واقعنا المر كـ عرب .. في حلبة الصراع


جراسا -

الانتخابات في الكيان الصهيوني فرصة سانحة للأحزاب الصهيونية لتقديم برامجها التي يحاولون من خلالها دغدغة عواظف الناخب الصهيوني بالوقوف ضد كل المحاولات التي تبذل لمنح الفلسطينيين حقهم المشروع في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة ، وبطبيعة الحال ، القدس بما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية ومعالم اُثرية تبقى حجر الأساس بالنسبة لهم ، فمنذ العام 1965 حين أعلن ليفي أشكول رئيس الوزراء الصهيوني الذي شن بجيشه حرب 1967 على مصر وسوريا والأردن أعلن أن القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني وجميع من تولوا بعده رئاسة الحكومة ساروا على نهجه ويصرون على ذلك ، ضاربين بعرض الحائط كل قرار دولي يناقض مسعاهم هذا ، وهم ينفذون على أرض الواقع كل أطماعهم في المدينة المقدسة وباقي الأرض الفلسطينية ، وقد نجح الصهاينة في كل ما يقومون به لتقويض أي جهد دولي نحو تحقيق سلام في المنطقة ونجحوا في ذلك نجاحاً منقطع النظير، ولهذا أسبابه فالمشروع الصهيوني في فلسطين يسير منذ المؤتمر الصهيوني الذي انعقد في بال بسويسرا عام 1897 وفق ما خطط له بل الإنجازات التي تحققت كانت من نسج الخيال أولاً تحولت إلى واقع ولهذا أسبابه الكثيرة ..
من هذه الأسباب التي ساعدت على نجاح المشروع الصهيوني في فلسطين، تحالف الحركة الصهيونية الاستراتيجي مع بريطانيا المستعمرة أولاً حيث كانت تتحكم بأمر فلسطين منذ انهيار الامبراطورية العثمانية وبقرار من عصبة الأمم التي وزعت غنائم الحرب على الدول المنتصرة وكان من بينها فلسطين ، حيث أن تلك الدولة هي من فتحت أبواب الهجرة الصهيونية لفلسطين ودعمت المنظمات اليهودية لوجستياً وعسكرياً ومادياً تنفيذاً لوعدها المشؤوم بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين وأيضاً دعم الحركات العربية المناهضة للفلسطينيين ، ففترة الانتداب البريطاني لفلسطين، كانت هي نفسها فترة التحضير العميق والكامل لاستيلاء الحركة الصهيونية على أرض فلسطين.
ومن ثم تبني الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الأوروبية للمشروع وتقديم الدعم اللامتناهي لهذا الكيان المصطنع إلى جانب تماسك ووحدة الحركة الصهيونية وتشددها في تنفيذ كل ما تصبو إليه ففرضت هيمنتها على القرار السياسي والأمني في المنطقة ، في المقابل هناك تشرذم في مواقف الأطراف العربية المقابلة مما أسهم في ضعف دورها لصالح الكيان المصطنع ، مع أنه كان وما زال جلياً أن إقامة الكيان الصهيوني لم يكن يستهدف فلسطين وحدها وإنما إنشاء المشروع التاريخي على أرض فلسطين ليتمدد تدريجياً هذا الكيان على حساب دول عربية أخرى في المنطقة ، لهذا سعى هذا الكيان المصطنع وبدعم مطلق من داعميه ومنشئيه باستمرار لضرب احتمالات أي وحدة عربية أو تقارب أو تقدم عربي ، حتى لا يتكرر ما جرى في مصر من نجاح بقيام مشروع محمد علي في القرن التاسع عشر فكانت الدولة العبرية معول هدم لكل حركة بناء عربية وأصبحت هناك مداهنة لها من قبل الكثيرين في المنطقة العربية وصلت لدرجة التغزل بقادتها ومواقفهم وغض الطرف عن ممارساتها العنصرية وتعديها على مقدسات الأمة وتمريغ كرامتها في التراب ، ورغم ما تصنعه في الأراضي الفلسطينية من قضم مستمر لها ورغم ما تقوم به من دعم للحركات المناوئة لاستقرار كل الأقطار العربية والتي تعيث فساداً في مجتمعاتها ومع علم النظام الرسمي العربي بذلك إلا أنهم يصنعون كما تفعل النعامة بأن تضع رأسها في الرمال أو كما تفعل الدجاجة حين تعفر الثرى على رأسها وجسدها.
وعودة على بدء فإن هذا الكيان الغاصب في العام 1948تمكن من تحقيق حلمه الأولي بإعلان دولته وتثبيت أركانها لأن القوات العربية آنذاك والتي أرسلت للمحاربة في فلسطين كانت عبارة عن قطاعات عسكرية مبعثرة بإمرة قادة عسكريين لا دراية كافية لديهم في تضاريس المنطقة مما أضعفهم في إدارة شؤون الحرب إلى جانب أن القوات المشاركة كانت تمثل دولاً عربية وكل منها بقيادة منفصلة ، في الوقت الذي كانت فيه الحركة الصهيونية تقاتل بقوات مسلحة عالية التدريب، وتحت قيادة موحدة.
ومنذ بدايات المشروع الصهيوني على أرض فلسطين في مطلع القرن العشرين، وحتى يومنا هذا، لم يواجه العرب إسرائيل كقوة واحدة وتحت قيادة استراتيجية موحّدة، تعبر عن الإمكانيات القومية الجامعة للأمة العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي بل كانت تحكمها عوامل لكسب ود الشارع العربي لا أكثر .
وما زاد الأمر سوءاً في السنوات الأخيرة من الصراع ، ما حصل في تجزئة معالجة قضايا الصراع في المنطقة العربية بعدما تم توقيع معاهدتي سلام مع الكيان الغاصب من قبل دولتين عربيتين من دول الطوق العربي "مصر والأردن" وتبعتهما منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وقد أدى ذلك لنمو حركات مقاومة عربية تقاتل العدو الصهيوني، أصبحت تلك الحركات تشكل تحدياً استراتيجياً يثير أعلى درجات القلق لدى قيادة الحركة الصهوينية وداعميها، في جبهتيها الشمالية والجنوبية، ونتيجة لتوجه النظام الرسمي العربي في التضييق على جبهات المقاومة فقد ارتمت هاتين الجبهتين في أحضان دول أخرى كإيران الفارسية التي تخدم مصالحها من خلال الوقوف مع جبهات المقاومة وإلى حين .. أي أن هذا الدعم لن يستمر طويلاً بل يسعى فيما يسعى إليه تقويض النظام السياسي العربي وهو نفس ما تسعى إليه الدولة العبرية في نهاية المطاف فالتحالفات أو المواقف العربية الرسمية منذ ما بعد حرب أكتوبر 1973 قوض دور الجامعة العربية والتآلف العربي وحركة النهوض العربية التي كانت تجابه كل ما يخطط له ضد الكيانات العربية في المنطقة وخدم ويخدم المخطط الصهيوني الذي أخذ في التمدد بالجسم العربي بدون قتال فنشروا "إيران ودول التحالف الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني" الفوضى في أرجاء الوطن العربي .. الموقف العربي الرسمي، والإسلامي الذي يرى ولا يريد أن يسمع ودوره كـ"الأطرش في الزفة" دفع العرب في الأراضي المحتلة عام 1948 أخيراً، ولأول مرة في تاريخ الدولة العبرية، إلى تشكيل قائمة موحدة للقوى العربية في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وهو حلم عرب فلسطين المحتلة عام 1948 يتحقق لأول مرة منذ إنشاء الكيان الغاصب، فمثلما هو معلوم للجميع أن هؤلاء قد واجهوا كل محاولات التذويب والتفتيت والتهميش التي مارسها الكيان الغاصب ضدهم منذ إنشاء كيانه .
لكل هذه الأسباب مجتمعة، وتأسيساً على اتفاقيات «أوسلو» التي ثبتت بقصد أو بدون قصد الأوضاع على أرض فلسطين المحتلة لمصلحة المشروع الصهيوني، فإن الحركة الصهيونية تجد نفسها وقد تفرغت بالكامل للقسم المتبقي لابتلاع ما تبقى وفق وصفهم من «أرض الميعاد»، الضفة الغربية أو شرق فلسطين.
فالحركة الصهيونية ما فتئت ولا ترددت منذ بدء الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين التاريخية في ابتلاع أي جزء من أرض فلسطين التاريخية بل زادت في ذلك من خلال إرهابييها من المستوطنين مؤخراً، وسط وضع عربي عام لم يعد قادراً فيه على مواجهة هذا الكيان الذي لم يعد يكترث أو بحاجة إلى معاهدات سلام مع الدول العربية التي تتكالب عليها الخطوب من كل جانب ، وما دام الوضع القائم يكال بمعايير مزدوجة دولياً تأخذ في الحسبان مصلحة الدولة العبرية قبل الجميع، فلا معاهدات سلام ممكنة ما لم تكن فيه الغلبة لهذه الدولة وقد ساعد في ذلك بقصد أو بدون قصد سلطة فلسطينية تخلّت سواءً طوعاً أو كرهاً عن أي ورقة من أوراق للقوة قد تمكنها من فرض شيء حتى ولو كان بسيطاً لصالح شعبها، وتمسكت بورقة المفاوضات وحدها، والتي تحوّلت "أقصد ورقة التفاوض" لستار تجري وراءه العمليات التنفيذية لابتلاع ما تبقى من شرق فلسطين المحتلة وبالذات مدينة القدس، في قسمها التاريخي المسمّى القدس العربية " القديمة" .
صحيح أن قيادات الحركة الصهيونية تركز منذ عام 1948 وحتى الآن على قضم الأرض الفلسطينية لكنها لن تغفل عن الأرض العربية في دول الطوق وما بعد دول الطوق فسيتحول اهتمامها على سائر الجبهات المحيطة ولطالما عقدت تحالفات مع دول محيطة بالعالم العربي سواء في إفريقيا أو تركيا أو الأكراد أو إيران وسيبقى مشروعها قابلاً للتمدد حينما تجد أمامها الفرص المؤاتية .. هذا هو واقعنا المر كـ عرب في حلبة الصراع .

عبد الحميد الهمشري



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات