بيت الطين الدافئ


جراسا -

كانت جدتي تعيش في بيت من الطين , وبيوتنا القديمة بنيت جميعها من الطين , فهي باردة في الصيف , دافئة في الشتاء , جدرانها يقترب عرضها من ذراع وسقفها واضحة فيه قضبان الحديد والخشب والقصب الذي يغطى بخليط من الطين والتبن .

هذه الغرف الطينية التي تشكل سورا حول الحوش , تبنى بالتعاون , اي ان يجتمع افراد العائلة والاقارب والجيران ليبنوا غرفة لمن ينوي منهم ان يتزوج , في احد اركان الحوش , ويبنوها بخليط من الطين والتبن والماء الذي يجبل بأرجلهم جيدا , ثم يوضع في قوالب خشبية في الشمس حتى يجف , ثم يبنون الغرفة بالتعاون ايضا , ويتزوج فيها العريس دون ان يكلّفه زواجه الاّ صندوقا فيه بعض الثياب لزوجته وبعض الزينة .

وجدتي , رحمها الله و مزاجها صعب , فقد امرتني , وامرها لا يردّ , ان اشتري لها بما ادّخرته من نقود قليله مدفأة كاز , وكنّا في الشتاء و الذي كان قارسا ذاك العام , وقالت انها ملّت بابور الكاز ذي الصوت العالي , الذي يطغى في كثير من الاحيان على صوت جارها ( ابو سالم ) , الذي كان ينادي على اولاده الكثر , دون ان يتلّقى منهم ادنى استجابة , غير اني لم اتصوّر ان تغيّر جدّتي عادتها في دك البابور بيده النحاسية حتّى ينفر الكاز منه ,وبعود ثقاب تشطّه , ثم تتركه فتره , حتّى يسمع له صوت يبدأ ضعيفا ثم يعلو, فتقول جدّتي الحمد لله حمي البابور , وتضع على قاعدته العلويّة صفيحة من التنك بها ماء , تغسل به يديها اذا أصبح دافئا", وتتوضأ به اذا حلّ وقت الصلاة .

انطلقت الى السوق ابحث عن دكان يبيع مدفأة كاز بسعر مناسب , واشتريتها وعدت , ولما لم اكن اعرف كيف يتم اشعالها سالت التاجر , فاخبرني ان علّي ان ابقي الفتيلة في الكاز ليوم كامل , وهكذا فعلت , ولكن بدل ان اضع الفتيلة داخل المدفأة , وضعتها في وعاء به كاز , لذا احترقت ما ان اشعلتها بعود الثقاب , وبدلا من ان تشتعل المدفأة وتتدفأ جدتي , اشتعلت هي غضبا" علّي , وصرخت بي بانّي لا افهم شيئا" في هذه الحياة , فمسحت عرقي عن جبيني التي تعبق برائحة الكاز , وحاولت مرّة اخرى ولكن بلا فائدة , فاستقر ّ رأي جدّتي على ان اعيدها الى التاجر , وان تعود هي الى بابورها الذي عاد يهدر بصوت عال , اعلى مما مضى , وكأنه يتشفّى بي لعدم قدرتي على التعامل مع الآلات الحديثة .

د.عودة أبودرويش



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات