الأردن يجمد استيراد الغاز من "اسرائيل"


جراسا -

أكدت مصادر أردنية أن المفاوضات بين شركة الكهرباء و"نوبل إنيرجي" الأميركية بشأن توريد الغاز الإسرائيلي للأردن متوقفة حالياً بين الجانبين.

وبحسب متابعين للملف، فقد تأثرت المفاوضات بين الشركتين بعدة عوامل، أهمها الضغوط التي تمارس على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإلغاء حصرية مناطق غاز في إسرائيل الممنوحة لشركة نوبل انيرجي، وكذلك الاحتجاجات داخل الأردن التي أعقبت توقيع مذكرة تفاهم لشراء الغاز الإسرائيلي.

وقال رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب، النائب جمال قموه، قوله: "إن المعلومات المتوفرة لديه تؤكد توقف المفاوضات بين شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة وشركة نوبل انيرجي الأميركية بشأن استيراد الغاز الإسرائيلي، وانه لم يحدث تطور على صعيد رسالة النوايا الموقعة بين الشركتين منذ العام الماضي".

وأكد قموة انه لا داع اطلاقاً لشراء الغاز من إسرائيل، خصوصا مع زاول الأسباب التي كانت تتذرع الحكومة بها لتأمين الغاز لتوليد الكهرباء وخاصة بعد الانتهاء من بناء ميناء الغاز في ميناء العقبة والذي بدأت عمليات التشغيل التجريبي له الأسبوع الماضي وسيزود شركة الكهرباء بالغاز اعتباراً من الشهر الجاري.

وأضاف أن استيراد الغاز من خلال البواخر وتشغيل ميناء الغاز سيعمل على حل جانب كبير من مشكلة الطاقة في الأردن من خلال توليد الكهرباء باستخدام الغاز وبكلف أقل من استخدام الوقود الثقيل.

وأشار إلى أن هناك انخفاضاً حاداً في ثورة الطاقة السنوية للأردن التي تبلغ حاليا حوالي 6.5 مليارات دولار.

من جانبه، قال مدير عام شركة الكهرباء الوطنية الحكومية عبد الفتاح الدرادكة إن خسائر الشركة التراكمية بلغت حوالي 6.76 مليار دولار. وتوقع ان ترتفع بمقدار 846 مليون دولار العام الحالي، مع الأخذ بعين الاعتبار انخفاض كلف توليد الكهرباء باستخدام الغاز الذي سيضخ للشركة من ميناء العقبة بواسطة خط الغاز العربي.

وقدّر أن تنخفض كلف توليد الكهرباء بنسبة 30% مع بدء تشغيل ميناء الغاز الطبيعي.

وفضل الدرادكة عدم الإجابة على استفسار حول مصير المفاوضات المتعلقة بشراء الشركة الحكومية الغاز من إسرائيل تاركاً الأمر للجهات الحكومية الأخرى.

وعن الغاز المصري، قال المدير العام لشركة الكهرباء الوطنية "هناك كميات محدودة ومتذبذبة كانت تصل إلى الأردن لكن بعد التفجير الأخير للخط الناقل لم يعد ثمة توريد أي كميات للشركة".

وكانت مصر تمد الأردن بنحو 250 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميا استخدمت في إنتاج نحو 80 % من الكهرباء المولدة في البلاد. لكن ومنذ عام 2009 عانى الأردن من انقطاعات الغاز المصري وتذبذب الكميات التي كانت تصل أحيانا.

يشار إلى أن الأردن وقع في سبتمبر/أيلول من العام الماضي خطاب نوايا مع شركة "نوبل إنيرجي" برعاية أميركية لبحث إمكانية تزويد محطات توليد الكهرباء من الغاز الإسرائيلي المكتشف في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط.

وقالت شركة الكهرباء الحكومية في وقت سابق ان خطاب النوايا غير ملزمة لها. وتتضمن الرسالة تزويد الأردن بالغاز من حقل لوثيان الإسرائيلي لمدة 15 عاماً وبقيمة 15 مليار دولار.

وأثارت مفاوضات شراء الغاز الإسرائيلي قد أثارت مظاهرات جماهيرية وجدلاً شديداً داخل البرلمان الأردني وطرحت العديد من الأسئلة بشأن جدواها خاصة مع إمكانية استيراد المملكة الغاز من دول أخرى منها قطر وإيران وروسيا والجزائر.

أما من الجانب الصهيوني فمباشرة بعد نهاية الحرب على غزة (يناير 2009) أعلنت شركات التنقيب عن الغاز عن اكتشاف حقل غاز ضخم على بعد 200 كيلو متر من سواحل فلسطين المحتلة، الذي أطلقت عليه اسم تمار، ومنذ ذاك الوقت توالت اكتشافات حقول الغاز، وكان أهمها حل لفيتان وهو حقل الغاز الأكبر؛ وبذلك دخلت إسرائيل الى سوق مصدري الغاز وباتت نظريًا على الأقل تمتلك احتياطات ضخمه جدًا من الغاز الطبيعي، وبدا الاقتصاد الإسرائيلي يتطلع بلهفة للاستفادة من العوائد الاقتصادية الضخمة لمورد الغاز المجاني.

بيد أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، ومرت أكثر من خمس سنوات دون ان يستفيد الاقتصاد الإسرائيلي من مخزون حقول الغاز، ويعود السبب الرئيس في تعطيل بيع وتسويق الغاز للقوانين الإسرائيلية المتعلقة بتنظيم قطاع التنقيب واستخراج النفط والغاز، وهي قوانين سنت قديمًا عندما لم يكن يتوقع المشرعون ان يتم اكتشافات نفطية أو غازية بهذه الكميات، فجاءت القوانين غير منصفة لخزينة الدولة وعملت لصالح شركات التنقيب بهدف تشجيعها طالما ان الحكومة لن تتحمل أية مسؤولية عن خسائرها جراء استثمارها في قطاع ينطوي على مخاطر كبيرة ونتائجه غير مبشرة.

لذلك؛ وبعد ان اتضح للحكومة حجم الكنز الذي عثرت علية شركتي التنقيب (ديلك ونوبل انيرجي) سارعت الحكومة الى تغيير القوانين التي تنظم حقوق شركات التنقيب، وفرضت تشريعاتها الجديدة على شركات التنقيب بأثر رجعي، وقد راعت التشريعات بشكل أساسي تعظيم حقوق ملكية الدولة للمصادر الطبيعية، سواء كانت فوق الأرض أو تحتها، مع مراعاة هامش ربح كبير لشركات التنقيب للتعويض عن استثماراتها الكبيرة ولتشجيع شركات أخرى على التنقيب، وقد منحت القوانين الدولة دورًا كبيرًا باعتبارها صاحبة السيادة والسيطرة، دور في كل ما يتعلق بالرقابة وتحديد نسبة التصدير - بالاتفاق مع الشركات طبعًا - ونسبة السوق المحلي وسقفه السعري للوحدة الحرارية الواحدة ونسبة الضرائب، وفرضت على شركتي التنقيب تسوية أمورهما القانونية بما يتلاءم مع قوانين إسرائيل الخاصة بالمنافسة وتقييد الاحتكارات.

إلا ان احتكار (ديلك - نوبل انيرجي) رفض وقاوم وهدد باللجوء للقضاء، ودخل في مفاوضات طويلة وشاقة أسفرت قبل أسابيع عمّا يسمى بصيغة تفاهم حول أهم القضايا الخلافية، لكن المسؤول عن تقييد الاحتكارات ديفيد غيلا التابع لوزارة الاقتصاد رفض الصيغة واعتبرها تمس بحقوق المواطنين الإسرائيليين، واتهم الحكومة بالتنازل لصالح احتكار الغاز، وقدم استقالته؛ الأمر الذي خلق أزمة كبيرة جدًا للحكومة تعرف بأزمة تنظيم قطاع الغاز، وسبب حرجًا كبيرًا لحكومة نتنياهو ووضعها أمام أصعب التحديات، تحدي عدم قدرتها على الايفاء بالتزامها أمام احتكار الغاز، وتحدي فشلها في تمرير الاتفاقية داخل الكنيست، وأظهر بشكل جلي هشاشة حكومة نتنياهو الضيق.

نتنياهو، الذي أدرك حجم الأزمة التي نشأت في أعقاب استقالة غيلو، دعا الكابينت الأمني السياسي للانعقاد لمناقشة الاتفاقية التي اعتبرها ذات أهمية جيوسياسية لها تأثير على الاستقرار الأمني السياسي، ووظف اتفاق تصدير الغاز للأردن الذي أبرمته الشركة قبل أشهر لصالح تأييد الاتفاق، وقد حضر الاجتماع مسؤولون أمنيون واقتصاديون لشرح مخاطر عدم الموافقة، وقد طالب نتنياهو وزير اقتصاده درعي أن يوقع على الاتفاقية قبل تحويلها للحكومة للمصادقة عليها، وهي خطوة التفافية على استقالة غيلا، لكن درعي فاجأ نتنياهو برفضة لخطوة نتنياهو الالتفافية وطالب بتحويل صلاحية التوقيع الى الحكومة بكامل هيئتها، رغم انه أعلن موافقته على صيغة الاتفاقية، لكنه لا يريد ان يظهر أمام منظمات الضغط الاجتماعي التي تنتقد الاتفاقية وتعتبرها بيع لأسهم الجمهور لصالح احتكار الغاز بدوافع مشبوهة.

قرار نقل صلاحية التوقيع الخاصة بالمسؤول عن تقييد الاحتكارات إلى الحكومة تلزم اجراء تغيير في القانون ونيل ثقة الكنيست، وقد قرر نتنياهو اللجوء للكنيست، لكن المعضلة ان حكومته ضيقة وتستند الى 61 مقابل 59 للمعارضة، وقد أعلن ثلاثة وزراء قرارهم الامتناع عن التصويت لأسباب تتعلق بتعارض المصالح وهم (موشيه كحلون وزير المالية، ويوآف غالنت وزير البناء والإسكان، وحاييم كاتس وزير الرفاه) مما يعزز من مخاطر سقوط الاقتراح؛ مما جعل نتنياهو يتراجع في اللحظة الأخيرة.

ليس هذا فحسب؛ فقد وجه أول أمس مراقب الدولة يوسف شابيرا ضربة قاضية لوعود نتنياهو بتمرير الاتفاقية حتى نهاية تموز القادم، حيث وجه المراقب رسالة لوزير الطاقة والبنى التحتية شتاينتس، طالبه فيها بإرجاء الحسم بموضوع اتفاقية الغاز الى حين صدور تقريره عن آليات وسياسات وطرق تعاطي الدولة مع قطاع الغاز، وتقرير المراقب سيصدر تقريبًا في منتصف آب القادم؛ الأمر الذي يعني أولًا فشل نتنياهو وانكشافه أمام الجمهور وكأنه متسرع لبيع موارد الدولة، ويعني ثانيًا الانفتاح على مخاطر سياسية تحيق بحكومته الضيقة قد يكون من بين تداعياتها اضطراره الى البحث عن شركاء جدد أو اهتزاز ائتلافه بشكل يظهر حدة اللااستقرار الذي يهدد حكومته.

يذكر أن نتنياهو يواجه ضغوطًا أمريكية كبيرة فيما يتعلق باتفاقية الغاز، ضغوط من قطبي السياسة الأمريكية الديمقراطيين والجمهوريين، فقد كشف الإعلام الإسرائيلي عن تدخل كيري لصالح الاتفاقية، وقد كان عراب اتفاقية تصدير الغاز الى الأردن، وكشف مؤخرًا ان كيري يملك أسهم في شركة نوبل انيرجي بقيمة تزيد على النصف مليون دولار، وذكرت صحيفة "هآرتس" ان السفير الأمريكي في تل أبيب شابيرو اتصل ببعض أعضاء الكنيست العرب وطالبهم بالتصويت لصالح الاتفاقية بذريعة الإسراع في إيصال الغاز الى الأردن، الأمر الذي سيعزز الاستقرار، كما كشف الإعلام الإسرائيلي أيضًا عن تدخل حوت المال الأمريكي اليهودي المتطرف شيلدون ادلسون لصالح تمرير الاتفاقية، ويعتبر ادلسون من أهم الشخصيات اليمينية الأمريكية الداعمة لنتنياهو، وهو الذي يملك الصحيفة الإسرائيلية اليمينية صحيفة "إسرائيل اليوم"، وادلسون يرأس مجموعة المبادرة التجارية الأمريكية التي تعتبر شركة نوبل انيرجي أحد أعضائها.

في هذه الأثناء؛ يدور صراع قوي بين المعارضة من جهة وبين الحكومة، رغم ان المعارضة غير موحدة كليًا في مطالبها فيما يتعلق باتفاقية الغاز، حيث ان بعض أقطابها (لبيد وليبرمان) يوافقون على الإطار العام للاتفاقية، لكن لديهم تعديلات بسيطة، وهم متفقون على ألا يسهلوا على نتنياهو مهمته، ومن جهة أخرى يدور نقاش واسع بين الجمهور الإسرائيلي وثمة حراك اجتماعي أخرج، السبت الماضي، مظاهرة قدرت بثلاثة آلاف وينوون تنظيم مظاهرات احتجاجية أخرى كل يوم سبت، وقد رفعوا شعارات "لا نوافق على اتفاقيات في الظلمات وسنوقف نهب الغاز"، وكتبوا لافتة كتب عليها "الغاز ملك للمواطنين، الوزراء هم كلاب تشوفا".أعلى النموذج



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات