سمير الرفاعي .. عاصفة رؤى سياسية تهب في الجنوب !


جراسا -

المحرر السياسي - اختزلت محاضرة القاها رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي في جامعة الحسين بمحافظة معان الاثنين، كافة الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية، سلط فيها الضوء على مكامن الخلل وسبل الحل، وبين حجم التحديات التي تواجه الاردن داخليا وخارجيا، وكيفية مواجهتها، من منظور سياسي ، بدا جليا للحضور الذين ابهرهم حضوره، واسلوبه الاستثنائي في الطرح، والتفاعل، مدى حنكة الرجل السياسية وقدرته على جذب الحضور واقناعهم بوجهة نظره.

لم يترك الرئيس الاسبق، مفصلا هاما وحيويا، او قضية من القضايا المطروحة للنقاش والعصف الذهني في الشارع الاردني الا تطرق لها، بجرأة وفهم عميق، بعيدا عن الخطابات السياسية المستهلكة، واجرى حوارا رائعا وراقيا مع الطلبة والطالبات الشباب الذين تفاعلوا معه بشكل ملفت للغاية بمناقشاتهم واسئلتهم التي وجدت اجوبة واضحة شفافة من الرئيس الاسبق الذي قدم في محاضرته طرحا سياسيا ثريا غنيا بالفهم العميق، الداعي الى انفتاح العقلية السياسية، وعدم الانغلاق، ومواكبة المتغيرات والتطور ،وفق رؤى سياسية حديثة.

زمان ومكان المحاضرة بحد ذاتهما لهما مدلولا سياسيا هاما .. حيث بدأ الرفاعي محاضرته بمعان ..عن معان نفسها ، التي وصفها  ببداية كلمته بـ قلعة أردنية شامخة، طالما قدمت قوافل الشهداء والرجالات الكبار وانها بوابة التأسيس الهاشمي .

الرفاعي ركز في بداية حديثه على المتغيرات التي يمر بها العالم والمنطقة، وكيف استطاع الأردن المحافظة على منجزاته، وحماية أمنه واستقراره، والتمسك بثوابته والدفاع عن مصالحه العليا، بل واستطاع رغم كل المتغيرات ان يؤكد موقعه الإقليمي، ويبرهن رغم كل التحديات أنه رقم صعب.

الرئيس الاسبق الشاب تحدث عن "سر الدولة الاردنية" الذي بنظر البعض امر يكتنفه الغموض" وعن اسباب منعة الدولة الاردنية التي يحاول الكثيرون تفسير كيفية محافظة بلد صغير بمساحته وعدد سكانه، ومحدود بموارده، على منجزاته؟ بل ويكرس استقراره .. وهو ما عجزت عنه دول كبرى، بإمكانيات وموارد أكثر بكثير ... مجيبا بانه : (سر لن يفهموه (!) ما داموا يقيسون حجم الدول بالمساحات والثروات والأموال.. مبينا بان مقياس الاردن الحقيقي.. وسر دولته.. هي الرسالة الهاشمية والقيم النبيلة الأصيلة) !.

الرفاعي ضرب امثلة على نموذجية كبرياء الأردني وشموخه التي تجلت بوقوف الاردنيين على قلب رجل واحد..  حيث كشف استشهاد الطيار البطل معاذ الكساسبة، عن قوة وحدة الاردنيين والتفافهم حول قيادتهم ودفاعا عن وطنهم، وأكدت للجميع، أن أساسات هذا البلد قوية، ويجدر البناء عليها.

عصف ذهني غني القاه الرفاعي بين كل فقرة واخرى  خلال محاضرته، ولسان حاله يقول، ان مشاركة الرؤى امر وطني واجب، حين تساءل: كيف يمكننا المحافظة على هذه الروح الإيجابية الجامعة التي أبرزت أفضل ما لدينا، وأظهرت وحدة الأردنيين الحقيقية، ومعدنهم الأصيل؟ كيف؟

واردف بسؤال اخر ..كيف نستثمر هذه الحالة وننطلق منها، إلى المرحلة المقبلة، والوشيكة، في مجابهة التحديات والمخاطر؟

واستطرد ..إذا كنا نعترف جميعا أننا في حالة حرب مفتوحة، وشاملة، وطويلة المدى، ضد الإرهاب علينا إذن، أن ندرك، أنها مواجهة بين الخير والشر..

يسأل ويجيب الرفاعي في ان معا : " لابد أن تكون قوتنا العسكرية والأمنية مدعومة بقوة اجتماعية اقتصادية وسياسية، وبروح عامة، متقدة، ووطنية"..ويضيف .. وهذا كله، يحتاج الى برامج واضحة، وخطط عمل، ومن تكافؤ في الأدوار والمهام.. بعيدة عن الاستراتيجيات "التنظيرية"، وعلل بانه "قد أصبح لدينا "ثروة" من الأوراق والمجلدات المركونة على الرفوف، لأنها غير قابلة للقياس، ولا للتحقيق" !

الرفاعي الذي كان يسرد رؤاه السياسية باسلوب هندسي دقيق، اكد ضرورة ايجاد ( خطة وطنية شاملة) تبني على المنجز، وتقوم على أساس المراجعة،والمطلوب وفق الرفاعي، ( أن نقرر ما يدعم مناعتنا ويضمن صمودنا في المرحلة المقبلة، وأن نواجهَ، فوراً، نقاط ضعفنا حيثما وجدت، وكل ما هو عبء علينا، ومن شأنه أن يضعف موقفنا في المجابهة القائمة، والمقبلة) .

طرح الرفاعي لمواجهة الفكر المتطرف والارهاب والعصابات الاجرامية ارتقى الى ان يكون نبراسا وخطة برامجية منهجية شاملة متكاملة يقتدى بها ويحتذى حين رأى ان "الحرب مع العصابات الاجرامية لا تكون فقط مواجهة عسكرية .. بل اكد انها (مواجهة شاملة).. "يقودها جيش باسل شجاع، يدعمه اقتصاد كفؤ، يعتمد على الذات، وخطاب تنويري ثقافي تحمله منابر وصروح إعلامية وثقافية قادرة ومؤثرة ومدارس وجامعات تكرس المناهج الوطنية واحترام الرأي والرأي الآخر، والقدرة على الحوار، وزرع قيم التسامح والمحبة، وحياة سياسية نشطة وأحزاب سياسية تقوم بدورها، ومعارضة وطنية، تحمل برامجها، وتسعى للوصول إلى قبة البرلمان، لإقرارها، طالما انها تهدف لرفعة الأردن وخدمة أبنائه وصون دستوره"!

الرفاعي القى طرحا غاية في الاهمية تجلى بضرورة (تجديد النخب الوطنية في مختلف مجالات العمل العام) واكد انها "مهمة وطنية عاجلة وملحة" معللا ان الدولة الاردنية الفتية، يشكل الشباب النسبة الاعم من سكانها، فيما "النخب" فيها هم من فئة اخرى تماما ؟؟.

ووصف الرفاعي معظم هذه "النخب" بانها "معزولة" و"محجوبة" و"تحجبها الصالونات المغلقة"، و"ليس لها اتصال بالميادين المتنوعة وبأرض الواقع" الطرح الذي لقي تصفيقا حارا من الحضور.

كما طرح الرفاعي رؤاه السياسية حول قوانين الأحزاب، والبلديات، واللامركزية وقانون الانتخاب المرتقب ورأى بضرورة قراءة هذه القوانين كـ"حزمة واحدة" تحقق غاية وطنية، وتؤدي بالتالي الى ما طرحه بضرورة (تجديد النخب الوطنية ) فيما اشار الى قانون الانتخاب، بالقول أن علينا البحث عن نظام انتخابي يحقق أكثر قدر من التوافق بين مكونات المجتمع السياسية والمتنوعة، ويستطيع أن يخدم أهداف الدولة في تطوير ديمقراطية فاعلة أساسها التعددية السياسية (الأحزاب)

وحول قانون الاحزاب اكد الرفاعي بضرورة أن يلبي القانون الجديد عدداً من الاعتبارات، في مقدمتها، أن يتضمن نصوصاً صريحة، تمنع تشكيل أحزاب على أسس دينية أو طائفية أو مناطقية أو عرقية

وتنقل الرفاعي في محاضرته من ملفات سياسية لاقتصادية، طارحا رؤاه التي شدت انتباه الحضور حين قال ان لدينا خلل كبير في التخطيط الاقتصادي.

ووصف الرفاعي ملف المديونية،بانه التحدي الأهم على الصعيد الإقتصادي والمالي، إذ إرتفعت إلى حدود غير مسبوقة و هو ملف مقلق جدا.

البطالة، يرى الرفاعي انها من اهم المشاكل المستعصية، موضحا بانها لا تعني فقط الفقر أو التعطل.. بل تعني أيضاً التوتر الاجتماعي وتعطيل طاقة الشباب والشابات وفقدان الثقة بالمستقبل وإنهاك الطبقة الوسطى وإضعاف مؤسسة الأسرة والعشيرة، وتنعكس على نسب الجريمة والجنوح، وتخلق مناخات مواتية للتفكير اليائس السلبي.

وحمل الرفاعي القطاع الخاص الدور الاكبر في الاسهام بحل مشكلة البطالة، لأن القطاع الخاص - وفق الرفاعي - هو القادر على توسعة الطبقة الوسطى، على أساس الحماية الاجتماعية والصحية مؤكدا ان هذا الامر يتطلب أن نتعاون مع القطاع الخاص بوصفهم شركاء حقيقيين، في توفير فرص العمل لشبابنا.

"أمن القيم" العنوان العريض الذي وضع الرفاعي تحته خطين بمحاضرته الثرية، ربطه بطرحه السابق بضرورة العودة الى خدمة العلم ..وفق أسلوب جديد، وفهم متطور، بحيث يتم اختصار الفترة، وتوفير فرص التدريب المهني والتقني لشبابنا وشاباتنا، مبديا استغرابه من الحديث عن الكلف المالية العالية لهذه الضرورة الوطنية..وعلل ذلك انه بقليل من التخطيط والتنظيم والتعاون مع القطاع الخاص وتحفيزه للقيام بدوره، في التدريب والتأهيل، تصبح الكلفة المالية أقل بكثير جداً مما يتم الحديث عنه، بل وتصبح الفائدةُ أكبر على المدى المتوسط، وستكون لها الإنتاجية المطلوبة، وتحقق الأهداف؟. وهو الامر الذي اتفق معه غالبية الحضور.

المحاضرة التي انتهت وسط تصفيق شديد واعجاب كبير من الحضور وبمدى الطرح النير الذي اثرى الحوار عقب المحاضرة ، وفتح باب الاسئلة والنقاشات بين الرئيس الاسبق، والعديد من الطلبة، الذين تفاعلوا معه باسلوب جريء في الطرح، لاقاه جرأة في الاجابة وعمقا سياسيا واعيا مدركا.

واجاب الرفاعي عقب انتهاء كلمته في المحاضرة على اسئلة الطبلة والحضور، وقال ردا على سؤال حول وجود مشاريع سياسية دولية تطبق على المنطقة العربية في ظل غياب مشروع عربي بالقول، لا بد من وجود مشروع عربي لاعادة اللحمة بين الدول العربية الشقيقة، مشيدا بالتحالف العربي الذي اعلن عنه في قمة شرم الشيخ، ومعتبرا بانه خطوة في الاتجاه الصحيح.

واوضح ان مشكلة الامة العربية ليست مذهبية ابدا، بل تتمثل بمحاولات قوى خارجية السيطرة على الوطن العربي.

ودعا الرفاعي الفلسطينيين في معرض رده على سؤال اخر، الى التماسك وتنحية اي خلافات جانبا ليقدموا القضية الفلسطينية على طاولة العالم.

واشار الى ان الربيع العربي جعل من القضية الفلسطينية في ذيل قائمة اهتمامات العالم، مشيرا الى خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني التاريخي الذي القاه في مدينة ستراسبورغ موخرا، ووضع فيه القضية الفلسطينية على طاولة اوروبا والعالم، جاء في الزمان والمكان الصحيحين، مذكرا بدعوة جلالة الملك الى قادة المجتمع الاوروبي والعالم الى تحمل مسؤولياتهم الاخلاقية والدولية تجاه الشعب الفلسطيني المحتل.

كما تطرق الرفاعي الى موضوع الفوسفات، والطاقة النووية، وتقاعد النواب والوزراء، ومشكلة اللجوء السوري، وقضايا اخرى مختلفة، جرت بحوار شيق وشفاف بين الطلبة والحضور الذين تفاعلوا بشكل ملفت مع الطروحات والرؤى السياسية التي قدمها الرفاعي بمحاضرته.

وعلى هامش اللقاء، رصدت جراسا مدى الشعبية التي يتميز بها عضو مجلس الاعيان والرئيس الاسبق الذي التف حوله العشرات من الطلبة والطالبات، في وقت لم تفارق البسمة شفتيه طيلة احاديثه الجانبية مع الحضور والتقاط الصور معهم.

سؤال اخير وجهته احدى طالبات الجامعة للرفاعي عقب قصيدة القتها ترحيبا بحضوره الى محافظة معان، حين قالت : هل يغير "الكرسي" صاحبه ؟.. فاجابها مبتسما .. بالتاكيد .. هو يغير فقط الشخص الذي لديه القابلية ليتغير؟ واضاف .. "الكرسي" مسؤولية وامانة خطيرة تلقى على كاهل الشخص المكلف، الذي تكون غايته العمل والانجاز ..لا الكراسي..!

لقراءة النص الكامل للمحاضرة على الرابط التالي :

www.gerasanews.com/index.php?page=article&id=180169



تعليقات القراء

محمد كريشان
شاهدت المحاضرة كلها واستمتعت من قلبي لاول مرة بلقاء رئيس حكومة وشعرت انو سياسي شاب وواعي جدا جدا نفتخر انه اردني
31-03-2015 01:28 AM
راااااائع
اكثر من رائع وبالحقيقة لولا بداية الربيع العربي لانجز الرفاعي الكثيررر والله
31-03-2015 01:29 AM
ابو سائد العظم
خريج مدرسة الهاشميين..... كيف لايكون الشبل اسد ؟؟؟؟؟؟؟ نحييك فخامة الرئيس واطال الله بعمرك
31-03-2015 01:30 AM
منال
موسوعة سياسية وبصراحة كانت من ارقى المحاضرات التي حضرتها في الجامعة
31-03-2015 01:31 AM
تاج راسنا ابو حسين
الله يديم بعمر سيدنا ابو حسين ويطول عمرو يا رب الاردن في قلوبنا اغلى من قلوبنا
31-03-2015 01:31 AM
مازن البلبيسي
بصراحة احترمك
31-03-2015 01:32 AM
صقر الجنوب
نورت معان وجامعتنا الحبيبة دولة سمير الرفاعي اهلا وسهلا بك دوما بين اخوانك المعانيين
31-03-2015 01:34 AM
خلود ابو غزالة
مدرسة رفاعية خرجت من تحت عباءة الملك حسين الله يرحمو يا رب كل شبابنا مثلك ويديم الاردن يا رب
31-03-2015 01:35 AM
الفالوجي لعيونك
وحشششششششششششششش ابو سمير الله يديم لالاردن ولامن علينا يا رب
31-03-2015 01:36 AM
ابو خليل
الله اعلم دولة سمير الرفاعي هو رئيس الوزراء القادم .
31-03-2015 03:06 AM
فراس الحمد - كاتب وباحث
كل الاحترام لدولة الاستاذ سمير زيد الرفاعي الاكرم ابن الاكرمين .... فعلا رجل دولة من طراز رفيع , وصاحب رؤى حكيمة واستباقية بنفس الوقت ... حفظ الله الاردن
31-03-2015 09:12 AM
سلطي
انا معجب بهالشخصية ونفسي اجلس معه جلسة خاصة
31-03-2015 10:55 AM
رد الى ابو حليل
بكل المؤشرات تدل على انه رجل المرحلة القادمة اتفق معك
31-03-2015 06:00 PM
لرحمونا
حكومة عبدالله النسور شلحتنا اواعينا بيكفي اليوم رفعو اسعار البنزين ومبارح الكهرابا دخيل الله ارحمونا
01-04-2015 01:19 AM
مازن ابو غالية
رسائل سياسية خطيرة وهامة تستحق الاشادة والاحترام
01-04-2015 01:21 AM

أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات