لو كان الولاء للقبيلة لما حارب الرسول قريشا


من الملاحظ أنه كلما ضعفت هيبة الدولة قويت شوكة العشيرة ،وأخذت بالتمرد والعصيان ،حيث يحل الولاء للقبيلة أو العشيرة مكان الولاء للأمة والوطن ،وهذا مخالف لمفهوم الوحدة والتلاحم الوطني.

وقد استردت العلاقات العشائرية في السنوات الأخيرة قوتها وأعرافها ،وأعادت انتاج قيمها وتقاليدها ،وهذا يشكل خطرا عظيما وشرا مستطيرا على الوطن ،لأنه يولد أجيالا لا تعرف معنى الانتماء والولاء للوطن ،ومفهوم الدولة الحديثة ،وروح المواطنة.

إن الاعتزاز بالقبيلة والولاء لها دون الوطن ،يتحول إلى قَبَليَّةٍ ،وهذا يشير إلى ضعف الاندماج الاجتماعي العضوي في المجتمع مع المكونات الاجتماعية الأخرى ،وعدم قدرتها على التوحد في هوية وطنية واحدة تحقق الانسجام والأمن والاستقرار والتعايش السلمي فيما بينها، وهنا مكمن الخطر.

لقد أصبح تضامن العشيرة مع أفرادها عُرْفًا سائدا هذه الأيام ،ولو خالفوا الحق واقتفَوا أثر الضلال ،على قاعدة انصر أخاك ظالما أو مظلوما ،على ظاهر معناها ،فتقف العشيرة مع أفرادها ،فيما لو قرر القضاء توقيفهم على ذمة التحقيق ،أو وُجِّهَ لأحدِهم تهمةُ اختلاسٍ ،أو فساد مالي ،أو أخلاقي ،أو نصب واحتيال ،أو اعتداء على خلق الله ،بحجة أنَّ الرجل مظلوم ،وأنَّ هناك استهدافا له ولعشيرته ،على قاعدة أنَّ العشيرة التي لا "تهبّ" لنصرة ابنها "مقصرة"، في حماية منتسبيها ولا تنصر مظلوميها.

مع علم الجميع أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته ،وأنْ ليس كلُّ اتهام أو استدعاء للتحقيق ،هو حطٌّ من قَدْرِ صاحبِه ،أو إدانةٌ ،أو وصمٌ له بالفساد.

وقد وجدنا مَن يستقوي بالعشيرة ،فيحشدها ويثوِّرها ،ويقيم المهرجانات ،لتغليب مصلحته الشخصيَّة على مصلحة الوطن ،على قاعدة .

ومَا أنا إلا مِنْ غُزَيَّة إنْ غَوتْ = غويتُ وإنْ تَرشُدْ غُزَيّةُ أَرْشُدِ

وتكمنُ خطورة هذه الظاهرة ،بأنّها ذات نتائج خطيرة ،كونها مبنية على علاقات القوة غير المتكافئة ،وغالباً ما يُحدِثُ خللاً في نسق القيم ،واهتزازاً في الولاء للوطن ،مما يؤدي في النهاية وعلى المدى البعيد إلى خلق أشكال مشوهه من العلاقات والسلوك ،وأنماط من الشخصية المتصدعة نفسياً وعصبياً.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،لكميل بن زياد النخعي: (يا كميل إنَّ هذه القلوبَ أوعيةٌ ،فَخيرُها أوعاها للخير ،والناسُ ثلاثةٌ: فعالمٌ ربانِيّ، ومتعلمٌ على سبيل نجاة، {{وهمجٌ رعاعٌ ،أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ،ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ،أفٍ لحامل حق لا بصيرة له ،ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا يدري أين الحق ،إنْ قال أخطأ وإنْ أخطأ لم يَدْرِ، مشغوفٌ بما لا يدري حقيقتَه ،فهو فتنةٌ لمن افتتن به ،وإنّ الخيرَ كلَّه مَن عرّفَه الله دينه ،وكفى بالمرِء جهلاً أنْ لا يعرفَ دينَه)

أرجو أن لا يفهمني أحد خطأ ،أنني أدين وقْفَات التضامن المُحِقّةِ أو تداعيات النُصرةِ العادلةِ ،فنحن ننصر أخانا مظلوما، ونسانده ونعاضده وندافع عنه، لا بل وندعو إلى تشكيل لجانٍ لنصرته ولكنّها - ليست مناطقيّة و لا جهويَّة ولا قبليَّة - للدفاع عنه ،تكون مهمتها أنْ تُوكّل له عشرات المحامين ،لمنع إلحاق الظلم به، وليظل مطمئنا إلى أنه ليس في العراء، وانه ليس صيدا يسهل افتراسه.



تعليقات القراء

ابو ثائر
نحن شعوبا وقبائل للتعارف لا للتناحر فيما بيننا وقتل بعضنا بعضا ونحمي اشرارنا بحجة القبليه العفنه دعوها
فأنها نتنه
05-05-2015 08:58 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات