كتاب لمدير القضاء العسكري يشخص التداخل والتنافر بين الضرورة العسكرية والقانون الدولي الإنساني؟


جراسا -

عمان – نشر مدير القضاء العسكري العميد د. مهند حجازي كتابا فريدا على مستوى المنطقة في فقه القانون الدولي وقواعده شخّص من خلاله شروط الضرورة العسكرية وضوابطها واستعرض نماذجها في التاريخ كما أضاء مفاصل التداخل بينها وبين القانون الدولي الإنساني.

بالنسبة للمملكة وسياساتها الخارجية، يتضمن الكتاب فصولا مهمة حول إباحة مبدأ الاقتصاص ردا على أعمال إرهابية ومشروعية المقاومة ضد الاحتلال (إسرائيل تحتل الضفة الغربية منذ 1967). في الشق الثاني، يؤكد المؤلف: "لا يجوز أي تعسف في استخدام القوة حتى في ظل توافر مبررات الضرورة العسكرية"، مستشهدا بقرار محكمة العدل الدولية ضد جدار الفصل العنصري في 9 يوليو/ تموز 2004، حين شكّلت الدبلوماسية الأردنية رأس حربة لاستصدار ذلك القرار التاريخي.

الكتاب الذي أصدرته اللجنة الدولية للهلال والصليب الأحمر (ICRC) تحت عنوان "تقييد مبدأ الضرورة العسكرية بالاعتبارات الانسانية" يأتي في وقت تشهد فيه دول عربية زوابع أمنية وعسكرية خلخلّت أركانها وشتتت سكّانها، ضاربة بعرض الحائط القانون الدولي وتقاطعاته الاعتبارات الانسانية. كما خلطت المفاهيم المنبثقة عن المواثيق والمعاهدات الدولية، مع دخول "عصابات" و "تنظيمات" راديكالية مسلحة على ساحة العمليات العسكرية.

ويقع الأردن وسط بؤر نزاع مسلحة فيما تتعاظم المخاطر على تخومه الشمالية والشرقية بسبب تخندق مجاميع إرهابية بدون مرجعيات قيادية أو هيكليات واضحة.

ولعل عنوان الكتاب وفحواه يتماشيان مع تحذير جلالة الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع فضائية (فوكس نيوز) في 13 إبريل/ نيسان، حين قال: "سنرد الصاع صاعين"، وذلك ردّا على سؤال حول احتمالات تعدّي منظمات إرهابية عبر حدود الأردن.

يتجلى هذا النهج في الكتاب تحت فصل مبدأ الاقتصاص ردا على عدوان خارجي. ويندرج "الاقتصاص الحربي" في سياق أعمال "قد لا تكون مشروعة في الأحوال الأخرى، ولكنه يكون مشروعا في حالات استثنائية بموجب القانون الدولي"، بحسب العميد د. حجازي، الذي اقتبس من دراسة لجون ماري هنكرتس ولويز دوزوالد. وبذلك يستخدم "كتدبير لإنفاذ القانون برد فعل على أعمال غير شرعية من قبل الخصم".

ويلجأ إلى أعمال الاقتصاص أحد طرفي/ أطراف النزاع "بعد إخفاق جميع الوسائل الأخرى لحمل الطرف الآخر على احترام القانون"، كما يفترض أن "لا تؤدي أعمال الاقتصاص إلى إلحاق أضرار بالخصم لا تتناسب مع الضرورة".

في سياق تقديمه للكتاب، يصف رئيس الوزراء الأسبق د. معروف البخيت مضامينه بأنها "فائدة للمختصين (وأيضا) تثقيفا وتوعية لغير المختصين ولجماعات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني وجميع الجهات التي تعنى بالشأن الإنساني". وتتكثف الفائدة بفضل لغة الأطروحة وبنائها إذ "جاءت بسيطة ورشيقة، مباشرة ويسهل فهمها"، حسبما يضيف المفكر الاستراتيجي، الذي قدّم "شهادة شخصية" في المؤلف: "فبالإضافة إلى خلقه الرفيع، تميّز الباحث مبكرا بالجدّية والمثابرة، والكياسة في التعامل مع الجميع. وكان يعمل بدافعية ذاتية".

جاء الكتاب ثري بالمراجع والشروح في 368 صفحة، مقسمة على مقدمة وأربعة فصول. واستشهد كاتبها ب25 مرجعا أجنبيا و146 مرجعا عربيا وأجنبيا مترجما في القاهرة ثم بيروت. وارتكز أيضا إلى 26 رسالة، أطروحة وبحث جامعي إلى جانب سبع ندوات ومؤتمرات عربية ودولية و12 اتفاقية ووثيقة دولية ذات صلة بهذه العناوين المهمة.

وتحت عنوان: "ما هية الضرورة العسكرية في أثناء النزاعات المسلحة والاعتبارات الإنسانية"، احتوى الفصل الأول خمسة مباحث تناولت مفهوم حالة الضرورة

force majeurs وعلاقتها بفقه القانون الدولي العام والقانون الجنائي الدولي. ويتنقل المؤلف الأطروحة بين فصول الكتاب بدءا من تعداد الأسلحة المحرمة دوليا مرورا بمحاكم جرائم الحرب – نورمبرغ وطوكيو والمحكمة الجنائية الدولية (روما) في ما يتعلق بيوغسلافيا السابقة- وصولا إلى معايير استخدام الضرورة العسكرية من قبل سلطات احتلال.

ويستشهد العميد د. حجازي بمقولة مونتسكيوه في كتابه "روح القانون": حياة الدول مثل حياة الناس، فكما للناس حق في القتل في حال الدفاع فإن للدول حق الحرب للحفاظ على بقائها". ويخلص إلى عدم إمكانية "اتخاذ حال الضرورة العسكرية مبررا لخرق قواعد الحرب وأعرافه"، بالاستناد إلى القانون الدولي الانساني، بدءا من إعلان بطرسبرغ 1868 واتفاقية لاهاي الرابعة 1907. على هذه الأسس نشأ المبدأ الدولي الذي يزاوج بين "الضرورة العسكرية والاعتبارات الانسانية". وتأسيسا على ذلك "أبطلت قاعدة الحرب (السابقة): "أنزل بعدوك أقصى ما تستطيعه من الأذى وحلت محلها قاعدة: لا تنزل من الأذى أكثر مما يقتضيه غرض الحرب".

يذكر أن العميد حجازي عين مديرا للقضاء العسكري في 12 مايو/ أيار 2012. قبل ذلك التاريخ، شغل عدة مناصب في القضاء العسكري آخرها رئيس محكمة الاستئناف العسكرية. بصفته مدعياً عاماً لمحكمة أمن الدولة في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية، ترافع العميد حجازي بقضايا أمنية واقتصادية مصيرية. القاضي العسكري المصنف خبيرا في القانون الدولي الإنساني، حائز أيضا على درجة الماجستير في الدراسات القانونية الدولية في الجامعة الاميركية بواشنطن وليسانس حقوق في جامعة دمشق.



تعليقات القراء

كامل القواسمي
القضاء العسكري الاردني مدرسة في القانون الاردني والدولي ويتصف بالنزاهة والعدالة وتطبيق القانون، ويتحلى ضباطه بصفات القضاة رفيعي المستوى في التعامل مع المتهمين.
مع تحياتي للعميد مهند حجازي وبالتوفيق.
26-04-2015 04:07 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات