"كلا إنها لظى* نزاعة للشوى"


جراسا -

( كلا إنها لظى * نزاعة للشوى * تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى )

يقول تعالى ذكره : كلا ليس ذلك كذلك ، ليس ينجيه من عذاب الله شيء . ثم ابتدأ الخبر عما أعده له هنالك جل ثناؤه ، فقال : ( إنها لظى ) ولظى : اسم من أسماء جهنم ، ولذلك لم يجر .

واختلف أهل العربية في موضعها ، فقال بعض نحويي البصرة : موضعها نصب على البدل من الهاء ، وخبر إن : ( نزاعة ) ; قال : وإن شئت جعلت "لظى" رفعا على خبر إن ، ورفعت ( نزاعة ) على الابتداء ، وقال بعض من أنكر ذلك : لا ينبغي أن يتبع الظاهر المكنى إلا في الشذوذ; قال : والاختيار ( إنها لظى نزاعة للشوى ) "لظى" : الخبر ، و : "نزاعة" حال ، قال : ومن رفع استأنف ، لأنه مدح أو ذم ، قال : ولا تكون ابتداء إلا كذلك .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن ( لظى ) الخبر ، و ( نزاعة ) ابتداء ، فلذلك رفع ، ولا يجوز النصب في القراءة لإجماع قراء الأمصار على رفعها ، ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب; وإن كان للنصب في العربية وجه; وقد يجوز أن تكون الهاء من قوله : "إنها" عمادا ، و : "لظى" مرفوعة ب "نزاعة" و : "نزاعة" ب "لظى" كما يقال : إنها هند قائمة ، وإنه هند قائمة ، والهاء عماد في الوجهين .

وقوله : ( نزاعة للشوى ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظى : إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن ، والشوى : جمع شواة ، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا ، يقال : رمى فأشوى ، إذا لم يصب مقتلا ، فربما وصف الواصف بذلك جلدة الرأس

وربما وصف بذلك الساق ، كقولهم في صفة الفرس :

عبل الشوى نهد الجزاره

يعني بذلك قوائمه ، وأصل ذلك كله ما وصفت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : ثنا محمد بن الصلت ، قال : ثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، قال : سألت ابن عباس عن : ( نزاعة للشوى ) : قال : تنزع أم الرأس .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( نزاعة للشوى ) قال : لجلود الرأس .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن المهاجر ، قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : ( نزاعة للشوى ) فلم يخبر ، فسألت عنها مجاهدا ، فقلت : اللحم دون العظم؟ فقال : نعم .

حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا قبيصة بن عقبة السوائي ، قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : ( نزاعة للشوى ) قال : نزاعة للحم الساقين .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن قرة بن خالد ، عن الحسن ( نزاعة للشوى ) قال : للهام تحرق كل شيء منه ، ويبقى فؤاده نضيجا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( نزاعة للشوى ) : أي نزاعة لهامته ومكارم خلقه وأطرافه .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( نزاعة للشوى ) : تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( نزاعة للشوى ) قال : الشوى : الآراب العظام ، ذاك الشوى .

وقوله : ( نزاعة ) قال : تقطع عظامهم كما ترى ، ثم يجدد خلقهم ، وتبدل جلودهم .

وقوله : ( تدعو من أدبر وتولى ) يقول : تدعو "لظى" إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله وتولى عن الإيمان بكتابه ورسله .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( تدعو من أدبر وتولى ) قال : عن طاعة الله ، ( وتولى ) قال : عن كتاب الله ، وعن حقه.


الدكتور فايز ابو درويش



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات