وتضيع الامّة بين الصحيح والضعيف


لعلّ تواكلنا على معشر من الدعاة والوعّاظ وعدم تثبِّتنا بشكلٍ شخصيٍ مما أُلقِيَ علينا من أحاديث تروى عن النبي عليه الصلاة والسلام منذ اساسيات دراستنا وحتى عُلاها ومن ملتقياتنا التعليمية متمثلة بالمؤتمرات والندوات الدينية الى تجمعاتنا التعبدية من خُطَبِ جُمَعٍ وغيرها على مرِّ السّنين والعقود قد وضعنا في مأزق عقائدي مربك لا كيفيّةٍ تَعَبُديّة أو أداءٍ سنِّيٍ وضِّح بالقول أو الفعل أو التقرير فسر نص قرآني...
مع انني لست مختصاً بالحديث عن هذا الموضوع الا انني اجد نفسي ملزما كمن سبقني و من منطلقٍ اخلاقي بعد أنْ تم جمع المعلومة من المراجع الفقهيّة المتعدّدة وبعد تفشّي ظاهرة مهمّة قد تحدث خللاً ما في مفهوم ديني ما او بُعْدٍ اجتماعي وسياسي قد يستغل هنا وهناك ...
يقول الله تعالى:" وما أوتيتم من العِلمِ الّا قليلا " في الحقيقة لا ادري ما هو حجم علم الحديث بكافة تفرعاته واختصاصاته بالمقارنة مع الكم القليل الذي أوتي البشر اذا ما وضعنا باقي علوم الارض في احدى دفيتي الميزان... ولست واثقاً أنّ البحثَ الطويلَ المُستمِّرَ من قِبَل أئمة الامة وعلمائها في التحقُّقِ من صحّة حديث قد يقودنا الى باب جديد تتحرَّرُ فيه من التخلُّف والاستعمار والذّل ما دام أنّ المرجعيّة الحقيقيّة التي حُفِظت من المُنْزِل عزَّ وجل ماثلةٌ أمام عقولنا وأعيننا ثابتةٌ الى أنْ يرث الله الأرض ومن عليها وما زلنا عاجزين عن تفسير الكثير من آياتها وأسرارها الاعجازيّة...
ومن وجهة نظري الشخصيّة وحتى نعلم أنَّنا على الجانب الآمن في الرأي المؤدي الى الصواب لا بد ان نسلك مساراً منطقيّاً نذهب فيه الى وجهة قد طُرِق يوماً بابها و تتلخّص في أمرين مهمين, الاول :عَدَمُ الأخذِ من الحديث انْ وجد تعارضاً عقائديّاً مع ما أُنْزِل في القرآن و الأمر الأخر :قابليّة تطوير ما روي عن الحديث النبوي للعمل به في وقتنا الحالي دون المساس بجوهر الحديث وقاعدته الشرعيّة.
أودُّ أنْ اقول أنّه مع توالي السنين يخرج عُلماء الامّة ليُعْلنوا بأنّ حديثاً نبويّاً مُعيّناً والذي كان صحيحاً في المناهج والكتب لاكثر من اربعة اجيال او يزيد قد ثَبُتَ ضعف نصّه أو روايته بعد ان تحقق من ذلك العلّامة فلان او غيره , او قد يحدث العكس فيصبح الضعيفُ صحيحاً ...وهذا ما يحدث صدمة عند العامة ويتركهم حائرين في جزئيّة فقهيّة حسّاسة او عملٍ تعبديٍّ نقصه او زاده ركن اخلّ بفعله. ومن امثلة الاحاديث الضعيفة أو التي لم ترد بالنّص الصحيح والمنتشرة بين الناس وعلى مستوى الوعاظ والدعاة وحسب ما قرأته في مواقع رسمية كاسلام ويب , وموقع الرئاسة العامة للبحوث العلميّة والافتاء في المملكة العربية السعوديّة, وموقع الاسلام سؤال وجواب وغيرهما نذكر منها لا للحصر : ""صوموا تصحّوا" , " رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار", "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له" "إياكم وخضراءُ الدِّمن فقيل: ما خضراء الدِّمن؟ قال المرأةُ الحسناء في المنبت السوء" ,"الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة", "من نام بعد العصر، فاختُلس عقله، فلا يلومنَّ إلا نفسه" , "اختلاف أمتي رحمة" , "إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان، فأتوها ولو حبوًا فإن فيها خليفة الله المهدي" , "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" , "من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا" , "الأقربون أولى بالمعروف" , "ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد", "المؤمن كيِّس فطِن حذر" , "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليلة تطوعًا... إلخ" , "لا تجعلوا آخر طعامكم ماءً" ,"من أفطر يومًا من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر كله، وإن صامه" , " حديث الأذان والإقامة في أذن المولود" ,"لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان يقولون: طلع البدر علينا.. وجب الشكر علينا ...الخ" " حديث انتم شرقي النّهر وهم غربيه ( في قتال اليهود). ومن هنا نقول انه قد لا تتعارض العديد من الاحاديث الضعيفة مع المنطق والعلم الا انها في جميع جوانبها لا يصح بأي حال أنْ تنقل و تنسب روايتها الى النبي عليه الصلاة والسلام ...
يقودنا المسار الاوّل الذي يتحدّث عن أمرٍ مهمٍ وهو عدم تلاقي الحديث المروي مع القرآن الكريم , فحديث شرقي النهر وغربيه في قتال اليهود على سبيل المثال وهو حديث قد ثبت ضعفه قد أربك العوام بين جهادٍ بفرض عين وجهاد بكفاية وحديث رمى العامة عقودا طويلة الى التواكل بعد أنْ تمّ حسم الامر فيه دينيا على اساس انّ اليهود مهما فعلنا سيبقوا ثابتين غربي النهر , وهذا ليس خللاً في الدين الاسلامي لا سمح الله ولكن بالذين نقلوا الحديث واستغلوا جهل امة ليبرّروا فشلهم في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حساب الدين , ومن هنا نرى انّ التعارض بين نص الحديث والدعوة الى تحرير ما قد سلب من أرض واضحٌ للعيان, ومثالٌ اخر ايضاً يدعونا الى التفكر والتمعن قبل ان نستمتع برواية حديث على أي كان , وهذا الجانب يتعلق بصفات ولي الامر الذي تجب طاعته وهو ما وضحه الاستاذ عبدالله قاسم ذيبان في بحثه الدقيق وبيان من توجب طاعته ومن لا توجب طاعته , فلقد اجمع العلماء على وجوب طاعة ولي الامر مستدلين بالاية القرآنيّة "( ياأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) وهو ما حلله باحثنا مستعينا بالحديث وبرهن لغوياً ان الطاعة ليست مطلقة كما يدعوا البعض وانما مشروطة بشروطٍ دقيقة , وقد ذكر ان كلمة منكم جاءت للتبعيض لذا فالطاعة لها اصول بعيدة كل البعد عما هو منتشر بين الناس واقتطف هنا من البحث السطور التالية :" أي أن ولي الأمر الذي تجب طاعته يجب أن يكون متصفا بالإيمان وتتجسد فيه أخلاق الإيمان من الصدق والإخلاص والأمانة والوفاء بالعقود والعهود والحلم واللين والرحمة والرأفة بالمتولي عليهم . والنصح لهم و الحرص على تحقيق المصالح لهم وإبعاد المضار والمفاسد الدينية و الدنيوية عنهم , إقامة العدل بين الناس في الحقوق والواجبات فالقوي عند الوالي الشرعي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه والضعيف قوي حتى يؤخذ الحق له لحديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل )... وهنا نرى انّ الاحاديث التي رويت عن وجوب طاعة الوالي واجمع العلماء على صحتها جيّر تفسيرها عى اهواء البعض ليدركوا مغانم دنيوية ولم يظهروا للناس حق الاظهار كيف تكون هذه الطاعة متوائمة ومتوافقة مع الاية الكريمة...
أمّا الامر الاخر والذي تطرق له الكثيرون هذه الايام وهو أنّ ما كان ملزماً او مرشداً عملا وعبادة في عصر بداية الدعوة وفقاً للعادة والامكانية والبيئة يمكن ان يطوّر طبقاً للعادة والامكانية في عصرنا الحالي , فعلا سبيل المثال العذر الشرعي في جواز الافطار في رمضان للمسافر ,, فهناك من يسافر يومياً مستخدما الطائرة لاكثر من اربع ساعات دون ادنى مشقة او تعب , ومن يسافر ليقطع مئات الكيلومترات يوميا بسهولة ويسر ..فهل نتجاوز في هذا رقم الثمانون كيلوا متراً او الاربع الساعات لان الامكانية قد تطورت وتحسنت وسائل المواصلات فصارت ايسر واسرع من ذي قبل أم يبقى القياس على الابل والخيول, ومثال اخر طرحه احد الاصدقاء مؤخراً عن طبيعة اللباس الشرعي ومواصفاته لكلا الجنسين مع انحسار مواصفات الاولي وفقا للعادة والامكانية وأتساعها الان وتنوعها فهل الثوب يبقى هنا لباساً فخرياً ام اجبارياً اذا ما عرفنا ان العلماء تعمقوا في تفصيل مواصفات الثوب خشية التكبروخشية كشف العورة, فماذا نقول في لباس أخرفصفاض لا يمس في ظهور او شفافية و لا يعبث شكلياً وجسمانيا بعورة الرجل...نريد قياساً ضمن الشريعة ولا نريد تلقيناً يخلق ضعفاً وما بديننا ضعف...نريد لفتوى عن استخدام المال العام للاغراض الشخصيّة ان تظهر وتعمم وترقم وليس فقط قانوناً مدنياً متحايل....
قد يلزم الذنب جميع الاطراف عن التّقصير في التفقّه والتعمّق والبحث في أمور الدين ولكن ذلك لا ينفي المسؤوليّة عمن اعطيوا الوظائف والمناصب ليقوموا بهذا الواجب ,هناك العديد من الاحاديث التي سنراها قريبا تصحح او تضعف وقد تكون الصدمة الكبرى عند سماعنا حديثٌ مؤثر يقلب الموازيين , فهل نترك الامور على رهينة الوقت ام نستمد ما قد جاء واضحا جليلاً في مرجعيتنا الرئيسيّة المحفوظة وهي القرآن ومنه نسلك مساراتنا الصحيحة...أعلم أنّ الموضوع بستحق اكثر من مجرد مقال ولكني اكتب آملاً في يضع أصحاب الاختصاص رؤيتهم وتثور دوافعهم للدعوة لنعرف ما هو اكثر وادق لننجوا من دربٍ شابه الكثير من التنازع والخلاف ونتائجه كانت مفرّقة و مضللة ومضيّعة للوقت والجهد والمال...







تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات