قانون اللامركزية الذي نريد


بدأ الحديث عن قانون للامركزية منذ سنوات عدة. و سمعنا نقاشات و حوارات كثيرة في الأوساط السياسية، كما الشعبية و الإعلامية، حول الغاية من هذا القانون و شكله المأمول و المتوقع. إلا أن أياً من الحكومات السابقة لم تقم، بحسب علمي، بتقديم مشروع رسمي لهذا القانون. و لا نعلم ما إذا كان عدم إقدام الحكومات السابقة على مثل هذه الخطوة يعود إلى خلاف حول الغاية منه، أو حول شكله، أو أنه لم يكن له حاجة أو أولوية على غيره من القوانين في زمن تلك الحكومات. إلا أن الحكومة الحالية تقدمت بهذا القانون الذي طال الحديث عنه، وهذه خطوة تحسب لها.

إن الغاية من أي تشريع، كما هو مستقر في أبجديات القانون، هو تنظيم أو معالجة مسألة أو مسائل محددة تحقق في نتيجتها الأهداف التي يصبو إليها واضعو التشريع، ضمن السياسة العامة للدولة. إذاً فما التشريع إلا مجموعة من القواعد القانونية المصاغة بصورة فنية للوصول إلى الهدف المنشود تحقيقه. و بالرغم من الجهد الكبير و العمل الحرفي و المعقد الذي يقوم به القانونيون الذين يتحملون عبىء صياغة القانون أو التشريع على إختلاف أشكاله، فنقطة البداية تبقى تحديد الهدف و الغاية من التشريع. وهنا يبدأ سؤالنا عن الهدف المنشود تحقيقه من قانون اللامركزية.

أتمنى أن تشتمل أهداف قانون اللامركزية على ما يلي:
1. تمكين المواطنين من المشاركة في صنع القرارات التي تمسهم بشكل يومي على المستوى المحلي، من خلال المجلس المنتخب والمُسائَل و المحاسب من قبلهم.

2. المساهمة في رفد كفاءة الأداء على المستوى المحلي. ذلك أنه من المتوقع و المأمول أن تكون جل المجالس المحلية المنتخبة لها دراية و قدرة كبيرة على تلمس إحتياجات مناطقهم و ناخبيهم، و معرفة الصعوبات و المعيقات التي تواجه القرارات المحلية، مما يستتبع مساعدة المجالس المنتخبة للإدارة المحلية على رسم أهداف تنموية واقعية و المساعدة على تحقيقها، كتشجيع الإستثمارات في مناطقهم وحمايتها، و المساعدة في خلق فرص عمل.

3. المساهمة في مأسسة العمل الديمقراطي وترسيخ مفاهيمه لدى الناخبين و المرشحين. ذلك أن طبيعة عمل أعضاء المجالس المنتخبة هي العمل على تحقيق أهداف تخدم المجتمعات المحلية وتساهم في تحسين ظروفهم المعيشية. و القيام بهذا الدور، يؤدي إلى إقناع ناخبيهم بإعادة إنتخابهم في الدورات القادمة لعضوية المجالس المحلية، أو حتى يكون ما حققوه من إنجاز رصيداً شعبياً يمكنهم لاحقاً من الترشح للإنتخابات النيابية. و قياساً على التجارب العالمية المشابهة، فإن هذه الممارسة تستتبع تكوين كتل محلية شبه سياسية تترشح على أساس برامج واضحة، معدة و مدروسة مسبقاً، لإنجاز أهداف محلية تنموية. و مع مرور الزمن قد يصبح الترشح للمجالس المحلية على أساس برامج واقعية طموحة، مدروسة مسبقاً وقابلة للتحقيق، جزءاً هاماً من العمل الحزبي، الأمر الذي يعزز العمل الديمقراطي على مستوى الوطن. فإن تحقق هذا، أو جزءاً منه على الأقل، سيمكّن الناخبين من محاسبة من إنتخبوهم على أساس ما تحقق من برامجهم الإنتخابية، مما سيشجع التنافس بين كتل أو أحزاب المرشحين على أساس البرامج الإنتخابية و ما يتحقق منها، الأمر الذي قد يساهم في تحقيق ما ذكرناه في النقطتين السابقتين من رفد كفاءة الأداء على المستوى المحلي، و تشجيع مشاركة المواطنين في صنع القرارات المحلية. وهذا قد يساهم بتجذير العمل الديمقراطي و ممارسته على مستوى الوطن كاملاً.

4. إفراز قيادات منتخبة وتدريبها على العمل الديمقراطي و العام. إن خلق مجالس محلية منتخبة تشارك في صنع القرارات المحلية أو رسم سياستها سيفرز مع الزمن قيادات واعية ومدربة ومجربة في العمل العام، قادرة على التصدر للعمل العام على مستوى الوطن بكفاءة و قدرة كبيرة، كما أثبتت تجارب العديد من الدول مثل بريطانيا و أمريكيا.

5. تخفيف العبىء الخدماتي عن أعضاء مجلس النواب. إن ترك جل القرارات و السياسات المحلية للمجالس المحلية المنتخبة و المعينة، قد يساهم في أخذ كم كبير من الحمل الخدماتي الذي يقوم أو يضطر للقيام به الكثير من أعضاء مجلس النواب، مما سيمنحهم المزيد من الوقت للتركيز على القضايا الوطنية في الرقابة و التشريع.

قد تكون الأهداف السابقة طموحة جداً وغير قابلة للتحقيق في وقت قصير، لكن هذا لا يمنع من السؤال عما إذا ما كانت هذه الأهداف، أو بعضها على الأقل، متحققة أو مأمولة التحقق من قانون اللامركزية المطروح من قبل الحكومة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات