أقنعة الزواج


الله وحده؛ هو من قد يجنبك الهالة الناجمة عن دخول عائلة (أبو فوزات) بعلاقة نسب أو مصاهره مع عائلة (أبو صلاح)! .. حيث تشبه هذه العلاقة اتحاد وتحالف دولتين مع بعضهما ضد عدو مشترك، فتظهر كل دولة للأخرى مودة وتكاتف غير مسبوقين، ويتسابقان على تقديم كل ما يتوفر لديهما مما يحتاجه الآخر كالنفط والقمح والماء والسلاح والكهرباء وغير ذلك .. أما إذا كنت جاراً أو قريباً لعائلة من الأنسباء الجدد، فعليك تحمل ما يمكن أن يطالك نتيجة انصهار العائلتين بالتحالف الجديد.

علاقة النسب هذه، القائمة على المودة والكرم منقطعي النظير، تظهر بالأيام الأولى بتآلف وانسجام كل شخصين مناسبين لبعضهما بالعائلتين .. فبداية العروسين يكونان مثل طائري الحب، مشغولين ببعضهما ويتهامسان ويتلاطفان ويخططان لكل شيء بحياتهما المقبلة باتفاق وتوافق عاليين، بدء من المطرب المفضل مروراً بلون الستائر والسجاد، وصولاً لشكل غرفة النوم وتسمية المولود، وربما يصلان بتفكيرهما إلى احتمالية ولادتهم لـ (صلاح الدين الثاني) وتحرير فلسطين، وحين تمتدح العروس عطر (فوزات) يخبرها بأنه عطر فاخر وغالي يشريه باستمرار من أشهر ماركات العطور، ثم يسهب بالحديث لها عن سيارته الـ (بي أم) الحديثة وأنه لا يمكن أن يقتني غير الـ (بي أم) .. أما والدي العروسين فيهيمان بحديث كل منهما للأخر عن صفاته الحميدة ومقومات الخير والنجاح لديه التي تذكر ولا تحصى؛ فيتحدث ابو صلاح عن حياة البركة ومدى واقعيته، وانه عاش وتربى ببيت مكون من غرفة ومنافعها فقط، ويكره الإسراف و(البعزقة) وتطورات الأعراس الحديثة مثل الصالات والألعاب النارية وخروج البنات (مشلحات) من صالونات التجميل، ولا يفوته إشعار أبو فوزات بأن لديه ورثة كبيرة من الأراضي والعقارات التي لا تزال قيد الإفراز مع إخوته الآخرين، لما لذلك من تحفيز لأبو فوزات ... في حين يتحدث ابو فوزات عن كثرة مشاركته بالجاهات والعطوات واصلاح ذات البين، وكذلك الحديث عن أيام عمله كموظف وأنه كان أكثر موظف محبوب بين زملاءه، وأنه كان يجازف ويمشي معاملات الناس وييسر أمورهم .. ويستخدمان خلال حديثهما بكثرة جمل تشد الانتباه مثل: "صليت عالنبي .. شايف علي يا ابو صلاح .. شولك بطولة السيرة .. الله ينعم عليك" أو أن (ينخش) أبو صلاح أبو فوزات بيده بين فترة وأخرى لضمان متابعته لحديثه.

أما ام صلاح وأم فوزات فتستغرقان بالأحاديث المثالية التي يمكن ادراجها تحت قيم افلاطون الثلاث (الحق والخير والجمال) فتتحدث أم صلاح عن أن أهم شيء بالنسبة لها هو (الستر والوفق) بين العروسين، وعن كمية الصحون والطناجر والسجاد والأثاث الذي بعثته لبيوت بناتها السابقات حينما تزوجن، وتتحدث أم فوزات عن ان أنها باعت ذهبها وأعطته ثمنه لأبو العبد حتى أكمل بناء الطابق الثاني من البيت، بل حتى (عيديتها) تقوم بإعطائها لأبو فوزات، وأنها وبفضل الله تذهب كل سنه للعمرة عابدة ناسكة، ويكررن جمل من مثل : " شايفه يده .. بينا وبينها الله .. السو عالعدى ... الله يخلي وليداتك" .. كذلك فإن إخوان وأخوات العروسين يجد كل منهما من يوافقه بالعائلة الأخرى ويقيم معه الصداقة التي لا تقل عن سابقيهم، فإذا كان بالعائلتين شخصين خدما بالجيش فسيهيمان بالحديث عن الحياة العسكرية، ويتحدث أحدهما عن أنه كان دائما الأول بالدورات العسكرية أو أنه كان يتمرد على قائد السرية ولا يجرؤ الأخير على محاسبته .. أما اذا كان بالعائلتين شباب بالعشرينيات فسيقوم أحدهما باصطحاب الاخر بالسيارة التي يسرقها من والده، ويقوم برفع صوت المسجل عاليا وبالتشحيط والتخميس واستعراض مهاراته بالقيادة أمام شباب الحارة الذين لا يعيرهم انتباه بوجود ابن التحالف الجدد، في حين تقوم الفتيات بتبادل الهدايا المتعلقة بالبنات مثل الفساتين أو المكياج والاكسسورات التي يؤكدان لبعضيهما أنهما من أرقى المحلات ومن ماركات عالمية، ويصدف أن يكون بكلتا العائلتين ابن متدين أو الأكثر تديناً، فيعيشان مع بعضهما حياة الصحابة ويتحدثان عن السلفية والوهابية وعن أن الحنابلة متشددين أكثر من الأحناف وعن أهمية تقصير الدشداش والشاربين وإطالة اللحية وضرورة توفير الدعاة والوعاظ لمسلمي أوروبا .. وأما إذا كان هناك شاب وفتاه في نهاية المراهقة فيظلان يتبادلان الابتسامات والغزل غير المباشر الذي تلاحظه العائلتين وتتشاور كل عائلة بداخلها بمناسبة هاذين الشابين لبعضهما وعن نيتهم تزويجهم من بعضهم بالمستقبل وزيادة علاقة النسب.

باختصار: فان كل عائلة ترى في الأخرى تؤمها الذي كانت تفتقده، وأنه لا يوجد عائلة اخرى يمكن أن تكون أنسب من هذه العائلة التي ارتبطوا بها، بل حتى الأنسباء السابقين أو القدماء يصبحوا (بايرين) بوجود الجاذبية الجديدة ... عائلة ابو صلاح من كبيرها لصغيرها لا ينفك لسانها عن ذكر وتمجيد فوزات .. "فوزات راح .. فوزات اجى .. هيك قال فوزات .. صاحب فوزات .. يمه ما تحطي ملح كثير عالأكل لانه فوزات بحب الاكل مش مالح" ... في حين ان عائلة ابو فوزات تتهافت على وصف جمال العروس الجديدة، فيرون أنها أشبه ما تكون بـ (ليدي جاجا) بل منهم من يرى أنها أجمل منها، لأن ابتسامتها مثل ابتسامة (باميلا اندرسون) على الرغم من أن ابو فوزات يؤكد على أن العروس حسب قوله: " على دم الاميرة ديانا .. واحلى من سميرة توفيق" .. وكل ما سبق في الأيام الأولى من التعارف أو الخطوبة.

يوم عقد الزواج أو الليلة التي تسبقه؛ يسقط القناع الأول وتكون الصدمة الأولى؛ وذلك حين يصر أبو صلاح الذي عرفنا عنه عدم حب البعزقة والإسراف، على مهر ابنته من عريسها الموظف براتب 400 دينار هو كالتالي (10 ألاف دينار ذهب ومقدم و20 ألف دينار مؤجل) ثم تتوالى بعد ذلك سقوط الأقنعة الواحد تلوى الأخر، فتاريخ ميلاد العروس أظهر أن عمرها 32 سنة وليس 29 كما ادعت، وأن سيارة الـ بي أم التي حضر بها فوزات استعارها من صديقه وهو لا يمتلك سيارة أصلاً، وثمن عطره دينارين من عطور الزيوت وسط البلد، وبأن تسيير أعمال الناس التي ادعاها أبو فوزات خلال وظيفته كانت هي بالرشاوي و(البراطيل) وأن العمرة السنوية لأم فوزات وزيارتها للديار المقدسة تكون بهدف بيع زيت وجميد الموسم بالسعودية ومن ثم إحضار حرامات وملابس وبخور وحناء وبيعها بالأردن، وأن مكياج وأكسسوارات الفتيات المزعوم بأنها من أرقى الماركات هي من محلات الأدوات الصينية المقلدة .. أما يوم العرس الذي رُفض اقامته الا في صالة فاخرة ظهرت أم صلاح (التي تحب الستيرة) بفستان حفر كلف العريس مبلغ وقدره، أما ابو فوزات صاحب الجاهات والعطوات فقد (فظع) برقص السلوو مع أم فوزات ومع غيرها.

هيه يا ابو صلاح، عني وعن بقية هالشباب: .. لما نيجي نخطب بناتك اطلب كل اللي بدك ياه بصراحة وعبر عن واقعك مثل ما هو انت وأبو فوزات، بس مشان القرود السود وستر ام صلاح، والسبع حجات لام فوزات، لا تظلك تقوللنا انك ضد الصالات والألعاب النارية وطلعة البنات مشلحات من الصالون .. وانا بضمنلك استمرارية الزواج.



تعليقات القراء

جواد
جميلة
رد بواسطة انداري
شو الجميل فيها ؟؟؟
16-02-2015 08:17 PM
من الواقع
واقعية..ومعبرة...يسلموا ايديك على التعبيرات الجميلة.
19-02-2015 08:53 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات