العَلاقَةُ بَيْنَ إيْرَانَ والْشيَطانِ الْأَكْبَرِ "أَمْرِيْكَا"ارْتِبْاطِيَّةٌ


لنرجِعَ إلى الوراءِ خمسةً وثلاثينَ عامًا وأكثرَ ،لندرِكَ وجودَ حلفٍ استراتيجِيٍ بينَ الشيطانِ الأكبرِ – أمريكا – وشيعةِ إيرانَ ،أطلقَ فِكرتَه وأبتدَعهُ "ريتشارد نيكسون" رئيسُ الولاياتِ المتحدةِ الأسبقِ، صاحبُ أكبرِ فضيحةٍ سياسيّةٍ في تاريخِ أمريكا ،في مذكراتِه المترجمةِ إلى العربيةِ ،والتي كتبَها آخرَ عمُرِهِ ،بعدَ انتهاءِ رئاستِه ومغادرتِه البيتَ الأبيضَ ،قالَ بصراحةٍ : ( إنّه على يقينٍ مِن أنّه هو ورؤساءُ أمريكا الذين سبقوهُ لمْ يفطنوا إلى أهميةِ الخلافِ بينَ السنّةِ والشيعةِ ،لذا على الذين يأتون مِن بعدي أنْ لا يقعوا في الخطأ الذي وقعتُ أنا فيه ومَن قبلِي ،وأنْ يستثمروا الخلافَ الشيعِيَّ السنِّي لتعزيزِ المصلحةِ الأمريكيّةِ العليا ،وببعدٍ عميقٍ ،استراتيجيّ المدَى)

فكانَ أولُ نتائجِ هذهِ الصيحةِ التي أطلقها "نيكسون" :تأييدَ الخمينِيّ في ثورتِه المشئومةِ على الشاه ،فأمدّته بالأموالِ والخبرةِ والإسنادِ الإعلاميِّ ،وخططتْ له ثورتَه وأوكلَت إلى فرنسا معاونَته في ذلك ؛فكانتْ ثورتُه البائِسةِ ،وحين قامتْ قواتُ الجيشِ بالتصدي للمتظاهرين ،ومعَ سقوطِ أولِ متظاهرٍ ،قامَ قائدُ الحلفِ الأطلسِيِّ بزيارةِ فوريّةٍ إلى طِهرانَ ،ومنعْ الشاهِ مِن استعمالِ القوةِ المفرطةِ معَ المتظاهرين ،ومنعْ الجيشِ وقواتِ الأمنِ مِن الاعتداءِ عليهم ،وتكلَّم بذلكَ علانيةً جهارًا نهارًا على شاشةِ التلفزيون الإيرانِيِّ ،فانهارَ حكمُ الشاهِ ،وجاءَ الخمينيُّ على متنِ طائرة AIRBUS فرنسيّة ،تحفُهُ عنايةُ أمريكا وفرنسا ،حطّتْ في مطارِ طِهرانَ .

ومنذُ ذلك الوقتِ تبنّتْ أمريكا إيرانَ ،وأقامتْ معها حلفًا شيطانِيًّا ،تطوّرَ فيما بعدُ إلى حلفٍ أمريكي مع كلِّ الشيعةِ في العالمِ ،ليكونَ بمثابةِ الإسفين الأخيرِ فِي نعشِ أمّتِنا العربِيَّةِ.

والعجيبُ ،أنَّ الأنظمةَ العربيَّةَ تسعى خلفَ جلّادِها وتجري وراءَ السرابِ، وليسَ لها إستراتيجيةٌ واحدةٌ، بلْ تحكمُها مجموعةُ استراتيجياتٍ ليستْ مبنيَّة على ما ينبغِي القيامُ بهِ لحمايةِ الأمنِ القومِيِّ ،وإنّما على المصلحةِ الخاصّةِ في تحالفاتِها."ورُبّ ساعٍ إلى السَّرَاب يحسبُه ماءاً .. فلم يَزدْهُ طَلَبُ السَّرَابُ إلا زيادة الظمأ"

غيابُ الرؤيةُ الإستراتيجيةُ وعدمُ وجودِ منظورٍ متكاملٍ بشأنِ الأمنِ القومِيِّ للدولِ العربيّةِ ،كانَ سببَ نجاحِ الإستراتيجيةِ الإيرانيّةِ الصفويّةِ الاستعماريّةِ في إغراقِنا بصراعاتٍ داخليةٍ أبعدتنا عنْ مشاكلِنا الأساسيّةِ وقضايانَا العربِيّةِ ،فقامتْ بدعمِ الأنظمةِ وحركاتِ التمردِ الشيعيّةِ في العالمِ العربِيِّ التي أصبحتْ مصدرَ تهديدٍ لأمنهِ واستقرارهِ وتمزيقهِ وبترِ أطرافِه لتحقيقِ حلْمِها في قيامِ امبرطوريةٍ ساسانيّةٍ فارسيّةٍ .

وهذا ما أكَّدَه علي يونسي مستشارُ الرئيسِ الإيرانِيّ ،ومن خلالِ مشاركتِهِ في مؤتمرٍ خاصٍ عن «الهويةِ الإيرانِيّةِ» قال فيه : (إنَّ إيرانَ اليومَ أصبحتْ إمبراطوريةً كبيرةً كما كانتْ عبرَ التاريِخ وعاصمتُها الأزليّة بغداد حاليًا، وهي مركزُ حضارتِنا وثقافتِنا وهويتِنا اليومَ كمَا في الماضِي». ثم قال فُضَّ فوهُ :«إنَّ جغرافيةَ إيرانَ والعراقَ غيرُ قابلةٍ للتجزئةِ وثقاتَُنا غيرُ قابلةٍ للتفكيكِ ،لذا إمّا أنْ نقاتلَ معًا أو نتحدَ»، في إشارةٍ واضحةٍ إلى عودةِ ما يسمّى الإمبراطورية الفارسيّة التي كانتْ مسيطرةً على العراقِ فيما سبقَ حيثُ كانتْ" المدائنُ "عاصمةً لها.

كما أضافَ قائلاً: "سندافعُ عن كلِّ شعوبِ المنطقةِ ،لأنّنا نعتبرُهم جزءًا مِن إيرانَ ،”وسنقفُ بوجهِ التطرفِ الإسلامِيِّ والتكفيرِ والعثمانيين الجددِ والوهابِيِّين”.

لما احتلتْ أمريكا افغانستان عام 2001 ابتسمتْ إيرانَ نصفَ ابتسامةٍ بشدقِها الأيمنِ الشرقِيِّ وفي عامِ 2003 احتلتْ أمريكا العراقَ الصداعَ المزمِنَ لإيرانَ ،فاكتملتْ ابتسامةُ أيرانَ بشدقِها الأيسرِ الغربِيِّ.

ما فعلتْهُ أمريكا مع افغانستان فعَلتْهُ معَ العراقِ ،فالقصةُ رائحتُها تزكمُ الأنوفَ ،عندما طلبَ عبدُ العزيزِ الحكيمِ مِن الرئيسِ الهالكِ "بوش" احتلالَ العراقِ قالَ لهُ بالحرفِ الواحدِ :(إذا قمتَ بتمكينِ الشيعةِ مِن الحكمِ في العراقِ إذا احتللْتَها فإنَّ الشيعةَ على استعدادٍ كاملٍ لطاعةِ أوامركم وتنفيذِ كلِّ خططِكم والانحيازِ التامِّ مئة بالمئة لكم)وقد روى ذلكَ قائدُ القواتِ الأمريكيّةِ آنذاك في مذكراتِه ،وهذا ما كانَ فعلاً ،إذْ لمْ تستطعْ أمريكا احتلالَ العراقِ إلا بمعونةِ المخابراتِ الإيرانيّةِ والحرسِ الثوريِّ وفتوى السيستاني للجنودِ الشيعةِ في الجيشِ العراقِيّ بالاستسلامِ وإلقاءِ السلاحِ.

وبعدَ الاحتلالِ سلّمت أمريكا العراقَ لإيرانَ كما يُسلِّمُ المتسابقُ قصبَّ السبُقِ لمنْ يليهِ ويخلِفُه في السباقِ ،سلَّمتْ الحكمَ والجيشَ والشرطةَ والمخابراتِ والتجارةَ وكلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ وقامّ الإعلامُ الأمريكيُّ بطمسِ تعدياتِ الشيعةِ على أهلِ السنَّةِ وسفك دمائهم فلم يحركوا ساكنا ،لا بلْ وقاموا بحرقِهم بالفسفورِ الأبيض ،إنّها الفلسفةُ العمياءَ الحمقاءَ ،فلسفةُ اللصِّ الأثيمِ الذي يدّعي حراسةَ البيتِ وحمايتَه مِن حيثُ يريدُ نهبَهُ وسرقتَهُ وتخريبَهُ.

زعيمُ حزبِ الأمّةِ العراقيّةِ مثالُ الآلوسي قالَ :"إنّ إيرانَ وأميركا متفاهمتان على كلِّ شيءٍ في العراقِ وإنّ أميركا أطلقتْ يدَ إيرانَ في كلٍّ من اليمنِ وسوريا والعراقِ مقابلَ الملفِ النووي الإيرانِيّ ،والرئيسُ الأميركيّ باراك أوباما يريدُ أنْ يدخلَ التاريخَ ولو مِن أسوأ أبوابِه ِلمجردِ التوافقِ على الملفِ النووي الإيرانِيِّ".

جعجعةُ أمريكا التي لمْ تتوقفْ في تهديدِ إيرانَ التي تمتلكُ مشروعًا نوويًا حقيقيًّا إلا أنّها تمارسُ أقصى درجاتِ التروِيّ والهدوءِ ،فلمْ تعملْ لهمْ كما عمِلت للعراقِ ،الذي نُسِبَ إليهِ كَذِبًا وزورًا وبهتانًا السلاحَ النوويّ.

فضيحةُ أمريكا في سوريا ،أكبرُ وأكبرُ ،فهي التي تمنعُ سقوطَ النِظام النصيرِيّ في سوريا ،حفاظًا على أمنِ إسرائيلَ ،والدليلُ على ذلك قطعانُ التنظيماتِ الاستيطانِيّةِ الشيعيّةِ بقيادةِ السفّاح"قاسم سليماني" التي جاءتْ مِن كلِّ حدَبٍ وصوبٍ ،تسرحُ وتمرحُ ،تصولُ وتجولُ على الحدودِ مع الكيانِ الصهيونِيّ ،كلُّ ذلك تحتَ سمعِ وبصرِ أمريكا واسرائيل اللتان لمْ تُحرِّكا ساكنًا !!أليستْ تصريحاتُ وزيرِ الخارجيّةِ الأميركِيّ الأخيرةِ جون كيري تؤكدُ ذلك ؟ عندما قالَ : إنّ على واشنطن أنْ تتفاوضَ معَ الرئيسِ السورِيّ "بشار الأسدِ" لإنهاءِ النزاعِ فى سوريّا.

البلادُ العربيّة أصبحتْ اليومَ ضيعةً للاستعمارِ الإيرانِيِّ ،الذي استولى عليها دونَ تعبٍ أو مشقةٍ أو جهدٍ، بعدَ أنْ فقدتْ حُمَاتَها ،البلادُ العربيّةُ عرباتٌ تجرُّها قطاراتٌ تنقادُ لها ولو إلى الجحيمِ أو إلى الهاوِيِة!!
Montaser1956@hotmail.com



تعليقات القراء

خطاب سالم
أشكر أستاذنا الفاضل على سلامة اللغة وعمق الأفكار وصحتها
27-03-2015 10:04 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات