" هيبة الدولة " السعودية نموذجا (1)


خلال زيارة قصيرة لمدينة الرياض وبعد 26 عاما خرجت بملاحظات عديدة تتناول كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيها ، وكان هاجس المقارنة هو المسيطر على عقلي في اي حديث أومشهد يتم التعرض له مع الاصدقاء في تلك المدينة.
وهذه أولى تلك الملاحظات التي سأحرص على الكتابة في بقيتها وذلك لضرورة التعرف على الطريقة التي تتم بها إدارة الدول وبالأخص في علاقة المواطن مع مكونات الدولة واهمها الجانب الأخلاقي والمادي فيهما، والحديث هنا عن الطعام وانتشار ظاهرة المطاعم في تلك المدينة التي تعج بالناس من كافة بلاد العالم .
في فترة الثمانييات من القرن الماضي لم تكن ثقافة تناول الطعام في المطاعم منتشرة في تلك المدينة ، وربما يعود ذلك لأسباب كثيرة من ابرزها عدم وجود مطاعم تمتلك القدرة على ايجاد تنوع في نوعية الأطعمة التي تقدمها ، وكذلك وجود موانع اجتماعية تنبع من طبيعة البلد الدينية التي تحد من الاختلاط مما يجعل وجود قاعات خاصة بالعائلات نادرة جدا ، وكذلك وهو الأهم فقدان الثقة في نوعية الطعام وجودته ومطابقته لشروط السلامة العامة .
واليوم وفي مدينة الرياض يدهشك أنك تجد أكثر من مائة مطعم في شارع واحد يمتد لمسافة لاتتجاوز الثلاثة كيلو مترات وجميعها من الدرجة السياجية الأولى ، وكذلك في بقية احياء المدينة التي حوت في جنباتها كافة انواع الطعام من الشرق الى الغرب ومن خلال علامات تجارية لشركات عالمية ، واصبحت عادات تناول الطعام في المطعم منتشرة بكثرة لدرجة أنها أصبحت من أهم مظاهر سلوك الأفراد في تلك المدينة ومن احد مظاهر الترحيب بالضيف لديهم .
ويضاف الى ذلك انتشار ظاهرة المقاهي ومطاعم الوجبات الصباحية التي تقدم لك قههوة الصباح على الأرصفة التي انتشرت عليها المقاعد ، وهذه ظاهرة لم يكن بالامكان تخيل وجودها في فترة الثمانينيات من القرن الماضي ، ويرافق كل ذلك ثقة كبيرة من قبل السكان بجودة الطعام وشروط السلامة العامة والصحة فيه .
وهنا يأتي دور الدولة في إدارة تلك التطورات في السلوك الاجتماعي العام والتجاري في نفس الوقت الذي تتطور فيه بنية تلك المدينة المادية بسرعة كبيرة جدا، وذلك من خلال تطبيق القانون بكل شفافيه واستخدام سلطاتها في تنفيذه دون محاباة أو وجود مافيات تسيطر على تلك التجارة التي تبلغ قيمتها عشرات بلايين الدولارات سنويا ، ويتمثل هذا التطبيق بأن تقوم الجهات الصحية بتنفيذ حملات دورية ترافقها مختبرات فنية ميدانية على تلك المطاعم للتأكد من صلاحية الطعام والشراب المقدم ، وتمتلك تلك الفرق صلاحية إغلاق المطعم أو المقهى دون الرجوع لإداراتها ، ويتم التشهير بكل من يخالف التعليمات من خلال وضع ملصقات كبيرة على بوابة تلك المطاعم والمقاهي تشيير الى أنه تم إغلاقه لمخالفته الشروط الصحية .
وتأتي تلك الاجراءات كون الدولة تعلم الحجم المالي الكبير لهذه السوق ودورها في إبقاء نسبة كبيرة من مداخيل من يعملون فيها داخل البلد ، وهي هنا تحقق هدفين؛ الأول فرض قوة القانون لها كدولة أو ما يطلق عليه لدينا " هيبة الدولة " ،وثانيا ترسيخ ثقافات استهلاكية بين مواطنيها والوافدين لديها كي تنوع في المداخيل المالية لها كدولة ، فهل نحن بالأردن تستطيع الدولة أن تفعل ذلك سؤال يطرح للسلطلة التنفيذية واصحاب محاولات " فاشله " لفرض هيبة الدولة ويسقطون تحت اقدام مافيات الطعام ؟.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات