"ألم" حبر .. قبل أن تحاكموا باسم عوض الله .. حاكموا أنفسكم


كتب اسلام صوالحة  - "تحتل سنغافورة، الدولة الصغيرة نسبيا، بعدد سكانها ومساحتها، مرتبة تعد من أعلى المراتب في المؤشرات التعليمية العالمية، كما تعد اثنتان من جامعاتها ضمن ال75 جامعة الأكثر أهمية في العالم، وهو نفس المركز الذي تحتله الصين، اليابان، وألمانيا"... هذه المعلومة الصغيرة عن سينغافورة كانت كفيلة بفتح باب جهنم على رئيس الديوان الملكي الاسبق باسم عوض الله الذي غيّب قسرا عن المشهد السياسي على وقع الاحتجاجات الشعبية التي إنفجرت في وجه النخبة الحاكمة انذاك وطالبت من جملة مطالبها محاكمة "عرّاب التحول الاقتصادي" بتهم عديدة من بينها افساد الحياة السياسية وتفتيت مؤسسات الدولة وتهم اخرى تتعلق بالفساد المالي والإداري.

والمفارقة أن الغالبية من "الخوارج" على سياسات عوض الله في زمن "الربيع العربي" كانوا يرددون تلك الاتهامات كـ"الببغاء" بل ان بعضهم سمع بعوض الله للمرة الاولى في المظاهرات ، وفق حراكيين .

وبعد اربع سنوات لم يتمكن خلالها خصوم عوض الله من اثبات تورطه في أي من التهم التي وجهت إليه ، عاد عوض الله الى الواجهة ، ولكن هذه المرة من بوابة العالم الافتراضي ، ومجددا رافقت عودة عوض الله صخب إعلامي طالما رافق اسمه أينما ذكر.

فقد أنشأ الرجل حسابا رسميا على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ، خصصه على ما يبدو لعرض آرائه وأفكاره الاقتصادية ، وأحيانا للتعليق على الاحداث الراهنة خاصة الاقتصادية منها، ويتجنب عوض الله التعليق على القضايا الداخلية ذات الطابع السياسي بحسب ما تم رصده من ارشيف منشوراته .

مواطنون "حانقون" على إرث عوض الله وما خلفه من ويلات على الدولة ، وفقا للإعتقاد السائد، وجدوا في إطلالته الالكترونية فرصة ذهبية لمواجهته بتساؤلاتهم وشكوكهم واتهاماتهم المعلبة ، فحرص الرجل المثير للجدل ، على الرد شخصيا على جميع أسئلة وتعليقات وانتقادات وحتى شتائم المتابعين لحسابه ، وبدا عوض الله، واثقا متزنا ومتصالحا مع ذاته في رده على المتابعين ، وحاول الدفاع عن سياساته ومواقفه وقراراته خلال تواجده في مطبخ صنع القرار قبل دخوله مرحلة الاعتكاف السياسي ، ويبدو ان الرجل وجد هو الآخر فرصة ومنبرا للرد على التهم التي رافقت اسمه لتفنيدها في محاولة منه للحصول على براءة حتى وان كانت إلكترونية.

عوض الله حٌمّل وزر إرث من القرارات والسياسيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكارثية، وتحمّل وحده تراكمات حقبة سياسية شهدت تغول أفراد على مؤسسات الدولة ، وأسسوا لأنفسهم دولة داخل الدولة ان لم يكن على انقاضها ، وتقاسموا الولاءات وقسموا كعكة الدولة فيما بينهم ، وفق مؤرخين لتلك الحقبة .

ونُسب للرجل كل المصائب والمشاكل والخلل الذي تعانيه الدولة ، وحتى اولئك الذين كانوا يتهافتون على مائدة عوض الله لنيل الرضا وفتات المكرمات، انقلبوا على سيدهم بين ليلة وضحاها وانضموا الى قوائم المطالبين باعدامه سياسيا.

ولكن، ولا بد هنا من كلمة لكن، أليس من الظلم اختزال حقبة كاملة في رجل واحد بصرف النظر عن النفوذ الذي كان يتمتع به انذاك ! فعوض الله كان وزيرا وليس صاحب ولاية حتى يحمل وحده المسؤولية الدستورية عن قرارات الحكومة وسياساتها.. لم يكن عوض الله سوى جزء من منظومة سياسية كاملة اجتهدت في تقديم تجربة اقتصادية وسياسية قد تبدو للوهلة الاولى معادية لمفهوم الدولة، ولكنها وبنظرة ناقدة متأنية ، حققت انجازات وقفزات اقتصادية وتنموية لا يمكن لأي منصف انكارها كما لا يمكن انكار سلبيات تلك التجرية على الصعيد الاجتماعي .

ودعوني اعرض السؤال بصيغة اخرى ، من خلق ظاهرة عوض الله وضخمها ! أليست جوقة المنافقين و"متسولي الاكراميات والمعونات" و"كتاب الشنطة" و"السحيجة" من صنعت من الرجل "بقرة مقدسة" عبدوها و"حلبوها" ، وعندما خفت نجمها كانت العصابة ذاتها أول من انقض عليها بسكاكينهم وتقاسموا لحمها !؟

وعلى سبيل تحفيز ذاكرة البعض ، فعوض الله لم يكن شخصية طارئة على الدولة الاردنية ومؤسسة الحكم ، بل تدرج في الوظيفة العامة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ( في زمن الحرس القديم) وتقلد مناصب عديدة حيث عمل مستشارا لرئيس الوزراء في الفترة ما بين 1996 – 1999 ، وقبل ذلك التاريخ كان يشغل منصب السكرتير الاقتصادي في الفترة ما بين 1992 – 1996 ، أما "الليبرالية الاقتصادية" التي تؤخذ عليه فهي حاضرة منذ عام 1989 فكانت العمود الفقري لبرنامج التصحيح الاقتصادي ، فلماذا ينسب للرجل طفلا أنجبه الأخرون ؟

وان أردتم محاكمة حقبة عوض الله فالمقارنة بين الماضي والحاضر أصبحت واجبة، فاليوم وبعد اربع سنوات من تحييد "مدرسة عوض الله" واقصاء رموزها ، ماذا كانت النتيجة ؟! مديونية الأردن ارتفعت الى ارقام قياسية غير مسبوقة تجاوزت سقف الـ 30 مليار دينار ، والدعم الحكومي تقلص الى حد لم يعد يلمسه المواطن الفقير ، ومعدلات البطالة والفقر لا تزال ضمن اسرار الدولة التي لا يتم الافصاح عن ارقامها الحقيقية، والمؤسسات المستقلة استبدلت بهيئات ومبادرات أشبه بنادي للنخب المخملية العاطلة عن العمل، أما الحريات فحدث ولا حرج ، إذاً ماذا تغير ؟

ما تغير ببساطة أن "الكعكة" انتقلت من فم الى آخر ، .. فالدولة لا تزال تدار بذات العقلية الاستعلائية ، والاقتصاد حقل تجارب للهواة ، والخزينة وحرمة الاموال العامة مستباحة ، والمناصب العليا لا تزال "مشفرة" في وجه السواد الأعظم من الاردنيين ولا يملك شيفرتها سوى أبناء "طبقة الكريما"، والحديث عن الفساد مجرد ظاهرة صوتية ، أما المواطن فيعيش مرحلة عكسية من التطور الاجتماعي والحضاري نقلته الى ما وراء الزمن.

الرئيس د.عبدالله النسور ، على سبيل المثال ، أشبعنا لطما وخطابات عنترية وبكائيات على الدولة التي دمرها الليبراليون بحسبه ، عندما كان من اصحاب السعادة، وحين اعتلى منبر الرئاسة حقّت فيه مقولة ماركس في كتابه عن الثورة الفرنسية " بأن التاريخ يعيد نفسه مرة على شكل مأساة، وثانية على شكل ملهاة" .. الا ان النسور تفوق على عوض الله حين أعاد المأساة هذه المرة .. على شكل مسخرة.. فيكفي أن عوض الله يملك فكرا اقتصاديا لا يستهان به بشهادة خبراء الاقتصاد ، فيما يدير الاخرون الدولة اليوم بعقلية "زينغو ورينغو" على حد وصف الصديق د.عامر السبايلة حين شخّص بإبداع،كعادته، ادارة الحكومة لكثير من الملفات.

لست هنا بوارد الدفاع عن عوض الله او تنصيبه ملاكا، فلم يكن يوماً الدفاع عن "علية القوم" والتملق لهم وتلميعهم من هواياتي، ولكن كل ما أردته قوله أن علينا ان نحاكم انفسنا قبل أن نطالب بمحاكمة عوض الله ، فنحن من صنعناه ونحن من نصنع كل يوم عوض الله جديد ..

والله والوطن من وراء القصد



تعليقات القراء

مواطنة
لا نحن لم نصنع المدعو باسم عوض الله. لا تلبسنا ثوب مش ثوبنا. سيد اسلام صوالحة شو الغرض من هذا المقال؟
رد بواسطة اسلام صوالحة
الغرض ان نكف عن تعليق أخطاءنا على شماعة الاخرين ، نحن من صنعنا من عِوَض الله صنما وعبدناه وعندما ابتعد عن الواجهة جلدناه واستبدلناه بصنم اخر ، بالعامية "مين فرعنك يا فرعون ، قال ما لقيت حدا يردني"
رد بواسطة مواطنة
وبرايك من كان يجرا على رد الفرعون باسم عِوَض الله؟ خليك واقعي يا سيدي
21-04-2015 03:30 PM
ابو ثائر
على هونك يا راجل شوي شوي علينا هل زلمتك جاي من كوكب اخر منقذ اعظم يعني كله مثل بعضه من العقبه وحتى الذنيبه شمالا اذا سمعت عنها
21-04-2015 03:40 PM
هدهد
كلام منطفي وصحيح مائة بالمائة
21-04-2015 04:17 PM
فلم هندي
بما انك خبير بوزات اشتغل في السينما الهندية احسنلك.
21-04-2015 04:25 PM
وفاء
لتتم محاسبة الجميع وبالتساوي والعدل ليرتفع شأن اليلد , وغير زلك سنبقى في دائرة مغلقه , وللأسف الحيتان تكاثرت بشكل مخيف ولم ي تعد تعمل بالخفاء وستاكل اليابس والأخضر والقادم أخطر ??
21-04-2015 04:32 PM
مطلق فرج
مقال رائع والشكر للكاتب الذي شخص المرض الحكومي المستمر وهذا يوقف مهاترات الكثير من الغوغائيين ......
21-04-2015 04:41 PM
خالد الطراونة
هــذة القرارات الإنفــرادية فرضت علينا وعلى الشعــب الأردنــي بالإكــراه نتيجتا لضعف القــرار السياســي وادارة الدولة وها نحن من يدفع الثمن اليوم من طعام وحليب اطفالنا ونحاسب على هذة القرارات
21-04-2015 04:45 PM
ابو تنكة
معالي السيد عوض الله رجل دولة من الطراز الاول وهو من الاوفياء المخلصين لجلالة سيدنا وللوطن ويستحق كل الاحترام والتقدير وهو رجل عصامي بنى نفسه بنفسه ويحمل فكرا اقتصاديا متطورا
رد بواسطة الى ابوتنكة
يارجل اتقي لله وقل كلمة حق يوم الموقف العظيم بس سؤال الاخ سكان عبدون ام سكان عجلون ؟؟
رد بواسطة ابو تنكة
رد من ابو تنكة
اول شي يا كبير سكان عبدون ودابوق مابيعرفوا عن شي اسمه جراسا او سرايا او اي موقع اخباري اخر اللي بيدخلوا على هالمواقع للناس البسيطة المسكينة اللي نسبة كبيرة منهم بجوز بتكمل عشاها نوم
رد بواسطة ابو تنكة
ثانيا يا استاذي عندما يتم ذكر اسماء بعض المسؤولين السابقين نجد قصائد مدح وإطراء فيهم تكاد ترفعهم لدرجة الأنبياء لكن عند ذكر عوض الله بالذات نجد هجوما لاذعا على الرجل لأسباب انت تعرفها جيدا
21-04-2015 05:05 PM
العفيف
يكفينا في عهد دولة ابو زهير رفع الدعم عن السلع وفرض الضرائب على كل شي وكثرت الجريمه والسرقه وازداد الفقر والفقراء المعدمين وتضآلت الرواتب وكثر الفساد وانحلال الاخلاق و ..الخ.فماذا نريد افضل من ذلك ؟
21-04-2015 06:02 PM
ابو حسن
من مقالك ادينك و ادبن باسم عوض الله ..
لانك تثبت ان باسم كان له مكرمات و موائد و ولاية "وحتى اولئك الذين كانوا يتهافتون على مائدة عوض الله لنيل الرضا وفتات المكرمات، انقلبوا على سيدهم بين ليلة وضحاها
رد بواسطة اسلام صوالحة
لان اصحاب الولاية في ذلك الوقت تنازلوا عن ولايتهم له ، واثمهم اعظم من اثم عوض الله.. عندما اقول صاحب ولاية اتحدث عن مسؤولية دستورية تخلى عن اصحابها للاخرين لضعفهم فهؤلاء يستحقون المحاكمة قبل عوض الله
21-04-2015 06:03 PM
محمد الاردني
معناته راجع مع سمير الرفاعي
21-04-2015 07:46 PM
احمدددددد
مين نحن؟؟؟؟؟؟؟
نحن من صنعناااااه؟؟؟؟؟؟
برنامج التحول الاقتصادي؟؟؟؟ مين كان المسوول عنه؟؟؟؟؟
وزاره التخطيط مين كان مسوول عنه؟؟؟؟
احلى شي اخر شي والله والوطن من ورا القصد؟؟؟
لك الله يا وطن كله برقبتك؟؟!
21-04-2015 07:50 PM
مأساه فعلاً
لقد اصبت الحقيقه هذا عهد المأساه
21-04-2015 08:04 PM
عطوة
واضح إنه الكاتب يبحث عن ردة فعل .. وأنا شخصيًا لن أمنحها له ..
22-04-2015 05:06 AM
محمد خصاونة
معالي الدكتور رجل في زمن عز فيه الرجال اصحاب القرار. فقط لننظر لداخلنا ونعتذر له
22-04-2015 07:10 AM
محمد مناور العبادي
د. باسم من انشط المسؤوليين الاردنيين زرته عدةمرات في مكتبه الصغير في رئاسة الوزراء حين كان مستشارابحكم عملي كان الوحيد ال1ي يعمل حتى العاشرة او اكثرمساء ينغمس بعمله لانه يحبه ويحب الاردن
رد بواسطة مسخره
بعدك بتكتب عن كوريا الشماليه يا عبادي ؟؟!!!
22-04-2015 07:55 AM
د عبد الرحمن العرمان
بداءة لا اعرف باسم عوض الله وكل ما رايته مرة واحده عندما كنا في استقبال سيدنا ا كني اقول ما سر التهجم عليه يا ترى من اتى بعده واستلم المسوؤليه انقذ الاردن من اقتصاده المتعثر تعودنا احمد معكم ي
22-04-2015 12:15 PM
لا اعرفه
أشكرك أخ صوالحه على مقالتك.أقسم بالله العظيم لا اعرف ولم أرى باسم عوض الله بحياتي،ولكن الظلم الذي كان يقع عليه دون وجه حق ونتيجة لجهل وحقد، كان واضح جدا. كاتب المقالة أنت رجل،ويكفيك رضى الله لقول الحق
22-04-2015 03:24 PM
متابعة
الكاتب يحلل بطريقة علمية ولا يتبع الأسلوب الشائع من الإتهام بلا دليل قصة التدهور الإقتصادي لا يمكن أن يكون سببها شخص واحد والدليل أنها تركة من مسؤول إلى آخرولا يوجد خطة متكاملة لدراسة الو ضع ومعالجته
24-04-2015 12:00 PM
اسماعيل
آسف أن ألجئ الى إستعمال هذه العباره العاميه( إسطوانه مشروخه) وهي أن يقوم كل مسؤول إلقاء الفشل على من سبقه في الموقع الذي فيه والمواطن هو الذي يدفع الثمن في حياته الإقتصادية والإجتماعيه.
25-04-2015 03:24 PM
ابو مروان
اكره كل من يحاول ان يدافع اي ممن باعوا مقدرات الوطن بحجة الاصلاح الاقتصادي بدل ان يصلحوا هذه المقدرات واداراتها الفاشله التي اتت بالواسطه كاولاد القطه تنقلوا من منصب لاخر كما هم الان لازالوا مفسدون
19-06-2015 05:33 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات