في رحيل سادن اللغة العربية العلامة ناصر الدين الأسد


جراسا -

وها هو علامة العصر وأستاذ الأساتيذ ناصر الدين الأسد يرحل عنا في زغوقت تكاد تكون فيه لغة الضاد أحوج ما تكون فيه إليه ، وها هي ذي صاحبة الجلالة تندبه اليوم وكل يوم ،وقد عز نظيره في زمن تشكو فيه ما ألم بها من ظلم ذوي القربى ،ومن عسف الغربة والتغريب .كيف لا وقد كان بين ظهرانينا يضمد كلومها و يؤنس وحشتها و يحفظ لها قرارها ووقارها ،كيف لا وهو من بقية السلف الصالح الذين باهت بهم وباهوا بها،فلقد صرف من عمره المديد ما يربو على سبعين حجة وهو عاكف في محرابها سادنا لها حتى غدا حجة فيها وفي آدابها وفنونها ،يقصده فيها القاصي قبل الداني ،وعزاؤنا في رحيله ما تركه من مؤلفات رصينة تحدث عنه، وفي تلامذته الطائفين في كل صقع ،رسل فكره و علمه و سيرته المثال.

عرفناه حينما كنا في ميعة الصبا ندرج في مدارج الجامعة الأردنية، التي أسسها، طلابا شادنين في الثمانينيات(وهكذا كان يريدها بحكم انها الأصوب )من القرن المنصرم ، وكان اسمه وما يزال وسيبقى مجلجلا يثير فينا الكوامن ، ويشحذ الطموح ، كنا حين نراه جائلا في دروب الجامعة وأروقتها، متفقدا احوالها ،مطمئنا عن أبنائه من طلابها تشرئب أعناقنا صوبه ،لا نحرك طرفا ،نقبس من محياه البهي، ومن طلعته الباسقة التي تفيض هيبة ووقارا،ونطرق السمع نحوصوته الجهير الذي يملأ السمع فصاحة .

والأذن بيانا،وقد كان ممن يملؤون العين والاذن، وكم كنا تترقب ندوة أو محاضرة يكون فيها محاورا أو متحدثا حتى نشنف آذاننا ببلاغة بيانه، ونجلو سمعنا بحلو الفاظه وبلاغة معانيه .تستمع إليه فتجذبك رصانة لغته ويستهويك ندى صوته الشجي، وكأنه قادم من عصر زهير وطرفة أو ابي الطيب، وقد كنا لا نحسب للوقت حسابا ونحن ننصت إليه،وكأن على رؤوسنا الطير، و لا أبالغ البتة، إذا قلت بأننا كنا نراقب الوقت لا ليمضي،وإنما ليتوقف،حرصا منا على ألا تضيع تلك اللحظات التي لم تمر إلا بعد ان بصمت بصماتها في الذاكرة .

وأخر ما أعلل النفس به هو صدى صوته الشجي العذب الذي سيبقى ماثلا في الذاكرة،وهو يلقي على طلاب الدكتوراة علمه ، في مكتبه الذي يعلو مكتبي،حيث كان لي شرف زمالته في قسم اللغة العربية في جامعتنا الاردنية ،وقد كنت أدرس طلاب الدكتوراة أيضا،فكنت أحيانا أتوقف عن الحديث لطلابي كي التقط بعضا من عباراته الآبدة كي أختزنها في الذاكرة لمثل هذا اليوم وغيره من قابل الايام، كيف لا وإذا تحدث ناصر فرض الصمت على الجميع ،بل ران عليهم،وإن أقواله وعباراته لأوابد شوارد، وتوقيعات تغني العبارة منها عن سطور، وتختصر صفحات.

رحمك الله يا أبا بشر وآجرك عن العلم وأهله، وأفسح لك في مستقر رحمته.
الأستاذ الدكتور جهاد المجالي
الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

دكتور رامي ربابعة
بارك الله بك دكتور جهاد ...وكم يصعب علينا أن نعزي أنفسنا برحيل عالم جليل يصعب أن تجدَ له نظير في هذا الزمن ... مع كل الحب لباقي الأساتذه
31-05-2015 10:35 PM
د. فيصل القعايدة
رحم الله فقيدنا .....وسلم قلمك النبيل أستاذنا
01-06-2015 09:40 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات