من شانها ان تنشر الرذائل والخيانة وتعكر صفو اي اسرة تحاول ان تنعم بالجزء اليسير من الاستقرار.

الاعمال الدرامية الحقيقة التي كانت تحمل رسالة تنفض الغبار عن الواقع وتحاكي معاناة الانسان وتعكس روحه على الشاشة غابت غيابا تاما عن ابرز الفضائيات والقنوات التي يديرها متنفذون في عالمنا العربي.



كما ان الاعمال التاريخية او الدينية او حتى تلك التي تدرج تحت مسمى الفنتازيا وتحمل في طياتها معاني الرجولة والنخوة والحض على الفضيلة والاخلاق السامية غابت غيابا تاما وان انتج عمل او عملين فلم تكن بذلك التأثير ولا الحبكة ولا حتى المضمون الحقيقي من حيث القصة والشخوص حيث قام بتجسيد الشخصيات فيها ممثلون من الدرجة الثالثة ليضعف العمل بشكل أكبر.

غابت الفوازير او المسابقات التي تحمل المعلومة والمعرفة وغاب ايضا دور وسائل الاعلام في التثقيف والاخبار عما كان واستبدلت برامج الترفيه التي كانت تحمل مضامين من العيار الثقيل كبرنامج المسابقات سين جيم وكيف واخواتها وبنك المعلومات وفكر واربح وغيرها من برامج رجال الاعلام الحقيقيين ببرامج الخداع والتزييف كرامز وهاني رمزي التي اعادتني الى ايام الثمانينيات حيث كان ابائنا واجدادنا يتسمرون كل يوم ثلاثاء او اربعاء امام التلفاز ليتابعوا المصارعة الحرة التي تبين لاحقا انها مسلسلات درامية تنتج في إستديوهات ولا تمت للحقيقة باي صلة وكان اي خبير بالرياضة يكتشف تلك الحيل المستخدمة في الحلبات.



اليوم اجد جدلا كبيرا وتساؤلات عدة حول ان كانت مقالب هاني رمزي او رامز جلال او غيرها حقيقية ام لا ام هل هي متفق عليها مع المشاركين فيها ام لا تساءلتم وانا تساءلت معكم هل هي فعلا حقيقية ؟؟؟؟



من خلال عملي في الاعلام ومن مشاهدة الحلقات لبرنامج رامز مثلا اكاد اجزم ان لقطات الطائرة غير حقيقية وان الطائرة لا تطير ولا تتأرجح اصلا وانما صمم البرنامج في استديو داخلي وتم تركيب لقطات الطائرة في الجو لتتخلل لقطات الخوف والهلع خلال حركة الطائرة البهلوانية التي يمكن ان يصنعها اي مصور مبتدئ مع كومبارس التمثيل من خلال هز الكاميرا وتمايل الكومبارس.



للإجابة على السؤال يمكن لأي مدقق بمثل هذه البرامج ان يعرف مدى غباء منتجيها الذين صرفوا عليها مبالغ طائلة لا اريد ان اقول انها لو صرفت على الفقراء لكان خير ولكنني اقول لو انها صرفت على برنامج اكثر اقناعا وحقيقية لكان خير لمن انفقها.



في ختام الكلام ادعو المشاهد للتدقيق والتمحيص بكل ما يراه فكل ما ترونه هو ليس الحقيقة.....