رواية رغبة الإنتقام .. الجزء الخامس و الأخير


توقفت راوية في مكانها، استدارت و نظرت الى ندى بعيون تملئها الشجون و الحزن، تقدمت بخطة بطيئة نحوها ثم وقفت امامها و قالت بنبرة عاتبة "استغفري ربك يا ندى، هذا شرع الله و ما هو بعكس ذلك سيغضب الله سبحانه و تعالى،"

أجابت ندة برهبة "عيونك السوداء يملئها الوعيد و الغضب يا راوية، لم اقل بأنني ضد شرع الله، الذي أقوله بأن العالم من حولنا تغير كثيرا،"

"و عيونك الخضراء حلوة أكثر من عيوني با دكتور فأنت هيفاء القوامِ و جميلة جدا ...و هذه البشرة البيضاء كثلوج كوانين النقية، و لكن منظرك بالحجاب أجمل و سترتك اثمن بكثير من تبرجك هذا..."
أمسكت راوية خصلة من شعر ندى الذهبي و قالت بنبرة جافة "هل هذا لون شعرك الحقيقي أم ضبغة اصطناعية؟ على العموم هذا الشعر لا يجب ان يظهر إلا لزوجكِ،"

"يعني لة تحجبت سأصبح مسلمة يا راوية؟ الإيمان بالقلب..."
"نحن لن نلتقي يا دكتور، أنا شاكرة لكِ على معروفكِ معي و لكن لن نلتقي أبدا...أنا من عالم و أنتِ من عالم آخر، ساقول لكِ شيئا، من لم يؤمن بشريعتنا من الصعب أن يكون منا، انت لست من ملتنا يا ندى..."
"لم انكر شريعتنا...و كأنكِ لم تفهمي كلامي...أنا لا أشرب المنكر و اصلي الصلاة في موعدها مثلي مثل اي مسلم،"
"هذا شأنك و ليس شأني!"
فجاة تصرخ راوية "إنتبهي يا ندى!!!"
أمسكت راوية ندى بصورة عفوية و استدارت بها لتصبح هي مكانها، أحست بألم كبير يخترق جسمها من الخلف ثم ضعفت كل قواها، صرخت ندى "ماذا بك يا راوية!!!" و هي تنهار على الأرض بين يديها،
فجأة نظرت ندى الى الخلف و رأت أحدهم يجري و بيده بندقية نحو مدخل المقبرة الرئيسي، و سرعان ما صعد الى سيارة و أسرعت خارج المقبرة، نظرت ندى الى راوية التي كانت ملقاة على الارض، كانت الدماء تسيل من فمها و كانت تتنهض من الوجع الكبير، قالت راوية لها بصوت ضعيف "رأيته يُصَوِبْ البندقية نحوكِ فتصرفت بما أملاه علي ضميري"
أجابت ندى "لا تتكلمي يا راوية، ساذهب الى سيارتي و أحضر حقيبتي، بإذن الله سأستأصل الرصاصة من جسمكِ،"
"دكتور...وصيتكِ أولادي...أشعر بأن ساعتي...اقتربت..."
"لا تقلقي...بإذن الله سَتُشْفي..."
كانت الدماء تسيل بسرعة من جسد راوية، و سرعان ما تلطخت ثياب ندى بها، وضعت ندى راوية على الارض و اسرعت الى سيارتها، التقطت حقيبتها الطبية منها و عادت بسرعة اليها، ركعت على الأرض و لكن وجدت راوية دون حراك، نادتها "راوية...راوية..."
لكم تجبها راوية، سالت دموعها بغزارة من عينيها، فقالت لها "لا تقلقي، رددتِ لي الجميل...أنقذت حياة زوجك و أنقذتِ حياتي الآن...لا تقلقي على أولادك، فهم بآمان معي"،
نظرت من حولها ثم فكرة في ذاتها "مازلتم تلاحقوني...ماذا تريدون مني؟ حرام عليكم الذي تفعلوه بي و بمصر"
***********************
سار سامح بممرات مستشفى القصر العيني العريق و التوتر يملئ كيانه، صرخت افكاره بقوة "ايبولا!!! و من أين أحضر هذا الرجل المرض معه، من تونس حيث مكث هنالك لشهرين قبل أن يقتل مستشار مجموعة شركات أمريكية كان وسيط لصقفة سلاح للجيش التونسي أم من نيجيريا حيث كان يبحث عن مورد للسلاح لجهة تكفيرية في سوريا؟! سار بسرعة نحو مكتب الدكتور عصمت الصاوي و الغضب يغلي بعروقه، أكمل التفكير قائلا "و بمن احتك قبل وفاته، اين ذهب منذ الأمس، أين كان يمكث طوال الساعات الماضية، هذا الفايروس معدي جدا و لكن العدوى تتم عن طريق الإفرازات الجمسية و الدموية...و لكن يبقي خطير جدا، هنالك بيانان كثيرة يجب أن تكون متوفرة عندنا عن تحركات هذا الشخص في مصر!!!"
وصل أخيرا الى مكتب الدكتور عصمت و فتح الباب بسرعة، نهض الدكتور من على مكتبه و هو يصرخ "من أنت! و كيف تقتحم مكتبي بهذا الشكل!"، كان الدكتور عصمت متقدم في السن، فكان في الخامسة و الستين من العمر و الشعر الأشيب يغطي رأسه، كانت بشرته حنطية و طويل القامة و التجاعيد تحيط بعينيه العسلية و فمه،
أجاب سامح "أنا آسف اي دكتور على هذا الدخول المفاجئ، انا سامح الشاذلي من أمن القاهرة، و هذه بطاقتي و عليها معلوماتي المهنية و أرقام هاتفي، و اريد أن أعرف بعض المعلومات عن الإصابة التي أتتكم في الصباح بفايروس الإيبولا!"
أخذ الدكتور عصمت البطاقة و قال و هو يتفحصها "تفضل سيد سامح"،
جلسا الرجلين و التوتر يخيم على المقابلة، أكمل الدكتور عصمت "هذه الاصابة أتتنا قبل خمسة ساعات في وقت الظهيرة، و إنها الإصابة الوحيدة التي سُجِلَتْ بمشفانا، كانت في ايامها الاخيرة حيث كانت علامات المرض بارزة جدا على المصاب...نزيف حاد في اللثة و طفح جلدي...مما جعلني أشك بالحالة كثيرا، فلذلك أمرت فورا بتشريح شامل للجثة حيث تبين أن الكلتين عنده و الكبد ليس بحالة صحية جيدة إطلاقا، و وجدنا الفايروس بالدم...تشخصينا الرسمي بأن الجثة كانت مصابة بالإيبولا يا باشا،"
"هذا الرجل مجرم خطر تطارده شرطة الإنتبرول منذ فترة، و مع الأسف علمنا بأنه في البلاد بعد أن اقدم على قتل واحد من الجماعات التكفيرية في القاهرة، و هذا الأخير قد أقدم على جريمة قتل ايضا منذ بضعة ايام، المشكلة بأنه كان حر طليق بالقاهرة منذ عشرين يوم حيث تبين أنه دخل القاهرة في الشهر الماضي بجواز سفر مزور، ماذا تظن يا دكتور...
فكر في ذاته الدكتور عصمت لبرهة من الزمن و قال "فترة حضانة المرض بالجسم لهذا الفايروس هي من يومين الى واحد و عشرين يوم، هنالك احتمال بأن تسجل مستشفاياتنا اللإصابات العديدة في الايام القادمة،"
"وزير الصحة على إطلاع بهذا الأمر...كان الله بعوننا..."
"عليك البدء في الحي السكني الذي يعيش به، يجب عزل هذا الحي و سكانه و يجب على الذي احتك به بصورة حثيثة عمل فحوصات الدم اللازمة"
"إنها كارثة كبرى يا دكتور، و لكنني أعلم مَنْ يستطيع مساعدتي ببعض المعلومات عنه،"
*****************
جلس سامح في سيارته أمام مشفى القصر العيني يقراء الرسالة التي أتته على هاتفه المحمول فجأة، قراء النص بصوت مرتفع "كانت كارمن محمود السيد من عشيقات الرجل الذي قتل عبدالجبار، و قد ساعدته كثيرا بالآونة الأخيرة بعمله و سَهًلَتْ له مهام كثيرة في مصر، إنها تسكن في بناية الحوريات المطلة على النيل...نفس البناية التي تسكن بها الفنانة المشهورة عبير السعدني،"
طلب الرقم الذي ارسل له الرسالة فأجابت سيدة بصوت متوتر "سلام عليكم،"
فسأل بحذر "من انتِ؟"
"و ما المهم بالموضوع من اكون، على العموم لا تتعب نفسك...قد أكون مخابرات عربية لها مصلحة بتعطيل عمل الإخوان في مصر؟ أو قد أكون راقصة من الذي نام معهم القاتل قبل أن يموت!"
"و كيف علمت أنه مات؟! من أنتِ؟! هيا انطقي!"
"قلت لك، قد اكون راقصة رخيصة من عشيقات الذي قتل عبدالجبار و قد أكون مخابرات عربية...المهم أنني أعطيتكم أول الخيط، ألم يخطر في بالك أن الإخوان أدخلوا الى البلد مصاب بفايروس المرض ليتقموا من المصريين على عزل حزبهم من الحياة السياسية في مصر في 30 من يونيو؟ و لا تتعب نفسك بالبحث عن الرقم الذي ظهر عندك...فسأحرق الجهاز من الخط بعد ثوان معدودة و اساسا الخط بإسم مُزَوَرْ...سلام يا سعادة الضابط"
أغلق الخط مع السيدة و قال في ذاته..."من انتم، ألعَلًكُمْ تراقبونني و أنا في البيت ايضا و اثناء نومي!" و يا اولاد الافاعي...أتنتقموا من مصر بهذا الاسلوب القذر...تنشرون الطواعين و الفايروسات؟"
فجاة رن هاتفه النقال، نظر الى الرقم فكان رقم الدكتورة ندى، فأجاب مرحباً "دكتور ندى، هذا أول أتصال جميل أستلمه اليوم على الإطلاق..."
أجابت باكية "و يا ليتني استطيع زف الأخبار السعيدة لك،"
اجاب بغضب "ماذا حدث ايضا، الأحداث المريبة تحيط بمقتل عبدالجابر منذ الصباح فماذا هنالك ايضا"
"قتلوا راوية...كانت الرصاصة لي و لكنها حمتني و أنا برفقتها قبل ان تقتلها الرصاصة، "
أجاب بغضب عارم "اين انت الآن...!"
"أنا في منزلي يا سامح باشا...دمائي ستتجمد من الخوف، كنا نتجادل أنا و راية في المقبرة عند قبر عبدالجبار و فجأة رأت القاتل و بيده السلاح، فصرخب من الخوف و أدارت ظهرها للرصاصة عِوَضَاً عني،"
"دكتور ندى القضية بدأت تأخذ بعدا إقليميا و الموضوع قد يكون أكبر مما تتخيلي و أكبر من نيابة القاهرة و امنها، منزلك سيكون تحت الحراسة المشددة من الآن فساعدا، قد يسعوا للإنتقام منكِ و قتلك بصورة دؤوبة...لا تتركي المنزل فأنا سآتي اليكِ، سيتصل بكِ الضابط ممدوح سالم من المخابرات المصرية بعد ساعة من الآن"
اغلق الخط مع ندى و ضرب كفا بكف من الغضب و صاح، أخِ... ماذا الذي يحدث في القاهرة، و من هي الإمرأة التي اتصلت بي لتدلني على مساعدة القاتل المحترف، "
امسك هاتفه الخلوية و طلب رقم ممدوح سالم، فأجاب مرحبا "سامح بيه، كيف حالك يا صديقي، والله منذ زمن لم نلتقي،"
"واجبك علي كبير، أنا مقصر معك كثيرا، كيف حالك يا ممدوح؟"
"انا بخير، و الحمدلله، أؤمرني يا صديقي، "
"بين يداي قضية قتل أحقق بها منذ فترة، و لكن مؤخرا بتدأت تأخذ منحى درامي و مخيف جدا، أظنني لن استطيع المُضِيْ قدماً بها حفاظا على حياتي و حياة الدكتور ندى الاسيوطي..."

"ندى الاسيوطي الإعلامية و الطبيبة المشهورة؟...هذه مُزًه حلوة جدا...أحسدك يا سامح يا شاذلي،"
"ممدوح ركز على القضية و تفصيلها"،
"منذ ايام كلية الشرطة و انت مُبْخَتْ ابن مُبْخَتْ يا سامح"،
ضحك سامح ثم أكمل "يا ممدوح، القضية حساسة فوق ما تتخيل،"
"أنا بالكتب يا سامح...تفضل"
*************************
قال بصمت و هو يشاهد الدكتورة ندى على التلفاز "الويل لكِ يا كافرة...ويلٌ لكِ يا فاجرة...ويلٌ للقاهرة منا...ويلٌ لكم على ما اقترفه الإعلام بنا قبل 30 من يونيو...ويل لكم من انتقامنا فسيكون أشرس مما تتخيلوا، ألعلنا نلعب مع المخابرات المصرية و الأمن المصري، فأنتِ أول من سننال منهم و لست الأخيرة يا ندى يا اسيوطي، لولا راوية لكنت بعداد الموتى...لا أعلم لماذا أنتِ كالقطط بسبعة ارواح فَلِمَرًتين أنقذك القدر من رصاص الموت...و لكن ستبقي على قيد الحياة الى حين...فبعدك هنالك الإعلامية منى الصعيدي و لميس ابوالذهب و غيرهم من التافهين الذين ساهموا في هدمنا،
أمسك علبة رصاص الحارق الخارق بين يديه و قال في ذاته "أحضرته خصيصا لكِ، رصاص حينما يخترق الحسد يتفجر في داخله و يمزق أوصال أعضاء جسد ضحيته...ستشعري بقمة الألم لدقيقة قبل أن تموتِ...فالينقذك سامح الشاذلي من رصاص الموت هذا،
(هذه الرواية و الشخصيات التي بها بالكامل من وحي خيال كاتبها، الجزء الثاني من سلسلة رغبة الإنتقام سيتم نشره قريبا...)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات