الرفاعي .. حراك فكري ميداني بعيد عن "نخب الصالونات السياسية" !


جراسا -

المحلل السياسي - شكلت سلسلة اللقاءات التي يقوم بها رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي مع مواطنين وطلاب جامعات وقطاعات شعبية وتجارية وصناعية وغيرها في عدد من محافظات المملكة، وهدفت الى خلق حالة من الحوار والعصف الذهني، ظاهرة سياسية فريدة من نوعها، يجدر الاقتداء بها من مختلف السياسيين الاردنيين الذين ينتهي عطاءهم السياسي حالما يغادرون مناصبهم.

اخر وليس باخر هذه اللقاءات جمعت أهالي محافظة جرش، بالرئيس الاسبق الذي شكل حراكا سياسيا ميدانيا مؤخرا، وحظي باستقبال كبير ولافت من قبل اهالي المحافظة الذين قدموا لمحاورته ومناقشته، مظهرين قدرا ومستواً عالٍ من الوعي والفكر والطرح والاسئلة التي اثرت محاضرة غنية بالمضامين والرؤى السياسية والاقتصادية القاها الرئيس الرفاعي في قاعة بلدية جرش، التي لم تتسع رغم ضخامتها لاعداد المتوافدين للقاء الرئيس الشاب الاسبق.

تطرق الرفاعي في كلمته الى أبرز التحديات التي يواجهها الأردن اليوم، في ضوء التطورات والأزمات الإقليمية، وكيفية التعامل مع هذه التحديات، وتنقل من الحديث عن قوانين هامة ناظمة للحياة السياسية كقانون الانتخاب واللامركزية والاحزاب للحديث حول التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الاردن، في اسلوب خرج به عن بروتوكولات رؤساء الوزراء السابقين، متعمدا اشراك الحضور برؤاه وافكاره لخلق حالة من المشاركة الجماعية عبر الحوار المباشر البعيد عن همس الصالونات السياسية، الامر الذي يعد ركيزة اساسية للمجتمعات المتحضرة التي تبنى فيها جسورا للتواصل بين مختلف مكوناتها السياسية والاجتماعية للوصول الى أعلى منسوب من التوافقات الفكرية البينية.

الرفاعي اعتبر ان الاردن خطى خطوات جيدة، باتجاه الإصلاح السياسي، واستطاع أن يطور نموذجه الديموقراطي على نحو متدرج وتوافقي وآمن مشيرا الى إجراء تعديلات دستورية مهمة وواسعة وتعديلات تشريعية أخرى في مجالات الحريات العامة.

الرئيس الاسبق اكد ان أمام الاردنيين الآن فرصة مهمة لإثراء النقاش الوطني بشأن جملة من القوانين الناظمة للمشاركة وتطوير الحياة السياسية، والتي بعضها مطروح أمام مجلس الأمة، وبعضها الآخر على الطريق. وفي مقدمتها قوانين الأحزاب واللامركزية والانتخاب والبلديات، وابدى رأيه بضرورة إقرار القوانين السياسية الإصلاحية كحزمة واحدة، كي لا يشوبها أي خلل كما يشوب قوانيننا الاقتصادية التي أقرت مؤخرا.

وتطرق الرفاعي الى قانون الانتخاب،وقال انه لا يرى بان سبب كل المشاكل السياسية نظام الصوت الواحد، واشار الى انه نظام معمول به في أعرق الديموقراطيات ، لكنه اكد بانه ما دام نظام خلافي، ويختلف حوله الأردنيون، فمن الأفضل أن نبحث عن نظام انتخابي جديد، يلبي الغايات المأمولة، ويأخذ بعين الاعتبار البعد التنموي، ضمن الأهداف.

وبخصوص "اللامركزية"، قال الرفاعي أنه من الأفضل أن نبدأ بالتدريج، من خلال تطوير دور وآليات العمل البلدي، وصولا إلى الإدارة المحلية، وأن نبدأ بتوسيع قاعدة المشاركة من خلال إدماج الهيئات المنتخبة في عملية اتخاذ القرار على مستوى كل محافظة، وصولا إلى إنضاج ومن ثم بلورة اللامركزية، كواقع على الأرض.

ورأى الرفاعي،ان التحدي ما زال كبيرا على المستوى الاقتصادي، وربط بين أهمية الإصلاح الاقتصادي للوصول الى الإصلاح السياسي المنشود، معللا ذلك بارتباطه مباشرة بدور الطبقة الوسطى ومجابهة تحدي البطالة، وواقع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وضرورة تحفيز الاستثمار النوعي القادر على تقديم فرص عمل حقيقية ودائمة.

الرفاعي بسط فلسفة الاصلاح الاقتصادي بجملة قال فيها ان الإصلاح الاقتصادي، هو ما ينعكس مباشرة على مستوى حياة الأردنيين، ويلمسون أثره عليهم، وليس مجرد أرقام ونسب مئوية ولغة محاسبية، بعيدة عن الواقع.

كما تطرق الرفاعي الى الاحداث العاصفة بالمنطقة واشار ايضا الى دول الخليج الشقيقة التي اعتبر ان امنها من امن الاردن، فيما تطرق الى فلسطين المحتلة التي أكد انها ستبقى دوما في مقدمة سلم أولويات الاردن، مشيرا الى تأكيد جلالة الملك بإن فلسطين هي القضية المركزية بالنسبة للأردن، وهي مصلحة وطنية عليا.

وما ان طوى الرفاعي اوراق كلمته التي القاها على مسامع الحاضرين، حتى تجلت قدرة الرجل في الارتجال السياسي المباشر البعيد عن المنتجة ، وبكفاءة فذة بينت قدرة الرجل على فن المحاورة والاقناع المباشر، فيما رفض احد الحضور في بداية الحوار ان تكون الاسئلة الموجهة للرئيس الاسبق مكتوبة على قصاصة من الورق، حسب ترتيبات منظمي اللقاء، الامر الذي ايده الرفاعي، وطلب من عريف الحفل ان يكون الحوار شفهيا وان يستمع لاراء ووجهات نظر الحضور بالسنتهم لا باقلامهم، بل تعداه ليطلب من الشخص الذي طلب الحديث شفاهية لان يكون اول السائلين، الامر الذي قوبل بتصفيق واعجاب من قبل الحضور.

اسئلة مباشرة دون مواربة طرحها العديد من الحضور على مسمع الرئيس الاسبق، فمنهم من انتقد الاداء الحكومي السياسي، ومنهم اداءها الاقتصادي، ومنهم من شن هجوما على مجلس النواب، بل ان احدهم انتقده شخصيا، وانتقد فترة ترؤسه القصيرة للحكومة، الامر الذي قوبل بابتسامة واجوبة كانت على درجة عالية من الوضوح والوعي السياسي والشفافية التي قوبلت ايضا باحترام واعجاب الحضور.

الرفاعي اصر على توضيح ما رأه امرا هاما، بإن مواطنته وإحساسه بالمسؤولية هما ما دفعاه للحديث، ونقد السياسات الاقتصادية، وتقديم المقترحات والبدائل، واكد انها أبعد ما تكون عن المناكفة والتشويش على الحكومات، وقال بوضوح : من يريد المناكفة، لا يخرج إلى اللقاءات العامة، ولا يعمد إلى الحوار ومناقشة الأفكار والرؤى. وإنما يكتفي بالمجالس والغرف المغلقة.!؟

يمكن القول ان مدرسة سياسية رفاعية تجلت بنمط جديد ومغاير لسلوك سياسي تقليدي كان يعتمد على محاورة النخب، في صالونات سياسية مغلقة، التي انتقدها الرفاعي اكثر من مرة، عبر لقاءات عفوية وبعيدة عن اي بروتوكولات، مع المواطنين، وفي محافظاتهم وبلداتهم، الذين باتوا على قدر عال من الوعي الذي لا يمكن تجاهله ابدا، في اسلوب راق من الوصول والتواصل المجتمعي السليم.

كما يمكن القول، ان النهج الذي يتبعه الرفاعي ، قريب الى القلب (!)، ويخلق حالة من الثقة بين المواطن والدولة، لو انتهج على صعيد أوسع للمسؤولين، ويجسر الهوة التي تسببت بها سياسات سابقة بات من الضروري مراجعتها وانتهاج اساليب جديدة وحضارية في التعامل بين مكونات المجتمع، كما يعد هذا الاسلوب الفريد في التواصل، تجسيدا على ارض الواقع لافكار جلالة الملك التي طرحها في اورقه النقاشية الخمسة، لخلق حالة من العصف الذهني، والحوار البناء، ليكون الكل قد أسهم بدوره في صنع القرارت لاحقا، وبناء الدولة الاردنية الحديثة، مقوماتها الاساسية تبدأ بالمواطن، وتنتهي بالمواطن !



تعليقات القراء

فراس الحمد - كاتب وباحث
الفكر الحضاري والتنويري واللقاءات الميدانية والالتقاء بالناس .... كل ذلك ليس غريبا على خريج مدرسة الهاشميين .
كل الاحترام والتقدير لدولة الاستاذ سمير زيد الرفاعي الافخم
21-04-2015 03:33 PM
خالد الامير
حقيقة لا مجاملة رائع وتحركات طيبة ونحترمها وتعبر عن وعي سياسي وانتماء وطني بعيد عن المناصب ..نحييك
22-04-2015 12:31 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات